الرئيس الأميركي استعرض إنجازات وأولويات عهده .. وأكد عزمه على الانسحاب من سوريا وأفغانستان محذراً
من «الانقسام السياسي والحروب الحمقاء والتحقيقات السخيفة» التي تهدد «المعجزة» الاقتصادية
واشنطن
في خطابه الثاني عن «حال الاتحاد» أمام الكونغرس، دعا الرئيس دونالد ترامب، الثلاثاء الماضي، المشرعين الأميركيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى «التسوية» و«الوحدة» لتحقيق «عظمة» الولايات المتحدة، بدلاً من الانقسام السياسي الذي اعتبره التهديد الأخطر «للمعجزة الاقتصادية» التي تشهدها البلاد إلى جانب «الحروب الحمقاء» و«التحقيقات السخيفة» في إشارة إلى إصراره على الانسحاب من سوريا ورفضه للتحقيقات التي يجريها المدعي الخاص روبرت مولر بشأن التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية.
وبين الحديث عن قوة الاقتصاد الأميركي وأزمة الهجرة غير الشرعية والتأكيد على سياسات الولايات المتحدة الخارجية، أكد ترامب على أن «حال الاتحاد» «قوية» مشدداً أمام أعضاء الكونغرس وكبار القادة العسكريين والقضائيين والأمنيين والوزراء والضيوف، على أهمية أن يضعوا «أميركا أولاً» في قلوبهم.
وقال: «يجب أن نرفض سياسات الانتقام، وأن نغتنم الإمكانات اللامحدودة من التعاون والوفاق»، داعياً إلى جبر الانقسامات القديمة، ومستعرضاً الإنجازات التشريعية التي تحققت من خلال التعاون مع الحزبين في الكونغرس، مثل القانون الزراعي وإصلاح السجون ومكافحة وباء العقاقير الأفيونية، وتوفير الرعاية الكريمة لقدامى المحاربين عبر محاسبة الموظفين الذين يقصرون في التعامل معهم.
إلا أن الانقسام الذي قد يهدد بإغلاق الحكومة الفدرالية مجدداً بحلول 15 شباط (فبراير)، كان جلياً مع إصرار المشرعين الديمقراطيين –لاسيما المنتخبين حديثاً– على ازدراء خطاب الرئيس وعدم التصفيق له حتى فيما يتعلق بأمور من المفترض أنها غير خلافية مثل الانخفاض القياسي لمعدلات البطالة بين الأقليات، وصولاً إلى الدفاع عن حرية الأميركيين ورفض التحول إلى الاشتراكية على غرار فنزويلا!
الانقسام كان جلياً منذ لحظة دخول ترامب قاعة الكونغرس إلى ما بعد الخطاب الذي استغرق نحو 85 دقيقة، حيث تَدافع الجمهوريون لمصافحته، فيما بقي معظم الديمقراطيين بعيداً عنه. وكذلك أثناء الخطاب، قاطع المشرعون الجمهوريون الرئيس مراراً بالتصفيق الحاد فيما جلس الديمقراطيون في مقاعدهم معظم الوقت، بوجوه ساخرة أو ممتعضة.
ولم يصفق الديمقراطيون بحرارة، إلا عندما ذكر ترامب أن عدد النساء في القوة العاملة اليوم أكثر من أي وقت مضى، موضحاً أنه لا أحد استفاد من الاقتصاد المنتعش أكثر من النساء بفضل الوظائف الجديدة التي وُفرت العام الماضي، وأكد أن كل الأميركيين يمكنهم أن يفخروا بأن عدد النساء في الكونغرس أكثر من أي وقت مضى.
وفي تلك اللحظة علت ابتهاجات عشرات النائبات الديمقراطيات اللواتي انتخبن حديثاً ولبسن ثياباً بيضاء موحدة، كما فعلت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.
وحين وصل ترامب إلى موضوع بناء جدار على الحدود المكسيكية، كان الديمقراطيون يهزّون رؤوسهم بتجهّم.
