بلال شرارة
قال لي دبلوماسي عربي، الأسبوع الفائت: «لا تنتظر حلولاً لأية قضية أو مسألة أو طياً لأي ملف من ملفات المنطقة في القريب العاجل ولا المتوسط.. سيصدمك ما أقول ربما أمامنا سنوات.. عشر سنوات لنشهد نوعاً من الاستقرار والازدهار! أنا أعرف أنك تتابع الأمور. وحتى لا تتعجل بالاستنتاجات، إليك هذه الصورة: الأميركيون والروس يحاولون ترسيخ مناطق النفوذ انطلاقاً من إعادة ترسيم الاتقاقيات حول التسلح بينهما واعتراف كل منهما بمناطق نفوذ الآخر والعودة بالتالي إلى اقتسام القارة العجوز (أوروبا) والشرق الأوسط وأفريقيا».
أخدت هذا القول على محمل الحقيقة وليس مجرد الرأي، فالدبلوماسي العربي صديق وكان يحاول أن يضيء أمامي سبيلاً فلا أقع في سوء التحليل ولا سوء التقدير ولا سوء الاستنتاج.
قال لي: ربما تخدعك بعض الأمور وتعتبر أن بعضها متجهة إلى نهايات ما، مثلا انتهاء الحرب في الحديدة اليمنية ووقف إطلاق النار.. أنا لا أصدق ذلك، تحدث كل يوم العشرات بل المئات من الخروقات لوقف إطلاق النار والغارات الجوية. فأين اتفاق السويد؟ وفي سوريا هل أن انسحاب القوات الأميركية هو نهاية الأمور أم بداية مسار جديد للأزمة السورية؟ هل ستنفذ تركيا عملية عسكرية جديدة تتجاوز على السيادتين السورية والعراقية بحجة تجريد الأكراد من السلاح؟ وماذا ستفعل تركيا إزاء هزيمة التنظيمات المسلحة الموالية لها في ريف حلب الشمالي على يد جبهة النصرة التي تتستر هذه الأيام تحت اسم آخر؟ هل تستطيع دمشق وبغداد إطلاق عملية عسكرية مشتركة لإزالة التهديد الإرهابي الذي يتخذ من المنطقة الحدودية بين البلدين ملاذاً له؟ هل أن دبلوماسية التقرب الخليجي من دمشق بريئة ومجرد إقرار بالهزيمة واعتراف بانتصار الأسد أم أنها محاولة لمساومة دمشق على تحالفاتها وإطلاق خطة جديدة هدفها إيران ضمن مخطط تقوده واشنطن على رأس «تحالف راغبين» والذي ستتوضح معالمه خلال اجتماع بولندا في 13 و14 شباط (فبراير) القادم.
أضاف الدبلوماسي العربي الصديق: هل تعتقد أن احتجاجات السودان ستنتهي بوضع جمهور النظام مقابل المعارضة (وبطيخ يكسر بعضه) أو بتصعيد المجابهة واستخدام فلسطين (رفض النظام التطبيع مع إسرائيل واتهام المعارضة بالعمالة لها)؟ هل ستنفع الوساطة المصرية بخفض سقف التوترات بين فتح وحماس والبدء ببناء وصنع تفاهمات ومصالحات بينهما وصياغة موقف وخطاب سياسي فلسطيني موحد؟
هذا الأمر ينسحب على المغرب العربي حسب الدبلوماسي العربي، انطلاقاً من ليبيا التي تتبعثر فيها الولاءات وتنقسم بين الشرعيات والجماعات المسلحة. وهو الأمر الذي يبرز كصراع مباشر وخفي في الجزائر حول صيغ الديمقراطية في ذلك البلد لتبرير تجديد انتخاب الرئيس بوتفليقة. كذلك المغرب الذي يعاني من قضية الصحراء الغربية وازدواجية السلطة الملكية والحزبية الإسلامية. وهذا الأمر يبرز أيضاً في تونس التي تعيش في مخاضات مستمرة.
كذلك المخاضات الاجتماعية في الأردن ولبنان والعراق هي وقائع لا يمكن الاستخفاف بها ولا يمكن تجاهلها إضافة إلى الوقائع السياسية التي تمنع تشكيل الحكومة في لبنان ولا تزال تمنع تعيين وزراء في المناصب الأمنية في العراق.
الدبلوماسي العربي أشار إلى أن مصر في واقع الأمر تعاني من حرب ضد الإرهاب الذي اتخذ لسنوات طويلة من سيناء قاعدة ارتكاز له وهو استخدم غزة واستخدمته إسرائيل إضافة إلى الإرهاب الذي يهدد مصر من الجوارين الليبي والسوداني.
وقال الدبلوماسي إن احتساب الوقائع في كل الأقطار التي هي أعضاء في جامعة الدول العربية تدل على مشكلات لا يمكن تجاوزها ببساطة إذ أنها تتصل بنهج السلطات والدول وأدوارها الداخلية وكذلك الخارجية.
وخارج الوقائع على مساحة الأقطار العربية، أشار الدبلوماسي إلى أن الكيان الصهيوني يمر بأزمة سياسية واجتماعية قد لا تحل بالانتخابات المبكرة وقد تدفعه للهرب إلى الأمام خلال عملية عسكرية ضد غزة أو لبنان إضافة إلى عملياته الجوية والصاروخية المستمرة ضد سوريا.
كما نبه الدبلوماسي إلى التصعيد الكبير الذي قدد تشهده المنطقة بقيادة واشنطن في محاولة لتحجيم الدور الإيراني في الشرق الأوسط واستكمال حصارها غربياً، وإعادة تركيا إلى بيت الطاعة.
وبموازاة كل ذلك، نبه الدبلوماسي إلى الحرب الأمنية الاستخباراتية التي قد تستهدف شخصيات سياسية بارزة لتفجير الاستقرار في بقاع معينة.
هل تبدو الصورة حقيقية؟ قلقة؟ مهتزة؟ هل أننا أمام لعبة كزّ اسنان ستنتهي إلى تفاهمات.. اتفاقات.. تهدئة هنا أو هناك؟ أو نحن نتجة إلى «بيغ بانغ» سياسي؟
يبدو أن ما يجري يشبه لعبة الغميضة وسط سباقات بين الأرانب والسلاحف! من تراه يصل إلى خط النهاية؟ من يعش يرَ.. ومن تُراه يعيش ليرى؟
حتى سنوات مقبلة سيبقى عنوان لعبة شد الحبال الأميركية الروسية طاغياً في إطار قواعد لعبة تدار بين واشنطن وموسكو. هي لعبة موتنا. فالتحالفات وحاملات الطائرات والقواعد الجوية والصواريخ الذكية ستكون جاهزة دائماً للضرب على الأصابع و.. الرؤوس إذا لزم الأمر.
Leave a Reply