كمال ذبيان – «صدى الوطن»
ما أن أعلن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عن استعداده للذهاب إلى إيران، لطلب تزويد لبنان بالسلاح، لاسيما «الدفاع الجوي» منه، إضافة إلى مساعدات أخرى في الكهرباء والأدوية، حتى بدأ سجال لبناني داخلي، حول تسليح الجيش ومصادره، وسط خلاف بشأن نوعية السلاح الذي يريده الغرب، وتحديداً أميركا، أن لا يكون لمواجهة إسرائيل، وأن ينحصر استخدامه في الداخل، مساعداً لقوى الأمن الداخلي في ضبط الأمن وقمع التظاهرات والاحتجاجات، وحماية النظام السياسي والسلم الأهلي. هكذا كان ينظر إلى دور الجيش قبل الحرب الأهلية، من قبل قوى سياسية لبنانية داخلية، لم تشأ قتال العدو الإسرائيلي، تحت شعار «حياد لبنان».
العقيدة القتالية
تسبب الخلاف الداخلي حول دور الجيش في لبنان، إلى طرح موضوع عقيدته القتالية، بعد أن رفع «حزب الكتائب» في أواخر ستينات القرن الماضي، شعار «قوة لبنان في ضعفه»، رافضاً أي مشروع يقوم على تسليح الجيش بالأسلحة الكفيلة بالتصدي للاعتداءات الإسرائيلية التي تكرّرت على لبنان ضد المقاومة الفلسطينية، ففجّر جيش الاحتلال طائرات لـ«طيران الشرق الأوسط» في مطار بيروت عام 1969 واغتالت ثلاثة من قادة المقاومة الفلسطينية وهم كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار في نيسان من العام 1973 في شارع فردان–بيروت، حيث كانت مع كل اعتداء صهيوني، ترتفع أصوات القوى الوطنية تطالب بتسليح الجيش، وتعزيز عقيدته القتالية. إلا أن اليمين اللبناني، كان يرفض ذلك ويدعو إلى رفض وجود منظمات فلسطينية مسلحة على أرضه عموماً وفي المخيمات خصوصاً، رغم تشريع الوجود الفلسطيني المسلح بـ«اتفاق القاهرة»، الذي وُقّع بين قائد الجيش العماد إميل البستاني ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في العام 1970، إثر وقوع اشتباكات بين الجيش والفصائل الفلسطينية، حيث انتصر فريق لبناني للجيش ومن أبرزه «الكتائب» و«الوطنيون الأحرار»، فيما وقف فريق وطني آخر إلى جانب المقاومة الفلسطينية مع المطالبة بتسليح الجيش لردع إسرائيل، وكان ذلك من أسباب نشوب الحرب الأهلية التي اندلعت في 13 نيسان 1975.
مصادر تسليح الجيش
كان الجيش الذي تأسس في العام 1946، يحصر تسليحه بالسلاح الغربي وتحديداً الفرنسي والبريطاني، حتى وقوع الحرب الأهلية، ولم يكن يملك سلاح دفاع جوي، وامتلك عدداً من الطائرات الحربية القديمة الصنع، لكن فرنسا زوّدته ببعض طائرات «الميراج»، ثم صواريخ دفاعية من نوع «كروتال» أقرها وزراء الدفاع الغربيون للبنان لسد ثغرة في تصديه للعدو الإسرائيلي، مع تركيب «رادار» في الباروك لكشف تحرك الطيران الإسرائيلي.
ولم يكن تسليح الجيش بعيداً عن صفقات مشبوهة لوكلاء شركات السلاح في لبنان، حيث برزت فضيحة صواريخ «الكروتال» ودور قائد الجيش فيها العماد إميل البستاني، ثم ظهرت فضيحة ثانية حول طائرات الـ«بوما» الرومانية في عهد الرئيس أمين الجميّل، الذي قامت الإدارة الأميركية في عهده بتسليح الجيش الذي أصبح أميركياً، وخضع ضباطه إلى دورات في الولايات المتحدة، لكن حصل تحول بعد اتفاق الطائف الذي أكّد على «العقيدة القتالية» للجيش بالتوجه نحو سوريا، التي رعت دمج ألويته المنقسمة على نفسها، وأجرت دورات لضباطه عندها، وزوّدته بأسلحة رشاشة ودبابات وناقلات جند من صنع روسي، كما تلقى الجيش اللبناني هبات من أميركا وفرنسا وبريطانيا، وكذلك من دول عربية لاسيما الإمارات العربية المتحدة.
السلاح الروسي
وحاول لبنان تنويع تسلّحه، فزار وزير الدفاع السابق الياس المر روسيا، واتّفق مع مسؤوليها على تزويد الجيش بطائرات روسية قدّرت بعشرة، وبسعر زهيد، لكن حصل اعتراض من بعض القوى السياسية، بأن لبنان ليس بحاجة إلى طائرات حربية، بل مروحيات، فتوقفت الصفقة مع الاتحاد الروسي، ليستمر البحث في تزويده بأسلحة وذخيرة، كان مقرراً أن تصل في تشرين الثاني الماضي ملايين الطلقات النارية المتعددة لبنادق رشاشة ومتوسطة، إضافة إلى أعتدة وصواعق ومتفجرات بلغ ثمنها أكثر من خمسة ملايين دولار، كهبة روسية على أن يشتري لبنان أسلحة روسية أخرى، لكن رسالة رسمية وصلت إلى الملحق العسكري الروسي في بيروت، تؤكّد على رفض لبنان للسلاح الروسي، لأن ما يستخدمه هو أسلحة أميركية وأخرى من حلف «الناتو»، حيث لم يقنع هذا التبرير التقني الجانب الروسي، وكاد أن يتسبب بأزمة دبلوماسية، وخلاف لبناني داخلي، إلى أن تمّ البت بالموضوع بتحويل السلاح إلى قوى الأمن الداخلي، بالرغم من امتلاك الجيش لبنادق كلاشينكوف ورشاشات PKS المتوسطة الروسية، وهو بحاجة لذخائر لها.