الجدار والهجرة
استهل ترامب حديثه عن الهجرة قائلاً إنه يجب أن يوحد الجمهوريون والديمقراطيون صفوفهم لمواجهة أزمة ملحة، وهي مشكلة الهجرة غير الشرعية، مضيفاً أنه حان الوقت للكونغرس أن يظهر للعالم أن أميركا ملتزمة بإنهاء الهجرة غير الشرعية، وتابع أن هناك قوافل منظمة كبيرة تسير باتجاه الولايات المتحدة، مطالباً بالدفاع عن الحدود الجنوبية، وتابع: أمرت 3,570 جندياً بالتوجه للحدود الجنوبية للتصدي لهذا الهجوم الضخم.
وقال إن تأمين الحدود ضروري لمكافحة الجريمة والإتجار بالبشر والعبودية الحديثة والمخدرات التي تفتك بمدننا وعصابات الجريمة مثل «أم أس 13» التي تنشط في 20 ولاية أميركية. وأضاف «نقوم بترحيلهم بالآلاف وإذا لم نؤمن الحدود فسوف يتدفقون مجدداً إلى بلدنا.
وأوضح ترامب أنه يرحب بالمهاجرين الجدد بأكبر عدد ممكن في تاريخ البلاد، ولكن بطرق شرعية «فالمهاجرون يغنون مجتمعنا واقتصادنا في طرق لا حصر لها»، مؤكداً أن هناك واجباً أخلاقياً لإنشاء نظام هجرة يحمي أمن ووظائف المواطنين، ومنتقداً دفاع بعض السياسيين وكبار الممولين عن الهجرة غير الشرعية، والدفع باتجاه «حدود مفتوحة» بينما يعيشون وراء جدران وبوابات وحراس –على حد وصفه–، مؤكداً أن «التسامح مع الهجرة غير الشرعية ليس رحمة بل قسوة».
وأضاف أن إدارته أرسلت مقترحاً «معقولاً» للكونغرس يتضمن بناء جدار حدودي وأوضح «في الماضي معظم الناس هنا في الكونغرس صوتوا لصالح الجدار ولم يتم بناء جدار مناسب. وأنا سوف أبنيه».
كما أثنى ترامب على وكالة الهجرة والجمارك (آيس) كاشفاً أنها اعتقلت 266 ألف مهاجر غير شرعي خلال العامين الماضيين.
الاقتصاد وإنجازات أخرى
وأعرب ترامب عن تفاؤله بحال الاقتصاد الأميركي مشيراً إلى أنه أصبح ينمو بضعف الوتيرة عما كان عليه قبل توليه الرئاسة، مشيراً إلى توفير 5.3 مليون وظيفة جديدة من بينها 600 ألف وظيفة صناعية.
كما لفت إلى أن خمسة ملايين أميركي رفعوا عن برنامج الإعانات الغذائية الحكومي (فوود ستامب) فيما بلغت البطالة أدنى مستوياتها في التاريخ بين الأفارقة واللاتينيين والآسيويين الأميركيين، وكذلك ذوي الاحتياجات الخاصة. وأضاف أن معدل البطالة الوطني وصل إلى «أدنى معدل لها منذ نصف قرن… المزيد من الناس يعملون الآن أكثر من أي وقت مضى»، مؤكداً أن 157 مليون أميركي يعملون اليوم.
وأوضح ترامب «بعد 24 شهراً من التقدم المطرد، اقتصادنا مثار حسد العالم وجيشنا هو الأقوى على سطح الأرض وأميركا تنتصر كل يوم».
ووصف ترامب هذا التحول الاقتصادي بـ «المعجزة»، وقال إن الشيء الوحيد الذي قد يوقفها هو «الحروب الغبية والتحقيقات السخيفة».
كذلك استعرض ترامب عدداً من الإنجازات التي حققتها إدارته، مثل تخفيض الضرائب وإلغاء غرامة التأمين الصحي «أوباماكير»، والسماح لأصحاب الأمراض المستعصية بتجربة علاجات جديدة على مسؤوليتهم، إضافة إلى إلغاء القيود التنظيمية بأسرع وتيرة في تاريخ الإدارات السابقة، وكذلك إلغاء اتفاقية «نافتا» التجارية مع كندا والمكسيك، والبدء بمفاوضات مع الصين لتقليص العجز التجاري وحماية حقوق الملكية الفكرية والوظائف والصناعة الأميركية.
كما أكد أن إدارته نجحت في إطلاق ثورة في إنتاج الطاقة، وأن الولايات المتحدة أصبحت المنتج الأول للنفط والغاز الطبيعي في العالم، مشدداً على «أننا أصبحنا دولة مصدرة للطاقة لأول مرة في التاريخ».
