كمال ذبيان – «صدى الوطن»
قبل أن تولد الحكومة في لبنان، وعقب تسعة أشهر من الانتظار، وهي فترة ليست قصيرة في تاريخ تشكيل الحكومات في بلاد الأرز، لم يتوان أحد أطرافها –الحزب التقدمي الاشتراكي– عن فتح النار سريعاً عليها، بعد أن شعر زعيم المختارة، بأنه كـ«الزوج المخدوع»، وأن التسويات تحصل دون علمه.
ولادة الحكومة
خضعت ولادة الحكومة الجديدة لمخاض عسير، تمحور حول الأحجام والمقاعد، فتأخرت حتى قبلت الأطراف الداخلية بالإفراج عنها في مسعى منها لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من شروطها ومطالبها حتى توالت التسويات، أو ما يسمى التنازلات، فخفضت «القوات اللبنانية» حصتها من خمسة مقاعد إلى أربعة، واستحصلت على منصب نائب رئيس الحكومة الذي تخلّى عنه رئيس الجمهورية، دون أن تحصل على وزارة سيادية، وارتضت بوزارات العمل والشؤون الاجتماعية والتنمية الإدارية، كما تخلّت عن وزارة الثقافة كي تشكّل الحكومة.
جنبلاط حذا حذو القوات بالقبول بمقعدين درزيين فقط، بعد أن كان يطالب بثلاثة، كي يقطع الطريق على توزير النائب طلال إرسلان، فدخل الرئيس ميشال عون على خط التسوية، بأن طمأن رئيس الاشتراكي بأنه سيحصل على رئاسة الأركان في الجيش، ووظائف أخرى، وأن يقدم هو وإرسلان لائحتين من الأسماء ليختار واحداً منها، فكان صالح الغريب من لائحة إرسلان.
ومع حل العقدتين «القواتية» و«الدرزية»، برزت عقدة التمثيل السنّي، حيث تمسك الرئيس سعد الحريري برفضه توزير شخصيات سنية من خارج «تيار المستقبل»، ليقبل به فيما بعد، بأن يقدم «النواب السُنّة المستقلون» قائمة مرشحين من خارجهم، فوقعت التسوية على حسن مراد وزيراً، وهو نجل النائب عبدالرحيم مراد، بعد استبعاد اسم جواد عدرا.
هكذا وُلدت الحكومة بتسويات داخلية، لم يدخل العامل الخارجي فيها، وفق ما أكّد الرئيس الحريري والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ومعهما الرئيسان عون ونبيه برّي، حيث حاولت الإدارة الأميركية منع مشاركة «حزب الله» في الحكومة أو أقله عدم حصوله على وزارة الصحة دون أن يستجاب لمطلبها.
البيان الوزاري
بالاعتماد على البيان الوزاري للحكومة السابقة التي ترأسها الحريري –ومكوناتها هي نفسها في الحكومة الحالية– بدأ سريعاً العمل على إصدار البيان الوزاري لـ«حكومة العهد» التي تشكّلت نتيجة للانتخابات النيابية التي جرت على أساس النسبية لأول مرة وحدّدت الأحجام، ولم يبقَ خارج الحكومة سوى حزبين ممثلين في المجلس النيابي، هما «الكتائب» و«السوري القومي الاجتماعي»، لأن لكل منهما ثلاثة مقاعد نيابية فقط، والمعيار للتوزير أن تكون الكتلة من أربعة نواب فما فوق.
البيان الوزاري الذي يشكّل عادةً عقدة أمام الحكومات، اعتمد للمقاومة ما ورد في بيان الحكومة السابقة بأنه من حق المواطنين اللبنانيين المقاومة لاسترداد أرضهم المحتلة، مع دور أساسي للجيش، فيما جرى تفادي الخوض بموضوع العلاقة مع سوريا بانتظار قرار جامعة الدول العربية، على أن تعالج قضية النازحين السوريين وفق مبدأ «العودة الآمنة» لا «الطوعية»، والاستعانة بالمبادرة الروسية وحث المجتمع الدولي على الإيفاء بالتزاماته تجاه النازحين إلى لبنان.
الأزمة الاقتصادية
أبرز الأزمات التي ستواجهها الحكومة هما الأزمة الاقتصادية والحفاظ على الاستقرار النقدي، حيث اعتمد البيان الوزاري مقررات مؤتمر «سيدر» الذي طالب بتحقيق إصلاحات في بنية النظام الاقتصادي والمالي، باعتماد حلول للكهرباء ووقف الهدر وضبط الإنفاق العام وترشيده وتخفيف الأعباء عن الموازنة من خلال إيقاف التوظيف في الإدارات والمؤسسات، الذي يتّخذ في لبنان طابع المنفعة السياسية، وهو ما يرهق خزينة الدولة الواقعة بعجز متفاقم وتراجع النمو وارتفاع خدمة الدين العام، وهو ما حذّر منه تقرير وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني.
