كمال ذبيان – «صدى الوطن»
بلغ لبنان مرتبة متقدمة في الفساد حتى بات يُصنّف في المرتبة 143 من بين 180 دولة، وفق مؤشر مدركات الفساد للعام 2017، مسجلاً بذلك تراجعاً متواصلاً مقارنة بالأعوام السابقة، حيث كان يحتل المرتبة 136 من أصل 176 دولة، وذلك بحسب «الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية» (لا فساد)، وهي الفرع الوطني لمنظمة الشفافية الدولية.
فساد مزمن
والفساد في لبنان، مرض مزمن يعود إلى أول عهد رئاسي وحكومة بعد الاستقلال في العام 1943، ولم تمرّ مرحلة من تاريخ لبنان الحديث، دون الفساد المرتبط بالسياسة، فكان كل رئيس جمهورية يقسم اليمين على الدستور، يتعهد بأنه سيحارب الفساد ويجتثه من المؤسسات، دون أن ينجح أحد بتحقيق الغاية المرجوة، إذ كانت الإجراءات تنال من موظفين صغار، وإذا وصلت الموسى إلى رقبة عالية، فإنها لا تتعدى موظفي الفئة الأولى. كما أن معظم الأحكام كانت سياسية، وهو ما أفقد اللبنانيين –على مر الحقبات– الأمل بإجراء إصلاح شامل.
على سبيل المثال شهد عهد الرئيس شارل حلو عملية تطهير واسعة أصابت موظفين وقضاة، دون أن تلامس الطبقة السياسية، كذلك تجرّأ الرئيس إميل لحود، فأدخل وزيراً إلى السجن هو شاهيه برصوميان، ونائب سابق حبيب حكيم، على خلفية محرقة برج حمود، مع إقالة بعض المدراء العامين الذين ربح بعضهم دعاوى أقاموها أمام مجلس شورى الدولة بدعوى تعرضهم للانتقام السياسي، كالنائب ميشال المر، كما جرت اتهم عهد لحود بمحاولة النيل مما سمي «الحريرية السياسية»، التي أفرزتها ممارسة الرئيس رفيق الحريري للسلطة، حيث اتّهم بتسخير القانون لصالح الشركة العقارية لإعادة إعمار بيروت (سوليدير)، والاستيلاء على أملاك خاصة وعامة ناهيك عن عدم الشفافية في تلزيمات المشاريع.
عهد الإصلاح والتغيير
مع وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، توسّم اللبنانيون خيراً، بأن شعار «الإصلاح والتغيير»، سيطبّق في عهده، وستتغيّر الممارسة في الحكم، وستتم محاربة الفساد التي طال انتظارها، إلا أن عامين مرّا من تولي عون الرئاسة، ولم يلمس المواطنون أي تبديل يذكر في الأداء الحكومي، كما على مستوى إدارات الدولة، وكانت الذريعة الرئاسية، تتمثل في أن حكومة العهد الأولى ستتشكّل بعد الانتخابات النيابية التي ستصحح التمثيل الشعبي، لتبدأ بعد ذلك ورشة الإصلاح المنتظرة، بعدما استمرّت عملية خرق القوانين لعامين آخرين، من خلال إجراء مناقصات من خارج المعايير، كما في موضوع استئجار البواخر لتوليد الكهرباء، والتي تصدّت لها هذه المرة إدارة المناقصات في هيئة التفتيش المركزي، إضافة إلى أن الرشاوى لم تتوقف في المؤسسات والإدارات الرسمية، وظهر ذلك في ما تمّ كشفه مؤخراً عن فضائح داخل قوى الأمن الداخلي، مع توقيف ضباط ورتباء وعناصر، خالفوا القوانين واستغلوا الوظيفة لمآرب شخصية، مع تورّط مساعدين قضائيين ومحامين في مسائل جنائية مطروحة أمام القضاء، وقد اعتبرت هذه الإجراءات بداية إصلاح من تحت.
شطف الدرج من فوق
إلا أن الادعاء على موظفين من رتب متدنية، بتهم الفساد، يدخل في إطار الحد من الفساد لا اجتثاثه، لأن محاربته تبدأ من أعلى الهرم في السلطة، إذ يقول الرئيس عون، إن تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى، أي «شطفه من فوق»، وفق المثل الشعبي، وهو ما لم يحصل بعد، مما يهز ثقة المواطنين بإمكانية حصول إصلاح حقيقي، ما لم يبدأ في الطبقة السياسية الحاكمة، المتجذر بعضها منذ عقود بعيدة، وبعضها إلى قرون. وهؤلاء من الزعماء المستفيدين من النظام السياسي الطائفي، الذي يوزع المكاسب والمحاصصة بين أفراد الفريق الحاكم، الذي يعترف بوجود الفساد، دون أن يدخل أحد منهم إلى السجن قط، أو يتم استرداد أي من الأموال المنهوبة، على الرغم من وجود قوانين –إذا ما استخدمت– فهي كفيلة بأن تفضح الفاسدين، وفي مقدمها قانون «الإثراء غير المشروع» (من أين لك هذا؟)، والذي لم يتم اللجوء إليه في لبنان بعد رغم أنه صادر في خمسينات القرن الماضي. إذ لم يتقدّم أحد من المجلس الدستوري الذي توضع لديه المستندات بما يملك المسؤولون الذين يتبوأون مراكز في الدولة، بدءاً من رئيس الجمهورية ومجلس النواب والحكومة إلى الوزراء والنواب وموظفي الفئة الأولى، بأي شكوى حول مصدر ثروة مَن ظهرت عليهم النعمة فجأة، وهم لم يكونوا إلا أناساً عاديين.
