نك ماير – «صدى الوطن»
في 22 آذار (مارس)، تحتفل «صدى الوطن» بالذكرى الـ35 لتأسيسها متوّجة مسيرة طويلة وشاقة بقائمة لا تحصى من الإنجازات التي تدعو إلى الاعتزاز والفخر، بات معها المجتمع العربي الأميركي في منطقة ديترويت رقماً سياسياً صعباً في خريطة الشأن العام، وعلامة فارقة بين المجتمعات المهاجرة في الولايات المتحدة.
35 عاماً.. مضت على انطلاقتها الأولى بإمكانيات مادية متواضعة وتقنية محدودة، ولكنها تمكنت –بالعزيمة والمثابرة– من الاستمرار والازدهار في بلد يمتلك أضخم الترسانات الإعلامية في العالم، بل نجحت في مواكبة المجتمع العربي الأميركي وترسيخ حضوره اقتصادياً وثقافياً وسياسياً على صعيد ولاية ميشيغن والولايات المتحدة عموماً.
ويمكن القول من دون مبالغة: إن «صدى الوطن» والمجتمع العربي الأميركي في منطقة مترو ديترويت هما توأمان، وُلدا وسط أمواج متلاطمة من التحديات والعقبات، وناضلاً –جنباً إلى جنب– من أجل إثبات الوجود وتحصيل الحقوق، وها هما الآن في ريعان الشباب.. يُشار إليهما بالبنان.
فبعد ثلاثة عقود ونصف، غدت مدينة ديربورن التي كانت تضم مجتمعاً عربياً ناشئاً حاضرة العرب الأميركيين وعاصمتهم، وأصبحت «صدى الوطن» أكبر صحيفة عربية في الولايات المتحدة وأوسعها انتشاراً.
في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كان التمييز ضد العرب في ذروته، وكانت الصور والشتائم النمطية تلاحقهم في كل مكان، ما دفع الكثيرين منهم إلى تغيير أسمائهم وسلوكياتهم الثقافية والاجتماعية، ولم يكن يُستثنى من هذا الواقع حتى مدينة ديربورن نفسها.
يقول الناشط العربي الأميركي المخضرم رون أمين: «لا يمكنني التعبير بما يكفي لوصف ما فعله السبلاني منذ 35 عاماً وحتى الآن. لقد باتت لديه بالتأكيد أفضل مطبوعة عربية في هذه البلاد التي لا تمتلك إلا القليل من وسائل الإعلام العربية».
ويعود بذاكرته إلى الوراء، متذكراً اللحظات الأولى لولادة «صدى الوطن»، قائلاً: «لن أنسى أبداً.. كنا أربعة أو خمسة أشخاص جالسين في أحد المطاعم، عندما جاء السبلاني وفاجأنا بقرار إصداره لصحيفة». يضيف: «مكن ما بين 20—25 شخصاً أُمكن من جمع بعض الأموال للمساعدة في دعم مهمته الجديدة.. تلك كانت البداية، أما الباقي فقد أصبح تاريخاً».
وأكد على أن السبلاني «كان خارج جميع التجاذبات، منذ ذلك الحين. إنه لا يمثل فقط صوت مجتمعنا في ديربورن، ولكنه يمثل صوت العرب في أميركا كلها».
من جانبه، وصف رئيس «المجلس اللبناني الاغترابي للأعمال»، الدكتور نسيب فواز «صدى الوطن» بأنها «الصحيفة الأفضل»، مؤكداً «لقد بات لدى العرب الأميركيين وسيلة للتعبير عن آرائهم ومواقفهم في مجمل القضايا».
السبلاني لم يكن صحفياً عندما أسس الجريدة، كما أنه لم يدرس الصحافة والإعلام في جامعة أو معهد مختص، فقد تخرج من «جامعة ديترويت» حائزاً على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية، وتولى بعد تخرجه منصب نائب الرئيس في شركة «إنرجي انترناشيونال»، ولكنه آثر التضحية بوظيفته تلك، عازماً على شق الطرقات الوعرة في «مهنة المتاعب»، عقب الاجتياح الإسرائيلي لوطنه الأم، لبنان، عام 1982. لببدأ المشوار –يداً بيد– مع رفيقة دربه مديرة التحرير، الزميلة الراحلة كاي السبلاني التي انتقلت إلى جوار ربها في ٢٠١٣.