وقد وعد الحريري أن يكون الشغل الشاغل للحكومة، هو الخروج من الأزمة الاقتصادية وتوفير التمويل الذي إذا ارتبط بزيادة الرسوم والضرائب، كما جاء في توصيات «سيدر» وتقرير «ماكينزي»، فإن الحكومة ستواجه تحركات في الشارع بحال لجأت إلى قرارات غير شعبية، ولم تتحرك فعلياً لوقف الهدر ومكافحة الفساد واسترداد المال العام المنهوب. وقد تسقط بالضربة الاقتصادية والاجتماعية.
غضب جنبلاط
ورافق ولادة الحكومة غضب جنبلاط الذي اعتبر أنه كان خارج معادلة التأليف، إلا في ما يتعلّق بحصته، إذ شعر بأنه لم يعد «بيضة القبان»، وأنه بات المتلقي، وليس الفاعل، وهو يلمس أن اتفاق الرئيس الحريري مع الوزير باسيل منذ التسوية الرئاسية التي أوصلت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، وعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، أفرز ثنائية باتت تحكم لبنان باسم الطائفتين المارونية والسّنيّة من خلال أقوى تكتلين وتيارين سياسيين في البلد، وهو ما خلق «نقزة» عند زعيم المختارة الذي اعتاد أن تجرى امتحانات للمرشحين لرئاسة الجمهورية في دارته.
والقلق الجنبلاطي من «الثنائية المارونية–السنّيّة»، دفعه إلى اتهام الحريري بأنه يتخلى عن صلاحياته لحساب إعادة إحياء «المارونية السياسية» التي كانت تسمح لرئيس الجمهورية قبل الطائف بتشكيل الحكومة، واعتبار رئيسها «باش كاتب» في السلطة، والذي جاء اتفاق الطائف ليعزز دور رئيس الحكومة، دون أن ينتقص من صلاحيات رئيس الجمهورية، لكنه حدّدها في نص دستوري. غير أن جنبلاط يرى أن الحريري تخلى عن صلاحياته في تشكيل الحكومة لرئيس الجمهورية الذي كلّف باسيل التفاوض عنه، ووضع شروطاً لبّاها الحريري، مما أغضب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وأعلن أن الحريري تخلّى عن اتفاق الطائف، لأنه «انبطح» أمام باسيل ونفّذ له ما أراد، كي يبقى في رئاسة الحكومة حتى نهاية العهد الحالي.
ولم يسمح جنبلاط للحريري بأن يفرح بولادة الحكومة، فعاجله منذ اليوم الأول بـ«تغريدات» تصفه بأنه رئيس ضعيف للحكومة التي من المفترض أنها ستعقد الصفقات في الغاز والكهرباء ومشاريع ضخمة أخرى، فجاء رد والحريري بأن جنبلاط يعمل لمصالحه السياسية والفئوية، مؤكداً تمسكة باتفاق الطائف ورفضه للثنائيات وللثلاثيات وكذلك الأحادية، حيث قبل بمشاركة أطراف سنّية في الحكومة معه.
الانسجام الحكومي
يبدو من الحملة التي شنّها جنبلاط على الحريري وباسيل لتلغيم الحكومة، والردود عليه، يؤشر إلى عدم الانسجام داخل مجلس الوزراء وربما غياب التعاون بين مكوناته، وهو ما سيؤثر على إنتاجه، كما حصل في حكومات سابقة زادت من التعقيدات للأزمات التي يعاني منها اللبنانيون، كالكهرباء التي بدأ الخلاف حولها، منذ سنوات، وسط تراشق الأطراف باتهامات تمحورت حول صفقات الاستعانة ببواخر لتوليد الطاقة، كما في التنقيب عن الغاز، وإعادة تشغيل مصفاة طرابلس التي اشتم منها جنبلاط رائحة صفقة، كما في غيرها من الصفقات التي لا تمر على إدارة المناقصات، وفق اتهامات «الاشتراكي».
الحكومة التي استبشر اللبنانيون بولادتها، والتي ضمت 17 وجهاً جديداً من أصحاب الكفاءات وأربعة منهم من النساء، ما هي إلا استنساخ لما سبقها من حكومات، التي كانت الخلافات والمحاصصات تشل عملها وقدرتها على تحقيق الإنجازات، وهو ما يخشى اللبنانيون أن يتكرر مع الحكومة الجديدة التي بدأت متعثرة بسبب امتعاض جنبلاط، فيما قد يتمدد الاستياء في أي لحظة إلى قوى أخرى فتتعطل الحكومة التي طالبها «حزب الله» بالهدوء والتفكير بعقلانية وموضوعية لمعالجة أزمات حادة تهدد لبنان باقتصاده وأمنه الاجتماعي، وتفتح الساحة الداخلية أمام المتربصين.
Leave a Reply