لنفترض أنك موظف فدرالي وعلى وشك أن يفوتك راتبك للشهر الثاني على التوالي بسبب إغلاق الحكومة الفدرالية، هذا يعني أنه سيمرّ شهر آخر دون أن تحصل على مرتبك.
أو لنفترض أنك ديمقراطي ومناهض عتيد ضد ترامب، أو أنك تعتقد أنه من واجب الديمقراطيين في الكونغرس أن يوافقوا على تخصيص التمويل المطلوب لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، مقابل إعادة افتتاح الحكومة الفدرالية.
في كل الأحوال، شخص ما يجب أن يكون ناضجاً وحكيماً للخروج بنا من عنق الزجاجة، ومن الواضح والأكيد أن ذلك الشخص لن يكون ترامب على الإطلاق.
الديمقراطيون قلقون جداً بشأن سياسات الرئيس المتهورة، ومعهم كل الحق في ذلك، فإذا ما استسلموا لضغوطه وسمحوا له بالفوز في «معركة الجدار»، فهم يعرفون أنه لن يتوانى مستقبلاً عن إغلاق الحكومة الفدرالية في كل قضية لا يحصل فيها على ما يريد. قد يكون الرفض الديمقراطي للجدار صائباً، ولكن ماذا عن الـ800 ألف موظف فدرالي، وهل يهتم هؤلاء حقاً بمن سيكون الفائز في لعبة العض على الأصابع تلك، وهل يهتمون فعلاً بمعرفة من سيصرخ أولاً، في تلك اللعبة السياسية السمجة؟
بالتأكيد أن الغالبية العظمى منهم لا يبالون بمن سيكسب الرهان، إذ أن كل ما يطمحون إليه الآن هو الحصول على رواتبهم في الوقت المحدد حتى يتمكنوا من دفع الفواتير المترتبة عليهم وإعالة أسرهم والحفاظ على كرامتهم.
لقد أثبت ترامب مرة تلو الأخرى بأنه لا يبالي لأحد عندما يتعلق الأمر بما يريده هو. فالرئيس لا يهتم إلا بصورته، وهذا ما بات معروفاً للجميع. وأما كبار السياسيين في واشنطن فقد أظهروا تغاضيهم عن فهم محنة الموظفين الفدراليين والأخطار التي قد تحملها الأزمة، فالقادة الجمهوريون في مجلسي الشيوخ والنواب يختبئون خلف ترامب ويخشون قاعدته الشعبية المخلصة له، أما الديمقراطيون فيكتفون بإدارة ظهورهم للرئيس دون محاولة جدية لحل الأزمة.
لكن إذا أعلن الديمقراطيون استسلامهم من منطلق اهتمامهم بمصالح الموظفين الفدراليين، ومنحوا ترامب الموافقة على تمويل الجدار ومقايضته على مطالب شعبية أخرى، فمن ذا الذي سيقوم بإلقاء اللوم عليهم؟
إذن، اعطوه المال اللازم لبناء ذلك الجدار اللعين، ولنرَ ما إذا كان سيبنيه فعلاً. وإذا ما بناه، فدعونا نرى إن كان بناؤه سيخفض معدل الجريمة في الولايات المتحدة إلى النصف، كما يدعي الرئيس.
وبالمناسبة، ينبغي لكم ألا تعارضوا نقش كلمة «ترامب» بحروف من ذهب على ذلك الجدار، أو إذا شئتم فسمّوه باسمه، لكي يخلد التاريخ ذلك الحائط كنصب تذكاري لكل إخفاقات ترامب وخياراته السيئة.
تقول الحكاية، إنه في غابر الزمان، احتكمت امرأتان لدى النبي سليمان الحكيم حول أمومة طفل ادعت كلتاهما أنه ابنها. وفي معرض التقاضي، ساقت كل منهما الكثير من الحجج المقنعة لإثبات دعواها، فما كان من النبي سليمان إلا أن أمر بسيف لشطر الطفل وإعطاء كل واحدة منهما نصفاً. وعند تلك اللحظة صرخت إحداهما قائلة: «لا تفعل ذلك، إن هذا الطفل هو ابن المرأة الأخرى». في تلك اللحظة عرف النبي سليمان أنها هي الأم الحقيقية للطفل، لكونها لم تحتمل فكرة موته، وحتى لو كان سيعيش في أحضان امرأة أخرى دون أحضانها.
يقول الديمقراطيون إنهم يشعرون بآلام الموظفين الفدراليين، وإنهم يتعاطفون معهم، وإذا ما كانوا صادقين فعلاً في دعواهم تلك، فعليهم أن يتصرفوا على النحو الذي تصرفت به الأم في قصة النبي سليمان.
أعطوا ترامب جداره، وأعيدوا لنا الحكومة الفدرالية!
Leave a Reply