وخلال المسيرة الممتدة من أواسط الثمانينيات إلى يومنا هذا، لم ينقطع حضور الصحيفة بشخص ناشرها عن وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة، بما فيها القنوات الأخبارية المتحيزة ضد العرب والمسلمين الأميركيين. وسجلت «صدى الوطن» والسبلاني معاً، مواقف صلبة ضد موجات الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب، مفندين مزاعم الساعين إلى تشويه صورة الجاليات العربية والإسلامية وتعميق الانقسام في المجتمع الأميركي، كما شكلا سنداً قوياً للأصوات المقموعة والمضطهدة ومنبراً دائماً لإيصال أصواتهم المحاصرة.
وفي هذا السياق، يقول المدير التنفيذي لـ«مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية» (كير–ميشيغن) داود وليد: «لقد لعبت صدى الوطن دوراً حيوياً في إسماع أصوات المهمشين وسرد قصصهم.. التي غالباً ما يتجاهلها الإعلام الرئيسي السائد في أميركا».
ويضيف: «على مدار الأعوام السابقة، أولت الصحيفة اهتماماً خاصاً للكثير من قضايا الحقوق المدنية التي لم تغطها وسائل الإعلام الرئيسية. وعلاوة على ذلك، منحت الناس، المنصة التي يبحثون عنها، لإسماع أصواتهم حول الإسلاموفوبيا من وجهة نظر هم، لا من خلال وجهة نظر الآخرين».
ويؤكد: «الناس خارج المجتمعات العربية والإسلامية، باتوا أكثر قدرة على أن يشعروا بنبضنا، أما الناس داخل مجتمعاتنا العربية والأميركية فقد باتت لديهم القدرة على متابعة الأخبار (المتعلقة بالإسلاموفوبيا) وكذلك الاطلاع على الإجراءات والنشاطات التي تقوم بها المنظمات المجتمعية لمواجهة كراهية الإسلام».
على الرغم، من مواظبة «صدى الوطن» على نشر الأخبار والآراء حول مجمل القضايا الساخنة على الصعيدين الوطني والدولي، إلا أن دورها الفريد تجلّى في ترسيخ دور المجتمع العربي الأميركي في منطقة ديترويت الكبرى وحماية مصالح أبنائه وحقوقهم المدنية والدستورية.
ومع «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك)، نجحت الصحيفة في تحقيق نجاحات منقطعة النظير في دعم الكثير من المرشحين العرب الأميركيين لمجمل المناصب الرسمية، والمساهمة في إيصال بعضهم إلى أعلى مسؤوليات القرار في المدينة، وفي المقاطعة والولاية، إضافة إلى المطالبة الدؤوبة بتوظيف العرب الأميركيين الكفوئين في المناصب الرسمية والدوائر الحكومية بما يتناسب مع ثقلهم الديموغرافي.
عديدة هي الجوائز التي حصدتها «صدى الوطن»، لدورها البارز في تشكيل الهوية العربية الأميركية، ففي العام 2013 تم اختيار الناشر لدخول «قاعة مشاهير الصحافة في ميشيغن»، فضلاً عن حصدها العديد من الجوائز المرموقة الأخرى، وفي مقدمتها «جائزة روح التنوع في الصحافة» من «جامعة وين ستايت».
غير أن أبرز النجاحات التي تحققت خلال مسيرة «صدى الوطن»، تمثلت في تعزيز انخراط المهاجرين العرب بالحياة السياسية العامة، وهو ما انعكس زيادةً كبيرة في الإقبال على التصويت والترشح لمختلف المناصب الحكومية.
وقد تمخضت الانتخابات الأخيرة، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عن انتصارات جديدة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، بوصول أول عربيتين مسلمتين إلى مجلس النواب الأميركي عن ولايتي مينيسوتا وميشيغن، وهما إلهان عمر ورشيدة طليب، إضافة إلى فوز الوسيط العقاري سام بيضون بعضوية «مجلس مفوضي مقاطعة وين» عن مدينتي ديربورن وآلن بارك. وفي أعقاب الانتخابات، تم أيضاً تعيين المحامية فدوى حمود في منصب محامي الاستئناف العام بولاية ميشيغن، وهي أول عربية ومسلمة تشغل هذا المنصب في الولايات المتحدة. وكذلك تبوأ المحامي نبيه عياد رئاسة «هيئة مطارات مقاطعة وين»، كما تم تعيين العديد من العرب الأميركيين في الفريق الانتقالي لكل من الحاكمة الجديدة غريتشن ويتمر والمدعي العام دانا نسل وسكرتيرة الولاية جوسلين بنسون، في سابقة غير معهودة في الحياة السياسية الأميركية.