الصحة وأولويات جديدة
لم تغب الصحة عن خطاب «حال الاتحاد»؛ حيث أوضح ترامب أن الأولوية التالية بالنسبة له وللأميركيين جميعاً يجب أن تكون خفض كلفة الرعاية الصحية والدواء، مضيفاً أنه لا توجد قوة في التاريخ فعلت لتحسين حالة البشر أكثر مما فعلته الحرية الأميركية، ونادى ترامب بالوقوف ضد سرطان الأطفال والأيدز في أميركا، وطالب الكونغرس بتمرير تشريع يحظر الإجهاض المتأخر للأطفال، مثيراً تصفيقاً حاداً في الجانب الجمهوري، مقابل امتعاض ديمقراطي واضح.
كذلك دعا ترامب إلى تكثيف الجهود من الحزبين، للحد من الارتفاع الجنوني لكلفة الرعاية الصحية وأسعار الدواء في الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن إدارته نجحت العام الماضي في تسجيل أول انخفاض لأسعار الدواء منذ 45 عاماً. كما دعا إلى التعاون لإصلاح وتحديث شبكة البنى التحتية المتهالكة في البلاد.
السياسة الخارجية
على صعيد السياسة الخارجية كان لافتاً عدم ذكر الرئيس الأميركي لإسرائيل سوى مرة واحدة في معرض حديثه عن الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية، فيما أكد ترامب مجدداً تصميمه على سحب القوات الأميركية من أفغانستان وسوريا في أسرع وقت ممكن «لأن الأمم العظيمة لا تخوض حروباً من دون نهاية»، مشيراً إلى محادثات «بنّاءة» مع حركة «طالبان»، والانتصار على «داعش» في سوريا والعراق.
وقال ترامب: «جنودنا الشجعان يقاتلون الآن في الشرق الأوسط منذ نحو 19 عاماً، وفي أفغانستان والعراق ضحى نحو 7000 من الأبطال الأميركيين بحياتهم، وأصيب أكثر من 52 ألف أميركي بجروح بالغة، وأنفقنا أكثر من 7 تريليونات دولار في الشرق الأوسط».
وأردف: «عندما توليت السلطة، كان داعش سيطر على أكثر من 20 ألف ميل مربع في العراق وسوريا، واليوم قمنا بتحرير كل تلك الأرض تقريباً من قبضة هؤلاء الوحوش، والآن نعمل مع حلفائنا لتدمير فلول داعش، ولقد حان الوقت لمنح محاربينا الشجعان في سوريا استقبالاً حاراً في البلاد».
وجاء موقف ترامب بعد يوم واحد من تصويت مجلس الشيوخ لصالح مشروع قانون غير ملزم يدعو إلى عدم الانسحاب المتعجل من البلدين.
دولياً، قال ترامب أنه لن يعتذر أبداً عن حماية المصالح الأميركية في العالم، حتى بالتفاوض على اتفاق جديد مع روسيا كذلك الصين ودول أخرى، مضيفاً: وربما لن نتمكن من فعل ذلك، مؤكداً أن بلاده ستطور أنظمة صاروخية متطورة أكثر من أي بلد آخر في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق عالمي بهذا الشأن.
وتابع ترامب حديثه أنه على مدار العامين الماضيين تم البدء في إعادة بناء الجيش الأميركي بشكل كامل، متابعا أنه جعل دولاً أخرى تدفع نصيبها في حلف «الناتو».
وأعلن ترامب أن زيادة قدرها 100 مليار دولار في موازنات الدفاع جاءت من حلفاء الناتو.
وحول الصراع في شبه الجزيرة الكورية أوضح ترامب أنهم مستمرون بالدفع باتجاه السلام في شبه الجزيرة الكورية، موضحاً أنه سيلتقي بكيم يونغ أون في 27 و28 شباط (فبراير) في فيتنام، وقال: «رهائننا عادوا للبلاد والاختبارات النووية توقفت ولم يطلق أي صاروخ خلال 15 شهراً»
وأضاف «لو لم أُنتخب رئيساً للولايات المتحدة، لكنا الآن، برأيي، في حرب كبرى مع كوريا الشمالية». ولم ينسَ ترامب الإشارة إلى تحقيق «وعده» بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، حيث قال: «عملنا دائماً على مواجهة دعاة الإرهاب، ومن بينهم النظام المتطرف في إيران». وأشار إلى أنه «لضمان عدم حصول هذه الديكتاتورية الفاسدة على أسلحة نووية، انسحبت الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية الكارثية»، موضحاً أنه لن يغض الطرف أبداً عن النظام الذي يهتف الموت لأميركا، ويهدد بإبادة الشعب اليهودي.
