مريم شهاب
إن كنت تعيش في الغرب، فعليك أن تعرف أن الناس في ذلك المنقلب من العالم يعملون بقول ابن الوردي: إنما أصل الفتى أو «الفتاة» ما قد حصل.
الراحلة مارغريت تاتشر كانت إبنة لبقّال يدعى ألفرد روبرتس، وهو من بلدة إنكليزية بسيطة تدعى غرانتهام. وكانت عائلتها تسكن فوق دكان الوالد، وعندما انتقلوا إلى ضاحية متواضعة في لندن، سكن الجميع في الطابق العلوي فوق الدكان أيضاً. وإذا بحثت عن شخصية الفتاة التي أصبحت أول زعيمة سياسيّة في تاريخ بريطانيا، سوف تعرف من هو الإنسان الذي أثَّر فيها أكثر من كل الزعماء المعلقة صورهم على درج مقر رئاسة الوزراء البريطانية الواقع على 10 شارع داونينغ، إنه والدها ألفرد روبرتس، الذي علَّمها أن الحياة تقوم وتزدهر على ثلاثة مبادئ: المعرفة والواجب والاجتهاد.
الأسبوع الماضي، دعت الهيئة الإدارية لجمعية أهالي برعشيت في ميشيغن إلى سهرة من الحب والوئام لجمع أبناء البلدة في «نادي برعشيت الاجتماعي» بمدينة ديربورن. ومن الذي يرفض دعوة للحب والوئام كتلك.. في هذه الأيام الباردة الجافة.
للحقيقة، منذ قدومي وأنا أسمع بهذه الجمعية ولكنني لا أعرفها ولا أعرف أعضاءها ولا أعرف ما تقوم به. ربما كان ذلك تقصيراً مني أو لعله تقصير من الأعضاء الذين يجتمعون حسب علمي مرة كل عام، حيث يكون الاجتماع مقتصراً على الرجال.
وبما أن الدعوة كانت عامة هذه المرة، فقد كان لي شرف الحضور مع شباب من أبناء بلدتي برعشيت. وكنا سيدتين فقط بين الحضور. وكأم، شعرت بمحبة غامرة وأنا أتعرف لأول مرة على شباب بعمر أولادي من بلدتنا، لو صادفتهم في أماكن أخرى لن أعرفهم.
ومن خلال الحديث معهم والاستماع إليهم تشعر بأن لديهم طاقة للانتباه والاستماع والاستفادة من آراء من هم أكبر سناً في كيفية تطور وتقدم هذه الجمعية ولمصلحة الجميع.
الشيخ أحمد حمّود والقاضي سالم سلامة، كانا ضيفي الأمسية. الشيخ حمّود ألقى كلمة موجزة ومعبّرة، فحواها أننا جميعاً نعيش في هذا البلد باختيارنا، حيث أصل الفتى أو الفتاة ما قد حمل، وأن الفرص متاحة أمام الجميع. وكانت نصيحته للشباب العربي هي نفسها نصيحة والد مارغريت تاتشر: المعرفة والواجب والإجتهاد.
المعرفة تشمل العلم والعمل، والواجب يتضمن القيام بما يجب القيام به بأسلوب لائق وأخلاقي ومبدئي، والاجتهاد هو بذل الجهد وتوظيف الإمكانات لتحقيق الهدف المراد.
خلال السهرة جرى بعض المناقشات وتبادل الآراء وقد أجمع الكل على أن اللقاء هو خطوة أولى ليتعرف أبناء وبنات البلدة من الجيل الأول والجيل الثاني على بعضهم البعض. هذا التواصل الاجتماعي والإنساني هو الأسمى، وأعرف أنه صعب ولكن بالاجتهاد والصبر يمكن ذلك، لأنه للأسف كما في لبنان، وكما هي مؤسساتنا الدينية والاجتماعية هنا في ديربورن؛ فإن «كل حزب بما لديهم فرحون»، ولا كلمة سواء تجمع.. حتى أبناء البيت الواحد.
بالفعل كانت السهرة، رغم الثلوج والبرد، «مليئة بالمحبة والوئام» وكانت خسارة لنا جميعاً أن ينشغل القاضي سالم سلامة بهاتفه، بأمور لا شك بأهميتها، وقد منعته من الاستماع للحضور وعدم المشاركة في النقاش.
شكراً لشباب بلدتنا برعشيت، على أمل مشاركة الشابات في الاجتماعات القادمة، وأن تكون السهرة «أهلية بمحلية» بدون تقديم وجبة عشاء واستغلال الوقت للتعارف والتشاور، ودعوة الجيل الأول والكبار من أهل بلدتنا والاستفادة من خبراتهم أو حتى الإستماع إلى خبريات الضيعة على فنجان شاي أو قهوة.
Leave a Reply