الاحتكار الأميركي
والرفض اللبناني للهبة العسكرية الروسية، جاء بقرار أميركي، خضع له مسؤولون لبنانيون، تحت ذريعة كي لا يخسروا ما وعدت به أميركا بتزويد لبنان سلاحاً بقيمة 2,4 مليار دولار، وبدأت شحنات الأسلحة تصل تباعاً إلى الجيش الذي قد يصبح تحت السيطرة الأميركية، والتي تمنحه السلاح بشروط، منها أن لا يقع بيد «حزب الله»، الذي تضغط أميركا على الحكومة اللبنانية لنزع سلاحه، وتطبيق القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 2 أيلول 2004 عليه، وهي مهتمة بتسليح الجيش ليقوم بمهام تجريد «حزب الله» من سلاحه، ودفعه إلى الصدام معه، وهذا ما ترفضه قيادة الجيش منذ عهد أيام الرئيس إميل لحود، وتحت مقولة «الجيش والشعب والمقاومة» التي حررت الارض من الاحتلال الإسرائيلي، التي مازالت الحكومات المتعاقبة تتبناه ولو بصيغ مختلفة، ومنها الحكومة الحالية برئاسة سعد الحريري.
وتسلّم الجيش مؤخراً ست طائرات أميركية من نوع «توكانو A–29»، إضافة إلى ذخائر وقاذفات قنابل يدوية ومركبات «برادلي» القتالية بقيمة 11,7 مليون دولار، كما تسلّم هذا الشهر 200 قاذفة قتالية من طراز «MK–19»، و8 مركبات قتالية جديدة تحت عنوان «الشراكة الأميركية–اللبنانية»، وفق ما تؤكّد السفيرة الأميركية في لبنان أليزابيت ريتشارد، وجميع الموفدين الأميركيين السياسيين والدبلوماسيين والعسكريين، حيث أعلن قائد القيادة المركزية الأميركية ARCENT الجنرال تيرنس ج. ماكنريك، في زيارته إلى بيروت، على أن الدعم الأميركي للجيش اللبناني بصفته المدافع الوحيد عن لبنان، في إشارة منه إلى رفض وجود المقاومة، وهو ما كرّره قائد القوات البحرية الأميركية في القيادة المركزية نائب الأميرال جون أكويلينو، عندما أشار إلى تقوية القدرات البحرية للدول الشريكة من أجل تعزيز الأمن.
فالاهتمام الأميركي في تسليح الجيش له هدف واحد، كيف يصبح القوة العسكرية الوحيدة في لبنان، لتتحكم في قراره، وهي تتابع بناء قدراته من خلال تأهيل وتطوير وحدات القوات الخاصة وأفواج التدخل، واستدامة ألوية المشاة الميكانيكية ودمج المدرعات.
وقد كان لافتاً موقف وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو بالتلويح بوقف المساعدات بعد فوز «حزب الله» وحلفائه بالأكثرية النيابية.
السلاح الإيراني
وفي الوقت الذي تتقدم أميركا لتسليح الجيش منفردة، فإن السعودية التي تقدمت بهبة بقيمة 3 مليار دولار، لتسليح الجيش وعقدت صفقة مع فرنسا لتقوم بالمهمة، لكنها لم يمضِ وقت قصير حتى سحبت الهبة، وأوقفت الدعم للجيش، وبقيت مساعدة لقوى الأمن الداخلي تسلّمها الرئيس سعد الحريري، باعتبار أن هذا الجهاز يتبع سياسياً لـ«تيار المستقبل» من خلال مديره العام، في حين تشكك الرياض في الجيش الذي تعتبره تحت هيمنة «حزب الله»، وهو ما تنظر إليه أميركا وإسرائيل.
وقد تفاعل اقتراح السيد نصرالله، بتسليح الجيش من إيران، مستنداً إلى تجربة المقاومة التي باتت تملك آلاف الصواريخ، وتشكّل قوة ردع ضد العدو الإسرائيلي، حيث لاقى اقتراحه تأييداً من الطرف الداعم للمقاومة، ورفضاً من الطرف الرافض لوجود سلاحها، وأن إيران تخضع لعقوبات، حيث تزامن كلام نصرالله، مع زيارة قام بها وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، الذي أكّد عزم بلاده على تلبية أي دعم يطلبه لبنان، دون تحميله أعباء مالية، من خلال تقديم تسهيلات له.
تسليح الجيش، أحدث انقساماً لبنانياً قديماً–جديداً، بين أن يبقى تحت المظلة الأميركية، أو يتحرّر منها بتنويع سلاحه ومصادر تسليحه.
صواريخ أميركية للجيش اللبناني
سلمت الولايات المتحدة صواريخ موجهة بالليزر تزيد قيمتها على 16 مليون دولار للجيش اللبناني الأربعاء الماضي، لتبرهن على ما وصفته «بالتزام قوي وراسخ» تجاهه.
وأمدت الولايات المتحدة الجيش اللبناني بمساعدات بأكثر من 2.3 مليار دولار منذ عام 2005، بهدف دعمه باعتباره «المدافع الشرعي الوحيد» عن البلد.
وقال بيان للسفارة الأميركية في بيروت إن الصواريخ، التي تم نقلها بطائرة عسكرية أميركية، مكون رئيسي في سرب طائرات «أي–29 سوبر توكانو» الهجومية الذي تم تسليمه في وقت سابق.
Leave a Reply