كمال ذبيان – «صدى الوطن»
سياسة «النأي بالنفس» التي اعتمدها لبنان في موضوع الأزمة السورية بعدم الاصطفاف في صراع المحاور الإقليمية والدولية، و«ربط النزاع الداخلي» بين الأطراف الداخلية المختلفة بشأن النظام السوري، والتي انخرطت بشكل أو بآخر في القتال إلى جانب دمشق أو ضدها… فإن كل ذلك، لا يعفي الحكومة اللبنانية من أن تبحث وتناقش سبل معالجة ملف النزوح السوري، الذي بات يشكّل عبئاً على لبنان من النواحي الاقتصادية والمالية والاجتماعية، إضافة إلى تأثيره السلبي على الواقع الديمغرافي لبلد متعدد الطوائف والمذاهب.
أول خلاف حكومي
وشكّلت زيارة وزير شؤون النازحين صالح الغريب إلى سوريا والمنتمي إلى «الحزب الديمقراطي اللبناني» برئاسة النائب طلال إرسلان، حليف النظام السوري، وصديق رئيسه بشار الأسد، أول خلاف داخل الحكومة برئاسة سعدالحريري، وفي الجلسة الأولى لها بعد نيل الثقة، إذ قام الوزراء المعترضون على العلاقة مع نظام الأسد، بطرح موضوع الزيارة التي تمّت دون موافقة مجلس الوزراء، كما زيارات أخرى لوزراء في الحكومة السابقة حصلت إلى سوريا، دون موافقة رئيسها، وهم حلفاء للنظام كـ«حزب الله» و«حركة أمل» و«تيار المردة»، إضافة إلى الوزير بيار رفول الذي كان يزور دمشق، بتكليف من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ويلتقي مسؤولين سوريين، من بينهم الرئيس الأسد، ناقلاً رسائل باسم الرئيس عون، وبعيداً عن الإعلام أو الإعلان رسمياً عنها.
وقد عبّر وزراء «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» عن امتعاضهم لزيارة الغريب، ولتطبيع العلاقات مع النظام السوري، واستخدام قضية النزوح السوري، لعودة النفوذ السوري إلى لبنان بعد 14 عاماً على خروجه منه، حيث ردّ رئيس الجمهورية على هؤلاء، بأن عودة النازحين السوريين يجب أن لا تكون مادة خلافية داخلية، لأن مصلحة لبنان هي في تنظيم عودتهم الآمنة إلى سوريا كي لا تتكرر مسألة النازحين الفلسطينيين.
صراع صلاحيات
واحتدم النقاش داخل الجلسة، وتجرّأ وزراء «القوات اللبنانية» على رئيس الجمهورية وذكروه بموقفه من الوجود السوري في لبنان، ومقاومته له ومطالبته بانسحاب الجيش السوري منه، وأنه يتنكر لتاريخه من أجل مصالح سياسية وشخصية، فانتفض الرئيس عون، متوجهاً إلى مَن ينتقدونه على أنه كان على علم بزيارة الوزير الغريب، وهو مَن غطاها. ورد عليه المعارضون للزيارة بأن هذا ليس من صلاحياته، بل هي من صلاحيات مجلس الوزراء مجتمعاً، وكاد النقاش الحاد أن يتطوّر مما اضطر رئيس الجمهورية إلى رفع الجلسة. واعتبر إجراءه هذا، بأنه لا يدخل في صلاحياته، لأن مَن يدعو إلى الجلسة هو رئيس الحكومة، وهو مَن ينهيها بالتشاور مع رئيس الجمهورية الذي عندما يحضر يترأس الجلسة ولا يصوّت فيها. وأدّى ذلك إلى فتح موضوع الصلاحيات، والسجال حولها، في ظل صمت رئيس الحكومة أثناء الجلسة وبعدها، لأنه لا يريد تفجير حكومته في جلستها الأولى، والتي استغرق تشكيلها نحو تسعة أشهر، ولأنه يشجع على عودة النازحين، وهو كان اطّلع من وزير شؤون النازحين عن رغبة لديه بزيارة سوريا، والتقاء مسؤولين فيها لوضع خارطة طريق لعودة آمنة وطوعية، كانت بدأت مع تنظيم الأمن العام لها.
استغلال النزوح السوري
تعاطت الحكومات اللبنانية المتعاقبة، مع النزوح السوري بعدم اهتمام، لاسيما في الفترة ما بين اندلاع الأزمة مطلع عام 2011، وحتى العام 2013، إذ تغاضى لبنان عن موجة النزوح إليه، والتي كان بلغ عدد الوافدين نحو مئة ألف، على أنها مرحلة مؤقتة، وسيسقط النظام السوري في وقت قريب، من العامين المذكورين، وسيعود النازحون. وكان أصحاب هذه الفكرة ضمن قوى «14 آذار» التي شجعت على استقبال النازحين، لجهة كونهم من «الثوار» المناهضين للنظام والهاربين من بطشه ومجازره، وفق مواقفهم التي ضغطت على الحكومة لإتخاذ قرار بعدم ترحيل أي سوري، ولو كان مرتكباً لجرم، كي لا يقتله النظام في سوريا.
