كمال ذبيان – «صدى الوطن»
هي القمة العربية الثالثة التي تعقد في لبنان، الأولى كانت في العام 1956، إثر العدوان الثلاثي الفرنسي–البريطاني–الإسرائيلي على مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بعد تأميم قناة السويس، حيث ترأس آنذاك، الرئيس كميل شمعون القمة، وكان عدد أعضائها ثمانية، لتنعقد قمة عربية ثانية في لبنان عام 2002 في عهد الرئيس إميل لحود، أما القمة العربية الاقتصادية التنموية الرابعة التي احتضنتها بيروت الأسبوع الماضي، فهي ليست دورية سنوية كما القمة العربية العادية، بل تعقد كل أربع سنوات، فما كان حصادها؟
قمة بلا زعماء
انعقدت القمة، في عهد الرئيس ميشال عون، دون رؤساء وملوك، واعتبرت نكسة للبنان، أن يغيب عنه قادة عرب، وهو بأمس الحاجة لهم، ليؤازروه في أزمته الاقتصادية، كما في قضية النزوح السوري، إلا أنه جاء العقاب العربي للبنان، بعدم حضور الزعماء العرب، وتمّ تخفيض التمثيل في القمة إلى مستوى رؤساء حكومة ووزراء، حيث تمّ ربط عدم الحضور الوازن في القمة، إلى قرار أميركي أبلغ من قبل الإدارة الأميركية، بأن لا تعطى القمة الأهمية، ومقاطعتها لإرسال رسالة إلى لبنان، بأنه لن تتم مساعدته إقتصادياً، إلا إذا حلّ قضية سلاح المقاومة بتسليمه إلى الدولة اللبنانية، وإبعاد «حزب الله» من السيطرة عليها، وعدم الرهان على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
هذه الرسالة الأميركية، تزامنت مع جولة كان يقوم بها للمنطقة، وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، الذي حمل معه مشروع مواجهة إيران ونفوذها المزعزع للإستقرار في المنطقة، مباشرة، أو عبر أذرعتها العسكرية، ومنها «حزب الله» في لبنان، وهو ما نقله مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، إلى المسؤولين اللبنانيين، بأن عليهم وضع حد لقوة ونفوذ «حزب الله» الذي يهدّد أمن إسرائيل عند الحدود، بصواريخه.
الاستجابة لشروط أميركا
واستجاب أغلب الزعماء العرب للشروط الأميركية، وغابوا عن قمة بيروت، التي حاول البعض ربط الغياب بما قام به عناصر من حركة «أمل» بنزع أعلام ليبيا ومنع حضور وفدها للقمة، على خلفية مصير الإمام موسى الصدر، وقد حذر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، من أن كل الاحتمالات تبقى قائمة، إذا ما حضر الوفد الليبي إلى بيروت، وأنه سيمنع من الخروج من المطار، وجاء الرد الليبي بمقاطعة القمة، لتزول عقدة من أمامها.
كذلك برزت مطالبة أطراف لبنانية بدعوة سوريا إلى القمة، لكن لبنان تريّث واعتبر أن القرار يعود إلى جامعة الدول العربية، حيث لم تعطِ دمشق أهمية لدعوتها، بعد أن بدأ العرب يعودون إليها تباعاً، وكذلك بعد اعتراف بعضهم بما ارتكبوه ضد سوريا وشعبها.
فالتذرّع بما قامت به حركة «أمل» لتبرير تخفيض مستوى التمثيل، لا يمت إلى الحقيقة بصلة، وفق ما يقول رئيسها نبيه برّي، لأن الاحتجاج كان على وفد دولة واحدة، كما أن القمة لا يمكن أن تعقد بعدم وجود حكومة وعدم دعوة سوريا، لذلك اقترح رئيس مجلس النواب بإرجائها، بعد أن وصلته معلومات عن غياب الملوك والرؤساء عنها، وكانت مخاوفه في محلّها.
أمير قطر
وبعد مقاطعة رؤساء دول وملوك وأمراء، قمة بيروت، واقتصار الحضور على رئيس موريتانيا الذي ستعقد القمة في بلاده في الدورة المقبلة بعد أربع سنوات، فإن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، عوّم القمة قبل افتتاحها بساعة، بعد اتصال بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون، وقد لباها، بعد مقاطعة السعودية لها وهي التي تخوض حصاراً سياسياً واقتصادياً ضد بلاده، التي خطف حضور أميرها الأضواء، وقطف وجوده فك الحصار سياسياً، بالرغم من أن بلاده لا تغيب عن القمم العربية، بل عن مجلس التعاون الخليجي الذي لا تتفق كل دوله على مقاطعة قطر. إذ سبق وأن قادت الكويت وساطة لحل الأزمة الخليجية، لكنها لم توفق في مسعاها.