«مثل تلك الإنجازات وغيرها، غدت جزءاً من المشهد الانتخابي في ولاية ميشيغن، ولم تعد استثناء من القاعدة»، يؤكد المحامي عبد حمود أحد مؤسسي منظمة «أيباك» الرائدة في العمل السياسي العربي الأميركي، ويضيف: «لقد كان للصحيفة تأثير كبير على المجتمع وعلى تطوره، خاصة في المجالين السياسي والاجتماعي».
وفيما يخص التنوع الداخلي في المجتمع العربي الأميركي بمنطقة ديترويت الكبرى، تمسكت «صدى الوطن» –على مر السنين– بخطاب عربي جامع من أجل وحدة مكونات الجالية وتلاحمها رغم التوترات الناجمة عن الأحداث الأليمة التي عصفت بالبلدان الأم خلال العقود الماضية. برؤية ثاقبة وبصيرة نافذة، واجهت «صدى الوطن» جميع التجاذبات التي أفرزتها الصراعات العربية–العربية، لاسيما في أعقاب ما يسمى «الربيع العربي» ونجحت بالبقاء على مسافة واحدة من الجميع، دون التحيز لأي انتماء مناطقي أو مذهبي أو فئوي.
وبهذا الصدد، يقول الناشط الكلداني أيوب (جايكوب) بقّال: «لقد قطعت صدى الوطن شوطاً كبيراً في خدمة الجالية منذ تأسيسها في 1984 وأصبحت زائراً دائماً للعديد من المنازل والأعمال التجارية في منطقة ديترويت».
ويضيف: «الصحيفة التي اعتدت الحصول عليها من متاجر الجالية على شارع وورن بديربورن.. أصبحت اليوم مصدراً للأخبار والآراء التي تهم جميع المكونات العربية، ومشهوداً لها بآرائها ومواقفها المتوازنة وغير المتحيزة لأي طرف من الأطراف».
ومشيداً بالنمو السريع والمتعاظم للمجتمع العربي الأميركي، أكد على أن «المجتمع العربي في منطقتنا محظوظ لكون السبلاني واحداً من ألمع قياداته».
وبمرور السنوات، اتسعت شهرة الصحيفة وتأثيرها، لا على الصعيد المحلي فحسب، وإنما في الولايات المتحدة بأكملها، وذلك من خلال الوفاء لشعارها الذي نذرت نفسها لأجله، بأن تكون «جريدة العرب في أميركا الشمالية»، ويؤكد الصحافي جو غريم بأن «صدى الوطن ساهمت في تشكيل المجمتع، وليست مجرد صوت من الأصوات فيه».
ويضيف غريم، البروفسور في كلية الصحافة بـ«جامعة وين ستايت»: «إنها لا توفر منصة للمجتمع فحسب، وإنما غدت مكاناً لتجمع أبنائه وإجراء النقاشات فيما يخص قضاياه ومستجداته وتحدياته».
ومن يزور مكاتب «صدى الوطن»، يلاحظ على الفور تنوع أخبارها وتغطياتها ووجهات نظر العاملين فيها. وعبر معاينة أغلفة الأعداد المعلقة على الجدران، تسافر عبر الزمن في لقطات وعناوين تعكس المنعطفات السياسية والاجتماعية الحادة التي واجهها العرب، سواء في وطنهم الجديد أو في أوطانهم الأم.
وفي مقدمة تلك التحديات، تبرز القضية الفسطينية، ذات الحساسية الوطنية والثقافية، سواء هنا في الولايات المتحدة، أم هناك وراء المحيطات.
ورغم جميع التقلبات التي ضربت قضية العرب الأساسية، تظل «صدى الوطن» وفيةً لفلسطين وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ودعم نضالهم ضد واحدة من أشرس دول الاحتلال عبر التاريخ.
وفي هذا الإطار، تقول الناشطة اليهودية في منظمة «الصوت اليهودي من أجل السلام» باربرا هارفي: «بصفتي يهودية مدافعة عن تحقيق العدالة للفلسطينيين، فلقد أدركت تماماً بأن صدى الوطن، كانت ولاتزال تقدم خدمات هائلة لجميع السكان، كمصدر موثوق للأخبار، وبصيغة مهنية بمنتهى العناية».
وتضيف: «الجميع من غير العرب ليس لديهم أدنى فكرة تقريباً حول كيفية الحصول على مثل تلك المعلومات التي تنشرها»، مشيرة إلى أن «المجتمعات المستهدفة من قبل مروجي الكراهية.. غالباً ما يتم تجاهل أخبارها أو تزويرها»، في إشارة إلى المجتمعات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة، وإلى الشعب الفلسطيني الذي يعاني الأمرين من جراء الاحتلال الإسرائيلي.