ولعب فريق «14 آذار» دوراً في استقدام النازحين السوريين، وزارت وفود منه، مخيماتهم في أكثر من منطقة لاسيما في عرسال، البلدة التي حولتها مجموعات «النصرة» و«داعش» إلى «إمارة إسلامية» كانت ستعممها على لبنان بدءاً من بقاعه وشماله، فهاجمت مراكز الجيش في البلدة وقتلت وخطفت جنود الجيش وعناصر قوى الأمن، لتنفيذ مخططها الذي سار فيه أفراد من عرسال وعلى رأسهم علي الحجيري (أبو عجينة) و«أبو طاقية»، وهما في السجن، حيث كان الإرهابيون يفخخون السيارات ويرسلونها إلى المناطق اللبنانية، وتحديداً الضاحية الجنوبية، كما البقاع ويستهدفون الجيش وبيئة «حزب الله» الذي قاتل الإرهاب في سوريا لمنع تمدده إلى لبنان، ووقف سداً منيعاً له في جرود السلسلة الشرقية من جباله.
الاحتضان الإنساني
وقام لبنان بواجبه تجاه النازحين، فاحتضن نحو مليون ونصف المليون من الذين لجأوا إليه وتوزعوا في كافة مناطقه، وقد بدأت تبرز أزمتهم مع استمرار الحرب في سوريا، التي دخلت عليها عوامل إقليمية ودولية، وتعقّدت حلولها، وبرز موقف من الأمم المتحدة يدعو إلى العودة الطوعية للنازحين، وهو ما أقلق لبنان من توطينهم فيه، وخشي مسؤولون من أن يتكرر «السيناريو الفلسطيني»، إذ أقرّت الأمم المتحدة بعودتهم من خلال القرار 194 الصادر عنها في العام 1948، لكنها لم تعمل على تنفيذه، فتصدّت وزارة الخارجية اللبنانية لطروحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ودعت للعودة الآمنة، لأن سبب النزوح هو الحرب، وأن مناطق واسعة من سوريا، أعادتها الدولة إلى سيادتها وفرضت الأمن فيها، وباتت العودة إليها آمنة، وشكّل الموقف الرسمي اللبناني صداماً مع المنظمة الدولية، ودول أخرى لاسيما منها الأوروبية، التي شجعت على بقاء النازحين في الدول المجاورة لسوريا، لمنع لجوئهم إلى أوروبا، التي شكّل النزوح إلى دولها خطراً أمنياً عليها، بعد عمليات تفجير حصلت فيها تبنتها «داعش».
فلبنان لم يقصر مع النازحين السوريين، ففتح لهم المدارس لتعليم أبنائهم، والمستشفيات أمام المرضى، كما سمح لهم بفتح مؤسسات تجارية، دون أن تقدم له الدول المانحة، المساعدات المناسبة، لتحمل هذا الكم من النازحين الذي يساوي ثلث مواطنيه على مساحة 10,452 كلم2، هي ربع مساحة محافظة حمص التي يمكنها استيعاب هؤلاء النازحين، وإقامة أماكن لتجمعاتهم، وتصرف عليهم الأمم المتحدة، حتى عودتهم إلى مدنهم وبلداتهم الأساسية، وقد بدأ إعادة إعمار البعض منها.
ورقة بيد أميركا
وتلعب أميركا دوراً سلبياً في موضوع النزوح السوري، كورقة ضغط على النظام السوري وحلفائه، وتربطه بالحل السياسي في سوريا، والذي تؤخر حصوله، منذ اتفاق جنيف في العام 2012 بينها وبين روسيا، حول مبادئ للحل، وانعقاد مؤتمر سوري–سوري للحوار، من أجل التوصل إلى وقف الحرب. إلا أن واشنطن كانت تريد من الأزمة السورية أن تبقى قائمة دون حل، حتى يتنحى الرئيس الأسد، الذي لاقى دعماً روسياً وإيرانياً حاسماً. لكن المشروع الأميركي فشل في تثبيت حكم «الإخوان المسلمون» الذين هُزموا في سوريا وسقطوا في مصر ولم يستمروا في تونس، وهو ما كشفت عنه تقارير أميركية وأجنبية وعربية عن دور إدارة الرئيس باراك أوباما في دفع «الإخوان المسلمين» إلى السلطة في المنطقة العربية.
وبعد تمكّن النظام السوري من تحرير كل المحافظات من الإرهاب، باستثناء محافظة إدلب، فإن النازحين السوريين، يجب أن يعودوا، وهو ما أكّد عليه الرئيس الأسد في كلمة له قبل أسابيع في اجتماع لمجالس الإدارة المحلية، في نداء له لعودة أبناء الوطن إليه، للمساهمة في إعادة الإعمار، حيث كشف عن أن أميركا تضع حواجز أمام عودة اللاجئين، لاستخدامهم كورقة ضغط على سوريا، لفرض شروط عليها، وهو ما رفضه الرئيس السوري، الذي التقى مع الرئيس اللبناني على أن مؤامرة رفض عودة النازحين السوريين، هي من صنع أميركا.
Leave a Reply