الطائفية تحمي الفاسدين
تلعب الطائفية التي هي ركيزة النظام السياسي في لبنان، دوراً فاعلاً في حماية الفاسدين، وهذا ما ظهر مؤخراً في موضوع الرئيس فؤاد السنيورة، الذي طرح النائب حسن فضل الله في إطار تعهد «حزب الله» بمحاربة الفساد، موضوع الحسابات في المالية العامة، ومنها بالطبع 11 مليار دولار حصل عليها لبنان في العام 2006 كهبات وقروض، إلا أن استقالة وزراء حركة «أمل» و«حزب الله» وتعطيل أعمال مجلس النواب، وعدم تقديم الحكومة للموازنة آنذلك، جعلت الإنفاق من دون حسيب أو رقيب على قاعدة الإثني عشرية.
ومنذ ذلك الوقت، وكانت المطالبة دائماً حول معرفة كيف صُرف مبلغ الـ11 مليار، ولما سأل النائب فضل الله، دون ذكر السنيورة، تم تحويل النقاش من الأرقام وهدر المال العام، إلى مسألة مذهبية، فظهرت شعارات اعتادها اللبنانوين خلال العقود الماضية من قبيل «رموز الطائفية السنّيّة» مستهدفون، و«الحريرية السياسية» مستهدفة، فأصدر «تيار المستقبل» بياناً داعماً للسنيورة، ووقف إلى جانبه أيضاً مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان الذي اعتبر السنيورة خطاً أحمر، بعد زيارته رئيس الحكومة سعد الحريري، حيث ظهر مناخ سياسي وشعبي أعاد البلاد إلى الحديث عن فتنة سنية–شيعية، من باب ما تقدم به النائب فضل الله من وثائق ومستندات مطالباً النيابة العامة المالية، بالقيام بما هو لازم لجلاء الحقائق وإظهار الحقيقة التي يتمناها اللبنانيون.
التوظيف السياسي
وفي خضم المعركة التي فُتحت ضد الفساد من قبل قيادة «حزب الله» بمساندة أطراف سياسية وحزبية، كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، يؤكّد أن لا منافسة مع أحد في هذا الموضوع، ومَن يتقدّم لمحاربة الفساد فالساحة له، حيث برز موضوع إدخال نحو 11 ألف موظف إلى مؤسسات الدولة، دون مسوغ قانوني، لأن التوظيف توقف قانوناً، بعد صدور سلسلة الرتب والرواتب قبل الانتخابات الأخيرة، إلا أنه حصلت عملية خداع من خلال التوظيف السياسي، عبر التعاقد وعدم الالتزام بالقانون الذي يحصر التوظيف في المؤسسات الرسمية عبر مجلس الخدمة المدنية، ولكن التوظيف استمر بكثافة بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب في آب (أغسطس) 2017، حيث تجاوزت القوى الحزبية والسياسية، القانون ووظّفت آلاف الموظفين الجدد في مختلف الأسلاك المدنية والعسكرية وقد سبق ذلك توظيف نحو 20 ألفاً منذ العام 2014، مما أرهق الخزينة التي تعاني من فقدان السيولة.
غير أن لجنة المال والموازنة بدأت بمتابعة هذا التوظيف غير القانوني، وباشرت استدعاء وزراء كان أوّلهم وزير الاتصالات محمد شقير لسؤاله عن حقيقة توظيف نحو 453 في «أوجيرو» و54 في وزارة الاتصالات، فاعترف بذلك أمام اللجنة، وأكّد على أنهم يقبضون ولا يعملون، أي لا وظائف فعلية لهم، وهنا ظهرت الفضيحة الكبرى، والتي سيتم كشف مثلها في مؤسسات أخرى، حيث امتنع بعضها عن تزويد التفتيش المركزي بالأسماء والأرقام.
والجدير بالذكر أن عدد الموظفين الحكوميين في لبنان يبلغ نحو 300 ألف في كل الأسلاك والفئات، وهو رقم كبير قياساً إلى عدد سكان لبنان (حوالي 5 ملايين نسمة)، مما يكبد الخزانة عجزا بنحو 8 مليارات بدل نفقات رواتب وتقاعد، وهو ما لفت الدول المانحة في مؤتمر «سيدر» الذي طالب لبنان بالحد من نفقات المالية العامة ومعالجة مسألة التوظيف السياسي والعشوائي للحصول على قروض ومنح دولية.
جبهة مقاومة الفساد
السيد نصرالله أعلن أن الفساد بات يشكل خطراً وجودياً على لبنان يوازي الخطرين الصهيوني والتكفيري، وهما العدوان اللذان انتصرت عليهما المقاومة في جولات سابقة، مطالباً بإنشاء جبهة مقاومة لتحرير لبنان من الفساد، وإلا فإن الإنهيار هو ما ينتظر اللبنانيين، حيث دعا الأمين العام جميع القوى أن تتظافر وتتوحد في جبهة تحرير لبنان من الفساد، وإسقاط الشأن الطائفي والمذهبي عن هذا الموضوع الوطني، الذي إذا لم تجرِ معالجته جذرياً، فإن الفقر سيتفاقم في لبنان بعد أن شمل نحو مليون فقير، فيما تزداد البطالة إلى مستويات قياسية ستودي باللبنانيين نحو الجوع والحرمان والهجرة.. والشارع.
Leave a Reply