وحول ملف فنزويلا، واصل ترامب الضغوط على الرئيس اليساري نيكولاس مادورو، قائلاً: «نقف مع الشعب الفنزويلي في سعيه النبيل إلى الحرية». وأضاف: «نُدين وحشية نظام مادورو، الذي أدت سياسته الاشتراكية إلى تحويل البلاد من أغنى دولة في أميركا الحنوبية إلى حالة من الفقر واليأس». وانطلاقاً من فنزويلا، عاد الرئيس الأميركي إلى عدائه للاشتراكية، ليربطها ببعض الديمقراطيين الذين يدّعون أنهم «ديمقراطيون اشتراكيون». «هنا، في الولايات المتحدة، نشعر بالقلق من الدعوات لتبنّي الاشتراكية في بلدنا»، قال ترامب، مضيفاً: «لقد خلقنا أحراراً، وسنبقى أحراراً». وختم هذه الفكرة بالقول: «اليوم، نجدّد عزمنا على أن أميركا لن تكون أبداً بلداً اشتراكياً»، ليصفق الجمهوريون مطولاً ويلتزم الديمقراطيون الصمت.
رد الديمقراطيين
أتلانتا
رد الديمقراطيون بحدة على خطاب حال الاتحاد، على لسان المرشحة الرئاسية المحتملة لمنافسة ترامب خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، ستايسي أبرامز، التي خسرت انتخابات حاكمية ولاية جورجيا الخريف الماضي.
وفي خطاب أبرامز ذات الأصول الأفريقية تم التركيز حول مواضيع لم يأت ترامب على ذكرها في خطاب «حال الاتحاد» من الشلل في الحكومة الفدرالية، ومسألة السيطرة على الأسلحة، وصولاً إلى الاحتباس الحراري.
وقالت أبرامز في خطاب ألقته من مدينة أتلانتا «الإغلاق كان استعراضاً خطط له رئيس الولايات المتحدة». وأعربت أبرامز عن «إحباطها» حيال الطريقة التي يواجه بها ترامب قضايا البلاد، موضحة «لا أريده أن يفشل، ولكن نحتاجه أن يقول الحقيقة وأن يحترم واجباته والتنوع غير العادي الذي يميز أميركا».
وأضافت «كنت مع متطوعين، نوزع وجبات على الموظفين الفيدراليين الذين عانوا بسبب عدم صرف رواتبهم لأسابيع، من العار أن نتلاعب بهم لدوافع سياسية». وهاجمت أبرامز سياسات ترامب إزاء قضية الهجرة غير الشرعية قائلة «يجب أن تكون هناك خطة للهجرة ولكن ليس أن تضع الأطفال في السجون لا نتكلم عن حدود مفتوحة. والشعب الأميركي يفهم ذلك، الديمقراطيون مستعدون للتفاوض».
ولم يقتصر رد الديمقراطيين على أبرامز وحدها إذ أن عضوة مجلس النواب إلهان عمر قالت عبر «تويتر» إن «ترامب رفض أن يتحدث في خطاب الاتحاد عن أمور مثل تغير المناخ، وإغلاق الحكومة، الأطول في تاريخ الولايات المتحدة وتهديده بإغلاق الحكومة مرة أخرى في أقل من أسبوعين».
وبدورها، اتهمت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، الرئيس «بتعمد إثارة الذعر بين المواطنين وإيجاد أزمة على الحدود».
وكتبت بيلوسي «تفنيد المغالطات التي طرحها الرئيس سوف يستغرق أياما» مضيفة «على ترامب الالتزام بالتوقيع على بيان لجنة الحزبين المشتركة، الذى دعا لاستمرار عمل الحكومة وتقديم حلول أمنية قوية وذكية لقضية الحدود» بدلاً من بناء جدار.
Leave a Reply