أما قطر فقد سبق لها أن ساعدت لبنان، أثناء العدوان الإسرائيلي صيف 2006، سواء بالعمل السياسي والدبلوماسي، أو بإعادة إعمار ما تهدّم، فرُفع شعار «شكراً قطر»، لتقوم الدوحة بعد ذلك، في أيار (مايو) 2008، باستضافة لقاء للقادة اللبنانيين المنقسمين بين «8» و«14 آذار»، ورعت اتفاقاً بينهم سمي بـ«اتفاق الدوحة»، وتضمن انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة فيها الثلث الضامن لقوى «8 آذار».
مكسب لبنان
وبالرغم من غياب قادة عرب عن القمة، إلا أن انعقادها حقق مكسباً للبنان الذي نجح في تنظيمها، وأكد على أنه بلد آمن ومستقر، وهو إذ أسف لعدم حضور رؤساء وملوك وأمراء، كما أعلن الرئيس عون في جلسة الافتتاح، إلا أنه دعا لأن تتم الاستفادة من القمة لإعادة لم الشمل، وأن تكون القمة العربية الدورية المقبلة في تونس محطة لتصحيح أخطاء حصلت، وإنهاء الحروب والصراعات التي دمرت المجتمعات العربية، وصرف الأموال على التنمية عبر إنشاء مصرف عربي لتمويل ما تهدم في الحروب التي كلفت آلاف مليارات الدولارات، والتي لو ذهبت إلى بناء الإنسان، لكان العالم العربي يضاهي في تطوره، الدول المتقدمة.
ملف النازحين السوريين
من أبرز المواضيع التي ركّز عليها لبنان في القمة، كان ملف النازحين السوريين، الذي يشكل عبئاً عليه منذ سنوات، كما على دول أخرى مضيفة، لكن صغر مساحة لبنان، وتعداد السكان فيه، تجعل من وجود النازحين على أرضه، أزمة في الديمغرافيا، إذ وصل العدد إلى مليون ونصف مليون نازح، أي ثلث عدد الشعب اللبناني، وهو ما ليس بقدرة أية دولة احتماله. وبلغت تكاليف النزوح نحو 15 مليار دولار، في بلد يرزح تحت دين يفوق 80 مليار دولار، دون أن يحصل على مساعدات كافية لسد أعباء النزوح.
تمكّن لبنان من أن يستفيد من انعقاد القمة، بالحصول على قرار منها، بدعم «العودة الآمنة» للنازحين السوريين إلى بلدهم، إذ أعلن وزير الخارجية جبران باسيل عن أن 80 بالمئة من الأراضي السورية باتت آمنة ومستقرة، ويمكن للنازحين أن يعودوا إليها، وتقوم الدول المانحة بمساعدتهم داخل سوريا، بدلاً من أن تدفع لهم الأمم المتحدة في لبنان وفي دول الجوار، إذ أن الرغبة بالعودة من قبل النازحين السوريين بدأت ترتفع شهراً بعد شهر، دون انتظار الحل السياسي الذي قد يطول، لأن أسباب النزوح أمنية وليست سياسية، وأن الهروب كان من الحرب التي توقفت في غالبية المحافظات السورية، ولم يعد من سبب للبقاء، وهو ما طالب به لبنان، من خلال «العودة الآمنة»، وقد استجيب له.
الدعم المالي القطري
وقد رافقت حضور أمير قطر افتتاح القمة، معلومات تسرّبت عن أنه سيقدّم جرعة دعم للبنان بمليار دولار، يستفيد منها في الاستدانة، ويخفف من أعباء على الخزينة، حيث أعلنت الدوحة عن شراء سندات خزينة لبنانية بقيمة 500 مليون دولار، لتصحيح العجز، بعد أن كان وزير المال علي حسن خليل صرّح بأن هناك اتجاهاً لهيكلة الدين العام، فجرى تفسير تصريحه على أن الدولة اللبنانية، غير قادرة على أن تفي بوعودها، بدفع الاستحقاقات المتوجبة عليها، وهي لم تتأخر في السابق، لكن بلبلة حصلت بعد تصريح الخليل، وجاءت الجرعة القطرية لتعيد الاستقرار إلى الوضع النقدي، وهي خطوة يعوّل عليها لبنان بأن تقوم دول أخرى بمثلها وهو ما ألمح إليه وزير المال السعودي.
انتهت القمة، دون آمال حول تحويل العالم العربي إلى سوق مشتركة وإزالة الحواجز الجمركية بين دوله، وإنشاء مصرف عربي للتنمية –كما اقترح الرئيس عون– غير أن الكويت فتحت باب الاكتتاب لصندوق جديد لدعم الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا، بمبلغ 50 مليون دولار، وتجاوبت معها قطر، وهو ما يجب على لبنان أن يستفيد منه، بإقامة مدينة لاقتصاد المعرفة، ومنه الاقتصاد الرقمي، قبل أن تخطف منه ذلك، دول أخرى، وهو المؤهل لذلك.
Leave a Reply