مريم شهاب
ثمة كلمة سر على مدى العالم بأسره عموماً، وفي أميركا خصوصاً، كيفما تلفتَّ تجدها وهي: معاداة الساميّة، التهمة جاهزة لأي مخالف أو معارض لأفكار العنصرية الصهيونية، التي وصلت إلى قناعة بأنها تملك القدرة على أن تعزّ من تشاء وتذل من تشاء، كأنها هبة الرب على هذه الأرض بعد سنين الاضطهاد والاستعباد، ولها الحق في استعمار واستحمار المتمردين عليها وإبعادهم إلى ما وراء الشمس.
ومن يقرأ التاريخ يعلم أن هناك شعوباً كثيرة عانت من الإذلال والاستعباد، الأفارقة السود مثلاً، سواء في أفريقيا أو في الغرب، سامهم البيض سوء العذاب وعاشوا حياة البؤس والشقاء.
شهر شباط في كل سنة هو شهر الإضاءة على تاريخ الأميركيين السود. وفي ديربورن جناح خاص في قرية هنري فورد التاريخية، يعرض القصص واللوحات الجدارية عما عاناه السود من عبودية واغتصاب لإنسانيتهم على مدى قرون عديدة. حتى الحكايات التي نحكيها للأطفال كُتِبَ فيها أن اللون الأبيض هو لون الخير والجمال والنقاء، أما اللون الأسود فهو لون الشر والبشاعة.
في حكاية سندريلا مثلاً، لدى زوجة «الأب إبنتان وجههما أبيضان ناصعان ولكن قلبيهما بشعان أسودان».
أراد الرجل الأبيض وضع قوانين هذا العالم وآدابه وباع الأفارقة كالغنم والزواحف، وقسَّم العملة إلى قرشين، القرش الأبيض لأيام الخير، ويستحسن أن توفيره ليوم البؤس، الذي هو اليوم الأسود طبعاً.
في الأمس القريب، سنة 1964، كان السود يقتلون إذا أرادوا الإنضمام إلى الجامعة. وبعد أربع سنوات، أي في سنة 1968، قتل مارتن لوثر كينغ في ظروف أكثر غموضاً من مقتل مثيله جون كينيدي لأنه كان «يحلم» بتحرير الرجل الأسود في أرضه ووطنه.
لا زالت حتى الآن تعابير العنصرية، التي تنتمي إلى عصور الجهل والظلام ماثلة أمامنا، فلا زالت أفلام وولت ديزني تصوِّر الأمير الضفدع الأسمر البشع الذي هو بحاجة لقبلة الفتاة البيضاء الجميلة لتخلِّصه من تعاسة حظه الأسود.
ورغم تاريخ الإذلال والعبودية، لم يفلح السود بالعودة إلى أفريقيا، كما نجح الصهاينة بتأسيس دولة لليهود في فلسطين المغتصبة. لم ينجح الأفارقة حتى بإقامة دول حقيقية في بلادهم الأصلية بينما نجح اليهود في الاستيلاء على بلاد الغير.
لماذا؟ هل السبب هو التمييز ضد اللون الأسود ووصفه بالسوء والكسل والتخلف كما روِّجت هوليوود منذ تأسيسها حتى الأمس القريب؟ ترى كيف سيكون رد الغرب إذا طالب الأفارقة السود بالتعويض عن سنوات العبودية التي عانوها فيما لا زال الصهاينة يبتزّون العالم ويتهمونه بمعاداة السامية إذا تجرأ أحد على الشكوى من ظلمهم واضطهادهم لشعبٍ طرد من بيته وكرمه ووطنه، فلسطين؟
Leave a Reply