بلال شرارة
أنا –أعوذ بالله من كلمة أنا– أتوجس من كل الأشياء، ليس خفيةً على غرار مايفعلونه عندنا في الأرياف البعيدة فيسايرون ويدارون ثم يفعلون ما هو مقدر.
أنا –ما أخفيه أو أحاول أن أخفيه– يظهر في فلتات لساني. هذا إذا أضمرته ولم أبادر الأعور فأقول له: أعور في عينه.
أنا، متضايق فعلاً من المحللين الاستراتيجيين المدنيين والعسكريين الذين يظهرون على شاشات الفضائيات العربية، أو تستعملهم تلك –الفضائيات– كوسائل إيضاح لمسار العمليات العسكرية أو لترويج أبعاد الموقف السياسي للجهة التي تمول تلك الفضائية السياسية.
أولئك السادة –عفواً لا يوجد سيدات إلا فيما ندر– لم تصدق تحليلاتهم قط، ولم تتوافق الوقائع مع استنتاجاتهم يوماً. فهم إذا تحدثوا عن هجوم ٍعلى المحاور الشمالية يقع الهجوم فعلاً.. ولكن على المحاور الجنوبية.
جنرالاتنا لم يدخلوا ميدان حربٍ واحدة، والمحللون المدنيون وإن تحدثوا وكأنهم العارفون فإنهم بالحقيقة يعرفون عن جغرافية الحروب بقدر ما أعرف اللغة الصينية. لذلك فإني والناس من حولي نتقلب ذات اليمين وذات الشمال من تلك التحليلات «الخنفشارية» التي تعتمد على ما تيسر من معلومات على «غوغل» أو في وكالات الأنباء ومراكز الدراسات التي تعمل على تسويق معلومات ومنهجيات تفكير محددة، أو تعتمد على أشخاص «أبواق» مهمتهم رسم المسارات والمصائر وتسويق الأسلحة المجربة فينا…
أنا، صرت مقتنعاً تماماً ليس فقط بما جاء في القرآن الكريم (كذب المنجمون ولو صدقوا) بل أيضاً بكذب المحللين ولو صدقوا.
بصراحة لا يمكن تصديق المحللين الذين يتحدثون في كل مرة عن النهايات السعيدة للأمور –بحسب أهوائهم– وكأنهم يبشرون بالمُخـَلِّصْ من أهوال الوقائع الحربية الجارية. فالمحللون ليسوا في مواقع المسؤولية بوزارات الخارجية والحرب في الدول المنخرطة في الحروب والصراعات القائمة، وهم ليسوا بقرّاء فنجان أو كفّ ويجيدون قراءة البخت حتى يسرحوا فينا و«يأكلوا» رأسنا.
أنا شخصياً أعتقد أن غرف عمليات الجيوش وإدارات العمليات الحربية للمنظمات المسلحة لا يمكنها أن تعطي سرها للمحللين بل هي تسرب عبر هؤلاء أخباراً بأهداف محددة من بينها طبعاً الضحك على ذقون المشاهدين و«ركلجة» معنوياتهم بحسب المرحلة. ونحن –الجمهور المتلقي– ننقسم حول الشاشات بحسب أهوائنا.
باختصار، الحروب المستمرة وقودها نحن، الناس في أقطارنا. واعلموا أن هذه الحروب تستعر في كل مرة تعلن فيها انتصارات ما هي إلا وقود لتأجيج الحروب المفتوحة.
ربما يجب أن ننتصر أولاً على جيش المحللين المتعيشين على حساب الحروب التي تطحننا والتفكير خارج الصندوق الذي يقولبونه لنا. فهؤلاء –بلا شك– لا يعرفون شيئاً عن الدنيا الجديدة التي تعتقد القوى الكبرى أنها رسمت خرائطها منذ سنوات وعقود طويلة وطويلة جداً.
ربما يجب أن نترك للمتحاربين أن يقرروا، وللمتحدثين العسكريين أن يعلنوا النتائج وبذلك ترتاح أسماعنا من الانتصارات الوهمية للقوى الإقليمية والدولية التي ترغب دائماً بإعادة الأمور إلى نقطة الصفر في الشرق الأوسط على حساب أمننا ومستقبلنا.
Leave a Reply