ووصفت هارفي «صدى الوطن» بـ«الكنز الوطني»، لافتة إلى أن الأفراد ذوي البصيرة يهتمون بالاطلاع على ما يجري ويدركون أن «صدى الوطن» هي مصدر موثوق للأخبار، وهم بالتأكيد «يعتزون بها، كما أفعل أنا».
الناشطة الفلسطينية دعد قطاطو أعربت عن تقديرها لناشر الصحيفة وفريق العاملين في «صدى الوطن». وقالت: «إننا نقدر مواقف الصحيفة الصلبة، المتضامنة مع القضية الفلسطينية ودعم الحقوق الوطنية والسياسية للفلسطينيين، في نضالهم المستمر من أجل تحرير أرضهم وإرادتهم من نير أدوات الاحتلال القمعية».
من جانبها، تستذكر الناشطة المجتمعية رحاب عامر وقوف الصحيفة إلى جانب عائلتها التي فجعت بفصل أولادها الثلاثة، على خلفية اتهامها الخاطئ بالتسبب بمقتل أصغر أطفالها.
عامر، التي خرجت من المصيبة الأليمة بعزيمة لا تلين وتصميم على الدفاع عن حقوق العائلات، الثقافية والدينية، نجحت في دفع مشرعي الولاية إلى استصدار «قانون عامر»، الذي يقضي بضرورة «ضم الأطفال المفصولين بقرار المحكمة إلى عائلات من نفس الخلفية الدينية والثقافية».
وأشادت عامر التي أسست أول مركز لحضانة الأطفال المسلمين (مسلم فوستر كير)، بمناصرة «صدى الوطن» لقضيتها، وقالت: «ماذا يمكنني أن أقول عن هذه الصحيفة التي أثرت في حياة عائلتي بالطريقة الأكثر عدالة»، معربة عن شكرها الخاص للسبلاني بالقول: «شكراً لمساندتك لنا على الدوام، لا يمكنني التعبير عن مدى امتناني لك. لقد كنتم صوتنا وأسمعتم مأساتنا للجميع».
بدوره، قال مؤسس نادي «هايب» الرياضي بديربورن هايتس علي السيد: «لقد قدمت صدى الوطن على مر العقود تغطيات صحفية نزيهة ومتوازنة لمجمل القضايا حول العالم»، معرباً عن أمنياته بدوام النجاح للصحيفة ولناشرها، وقال: «35 عاماً سعيدة… وعقبال مئة سنة قادمة».
الصحافية فاطمة ابراهيم التي عملت سابقاً لدى «صدى الوطن»، وصفت الصحيفة بأنها واحدة من «أكثر المنصات الإعلامية تأثيراً في ميشيغن، وهي تمثل الأصوات المتنوعة للمجتمع العربي الأميركي على الصعيدين الوطني والدولي».
وأشار رئيس «مؤسسة الصدر في الولايات المتحدة»، الناشط راشد المصري إلى أن «صدى الوطن» «كانت صوت الجالية العربية في أميركا، منذ انطلاقتها قبل 35 عاماً، وكانت ولاتزال تلعب دوراً مهماً في الدفاع عن قضاياها والتصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا».
الوسيط العقاري البارز علي شرارة، أكد على أن «صدى الوطن» هي جزء أصيل من المجتمع العربي الأميركي في منطقة مترو ديترويت، وبأنها «كانت تمثل دوماً صوت الناس في جميع الظروف».
وقال المدير التنفيذي لـ«النادي اللبناني الأميركي» وسيم محفوظ: «صدى الوطن كانت بمثابة حجر الزاوية في مجتمعنا، على مدار الـ35 سنة الماضية. لقد وفرت للقراء، الثقافة اللازمة لاتخاذ قرارات مدروسة حول القيادة والسياسة»، مؤكداً: «إن دورك في المجتمع يُبنى من خلال مساعدة الناس على إيجاد مساحات مشتركة والعمل نحو حل المشاكل المجتمعية، وهذا ما قامت به الصحيفة، وهو بلا شك أمر يستحق الثناء والتقدير».
وهنأ الناشط اليمني المخضرم علي بلعيد ناشر «صدى الوطن» والعاملين فيها على دورها الريادي في تدعيم الحضور العربي في الولايات المتحدة. وأضاف بلعيد،الذي يرأس «الجمعية اليمنية الأميركية الخيرية» (يابا): «إننا نقدر عملهم وجهدهم أعلى تقدير، لأن الصحيفة لعبت دوراً محورياً في الدفاع عن هويتنا الثقافية والحضارية، وحماية حقوقنا الدستورية والمدنية».
Leave a Reply