د. جيمس زغبي
يبدو أن أنصار إسرائيل المتعصبين في حالة هلع، والدليل الدامغ على ذلك هجومهم الشرس على أية إشارات تصدر عن الكونغرس الأميركي تتضمن التخويف من الدور الذي تضطلع به «لجنة الشؤون العامة الأميركية–الإسرائيلية»، المعروفة اختصاراً بـ«آيباك»، في تشكيل السياسات الأميركية تجاه إسرائيل، مثلما فعلت واحدةٌ من كتاب الرأي في صحيفة «نيويورك تايمز» وكثيرون آخرون في الماضي. وكانت ردود أنصار إسرائيل شبه هستيرية. واستغل «الجمهوريون» هذا الجدل لإظهار أنه لم يعد من الممكن الثقة في «الديمقراطيين» كأنصار ثابتين للسياسات الإسرائيلية كافة. ومن المحزن أن بعض «الديمقراطيين» جبنوا واحتشدوا وانضموا إلى المنتقدين. بيد أن المشكلة ببساطة هي أن أولئك الذين منحوا إسرائيل تفويضاً مفتوحاً يخسرون تأييدهم بين الناخبين من الشباب والأقليات ولا يعرفون ما يفعلون. وتظهر استطلاعات الرأي انقساماً حزبياً وديموغرافياً عميقاً بشأن التأييد الأميركي لإسرائيل، فالناخبون من جيل الألفية والأقليات يبتعدون عن تأييد إسرائيل في اتجاه أكثر توازناً وتأييداً للفلسطينيين. وعلى الرغم من أن «الجمهوريين» سعداء بهذا الانقسام ويسعون لاستغلاله لصالحهم، يرغب بعض «الديمقراطيين» في اللعب على كلا الحبلين، فمن ناحية يودون الحفاظ على تأييد أولئك الناخبين المهمين، بينما يغضون الطرف في الوقت ذاته عن السياسات الإسرائيلية.
وانطلاقاً من هذا التحول في المواقف، صوّت معظم «الديمقراطيين» المتطلعين إلى الترشح في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2020 ضد قانون في مجلس الشيوخ يُشجّع الولايات على انتهاك التعديل الأول بمعاقبة الأفراد الذين يشاركون في حركة المقاطعة ضد إسرائيل. وبالطبع، يوجد في الكونغرس أعضاء لا يخفون انتقاداتهم للسياسات الإسرائيلية التي تنتهك حقوق الإنسان.
وفي ضوء هذا المشهد المتغير، تبدو أسباب ذعر المؤيدين المتعصبين لإسرائيل واضحة بما يكفي. لكن المثير للغضب هو طريقة ردّ أنصار إسرائيل، فقد حوّلوا معاداة السامية إلى سلاح وصوبوه في محاولة وقحة لكبح الخصوم وإسكات النقاش المشروع بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهناك الآن قوانين مطروحة أمام الكونغرس لإعادة تعريف معاداة السامية لتشمل انتقاد السياسات الإسرائيلية وتُجرّم المشاركة في مقاطعة إسرائيل، وأخرى تنتقد معاداة السامية، لكنها تخلط بين انتقاد إسرائيل وسلوكيات تشويه اليهود.
وكدليل إضافي على التغيير الجاري، كتبت ميشيل ألكساندر وهي واحدة من أحدث كتاب الرأي في صحيفة «نيويورك تايمز» قبل بضعة أسابيع، مقالاً مهماً تحدثت فيه عن الأسباب التي دفعتها، باعتبارها مدافعة عن الحقوق المدنية، إلى قطيعة مع إسرائيل. لكن يوم الأحد الماضي، نشرت الصحيفة مقالاً آخر للكاتب بريت ستيفنز فيما بدا أنه رد على مقال ألكساندر. غير أن مقاله كان مجافياً للمنطق وينطوي على تشويه للتاريخ في محاولة للمساواة بين ما يصفه بـ«انتقاد اليسار التقدمي لإسرائيل» و«معاداة السامية».
ويحاول «ستيفنز» ترسيخ فكرة أن إسرائيل لطالما أرادت الاعتراف بدولة فلسطينية، فيزعم أن رئيسي وزراء إسرائيليين عرضا في عامي 2000 و2008 إقامة دولة فلسطينية، لكن عرضيهما قوبلا بالرفض. وفي الحقيقة، كان من قدم العرضين هما رئيسا وزراء يوشكان على ترك المنصب، وكانت معدلات تأييدهما متدنية. ولم يذكر «ستيفنز» أن وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، شلومو بن عامي، قد أكد أن العرض الذي تم تقديمه للفلسطينيين في عام 2000 كان غير ملائم وغير جدير بالقبول. ويتفاخر الكاتب بأن آرييل شارون أزال المستوطنات من قطاع غزة، ويتجاهل أن الانسحاب جرى بصورة أحادية الجانب من دون تشاور مع السلطة الفلسطينية، وكما أصرت الولايات المتحدة. وأن إسرائيل لم «تترك» غزة، لكنها ببساطة تخلت عن المستوطنات غير القانونية، ومن ثم حولت القطاع إلى سجن كبير مفتوح.
ولإظهار قسوة الفلسطينيين، يشير ستيفنز إلى عدد القتلى الإسرائيليين على أيدي الفلسطينيين خلال قرن من الزمان، غير أنه يتجاهل حقيقة أن ثمانية أضعاف هذا العدد من الفلسطينيين قتلوا على أيدي الإسرائيليين خلال الفترة ذاتها.
ولإثبات حسن نيته، يعلن ستيفنز أنه «يؤيد حل الدولتين»، لكنه يزعم في الوقت ذاته أن مَن يقولون إن على إسرائيل أن تتوقف عن البناء في الأراضي المحتلة وأن يتوصلوا إلى سلام مع الفلسطينيين مذنبون بـ«التشويه». لكن في الحقيقة هو المذنب لأنه يدعي أن المعارضين للمستوطنات مذنبون لأنهم يتهمون إسرائيل «بالطمع في أراضي الفلسطينيين».
وفي حين يعتبر ستيفنز أن الحديث عن مثل هذه الأخطاء معاداة للسامية، فإن ازدراءه الواضح لحقوق الإنسان الفلسطيني وتجاهله لتاريخ القمع بحق الفلسطينيين ومعاملتهم في إسرائيل إما كمواطنين من الدرجة الثانية أو كضحايا للاحتلال الوحشي، لا يمكن وصفه إلا بالعنصرية.
وفي النهاية، إذا كنا أمناء مع أنفسنا، فلم يعد الوضع الذي نعيشه يحتمل سوى التغيير. لذا فالتغيير قادم. وعلى هؤلاء الذين تمكنوا من ممارسة الضغوط لإسكات النقاش بشأن السلوكيات الإسرائيلية والحقوق الفلسطينية أن يعلموا أن الاستمرار في فعل ذلك لن يسكت الأصوات المعارضة وإنما سيقويها. والرسالة واضحة: اللعبة انتهت!
Leave a Reply