كتبها «عمر بن سعيد» عام 1831
نك ماير – «صدى الوطن»
نشرت مكتبة الكونغرس مؤخراً مذكرة نادرة باللغة العربية لعالم مسلم إفريقي تم استعباده في الولايات المتحدة لمدة 57 عاماً.
وتعد مذكرات «عمر بن سعيد» (1770–1864) من الوثائق النادرة التي تحكي قصة منسية من التاريخ الأميركي وحكايات المسلمين الأوائل الذين تم استعبادهم في «بلاد العم السام».
وأتاحت المكتبة الأميركية المشهورة المذكرة على الإنترنت، ووصفتها بأنها الوثيقة الوحيدة المكتوبة باللغة العربية لواحد من المسلمين الذين عانوا مرارة العبودية بالولايات المتحدة.
وقال البيان الصادر عن مكتبة الكونغرس، إنها حصلت على دفتر مذكرات يتألف من 15 صفحة للعالم السنغالي عمر بن سعيد الذي سمي في عبوديته باسم «العم مورو».
وأشار إلى أن المكتبة حصلت عليها من جامع مقتنيات أميركي من أصول إفريقية. وتسلط المذكرة الضوء على أوضاع الأفارقة الذين تم استعبادهم في الولايات المتحدة، والظروف التي عاشها العالِم الذي خُطف من إفريقيا واستقدم إلى الولايات المتحدة كعبد.
وتوضح المذكرة أن بن سعيد، احتجز من قبل «الأشرار» الغربيين في قرية «فوت تور» (السنغال اليوم) عام 1807، ليتم شحنه مع آخرين إلى مدينة تشارلستون في ولاية كارولاينا الجنوبية، حيث استُعبد بقية حياته، بعد رحلة بحرية استغرقت ستة أسابيع.
وأكد بيان المكتبة أن مذكرات العالم تعد وثيقة تاريخية كتبت بلغة سليمة، وتبيّن المستوى العالي للتعليم الذي كان منتشراً في أفريقيا آنذاك.
وكتبت السيرة بخط الرجل نفسه، وتكمن أصالتها في كونها لم تخضع للتحرير من قبل سيده كما حصل مع سِيَر أخرى أعيدت كتابتها باللغة الإنكليزية، ما يجعلها أكثر مصداقية وصراحة.
ما وراء الوثيقة
تقول ماري جين ديب، رئيسة شعبة إفريقيا والشرق الأوسط، بمكتبة الكونغرس: «هذه الوثيقة تكشف أن العديد من العبيد الذين تم جلبهم من إفريقيا كانوا يتبعون الإسلام، ومثل هذه الوثائق تتعارض مع افتراضات سابقة حول الحياة الثقافية والاجتماعية الإفريقية».
ويصف عمر بن سعيد في سيرته، نفسه بأنه رجل ثري ومتعلم، وجد نفسه يباع ذات يوم كرقيق، وأنه يتبع لقبائل فولا أو الفولاني التي تعتبر أكبر مجموعة عرقية في منطقة الساحل والغرب الإفريقي، ويبلغ تعدادهم اليوم حوالي 50 مليون شخص.
بالنسبة لحالة المخطوطات فالكثير من أوراقها كان ضعيفاً بسبب تنقلها بين الملاك والمكتبات، حيث تعرضت للتأثر بشتى الظروف.
وقد قام المختصون بعمل الترميم اللازم لهذه المخطوطة النادرة بتعديل الصفحات الهشة وتعزيزها لتكون بوضع جيد.
والآن فإن هذه المخطوطة متاحة عبر الإنترنت، على موقع مكتبة الكونغرس الأميركية، بالإضافة إلى نشر نسخة رقمية منضدة منها على الشبكة.
وتخطط مكتبة الكونغرس لاستضافة برنامج متخصص لمناقشة أهمية هذه المخطوطة وما سطره قلم ابن سعيد، وذلك بالتزامن مع شهر التاريخ الإفريقي الأميركي في شباط (فبراير) الجاري بمناسبة شهر التراث الإفريقي الأميركي.
من مذكراته
عاش عمر بن سعيد 90 عاماً. وجاء في مذكراته التي كتبت في العام 1831: «لا أستطيع أن أكتب عن حياتي لأني قد نسيت الكثير من كلامي وكذلك كلام العرب. يا إخواني، سألتكم بالله لا تلوموني، وذلك لضعف عيني وجسدي كذلك. اسمي عمر بن سعيد، مكان مولدي هو فوت طور، ما بين النهرين.. وقد طلبت العلم لمده 25 سنة. إلى أن جاء إلى بلدنا جيش كبير. وقتل الكثير من الناس، وأسروني وسارو بي إلى بحر كبير، وقد باعوني إلى رجل مسيحي اشتراني وسار بي إلى سفينة كبيرة في بحر كبير. أبحر بنا لمدة شهر ونصف حتى وصلنا إلى مكان يسمى تشارلستون».
تعلم عمر بن سعيد اللغة العربية والعلوم الشرعية الإسلامية على يد مجموعة من الشيوخ الأفارقة الذين ذكرهم في مخطوطاته التي تضمنت أيضاً آيات قرآنية، وكان معلّماً للعلوم الشرعية الإسلامية واللغة العربية بموطنه قبل استعباده من قبل الغزاة.
توفي عمر بن سعيد عام 1864 ودفن في مقاطعة بلادن، بولاية نورث كارولاينا، بعد أن عاش 57 عاماً في العبودية بين ولايتي ساوث ونورث كارولاينا.
ويشار إلى أن ابن سعيد فر من سيد غليظ في تشارلستون فذهب إلى فايتفيل في ولاية كارولاينا حيث أسر مرة أخرى واشتراه سياسي أميركي اسمه جيمس أوين وأحسن معاملته، فكتب إبن سعيد في نهاية مذكراته قائلاً «لقد بقيت بين يدي جيم أوين الذي لم يضربني ولم يوبخني، لم يتركني بلا ثياب ولم أتعرض للجوع ولم يجبرني على القيام بأية أعمال شاقة. فلا يمكنني القيام بأعمال شاقة لأنني رجل صغير وضعيف. ولم يتركني جيم أوين محتاجاً».
Leave a Reply