نتنياهو يعود من واشنطن بتوقيع ترامب .. وصواريخ المقاومة بانتظاره
كمال ذبيان – «صدى الوطن»
في 6 كانون الأول (ديسمبر) 2017، قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس، بعد تأجيل دام نحو 22 عاماً لقرار الكونغرس في هذا الشأن عام 1995، وهو القرار الذي دأبت الإدارات الأميركية المتعاقبة على تأجيله في ظل انخراطها في عملية السلام التي انطلقت عام 1991، في عهد الرئيس جورج بوش الأب.
قرار ترامب، حول القدس، كان في الواقع نسفاً لكل عملية السلام في المنطقة، والتي أنتجت «اتفاق أوسلو» بين الحكومة الإسرائيلية برئاسة إسحق رابين ومنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات في أيلول (سبتمبر) 1993، إلا أن هذا الاتفاق لم تنفذ بنوده، وتراجعت الدولة العبرية عنه، لا سيما في موضوع تسليم الضفة الغربية، الذي تسببت باغتيال رابين على يد متطرف يهودي من المؤمنين بأن التنازل عنها، هو تنازل عن جزء من يهوذا والسامرة، وهي أرض الميعاد التي وعد الله شعبه المختار بها، وبأن إسرائيل تمتد من «الفرات إلى النيل» ولا يجوز التنازل عنها، وفق المزاعم التوراتية.
فما أقدم عليه ترامب، بتنفيذ قانون الكونغرس بنقل السفارة، لم يكن إلا المسمار الأول في نعش الرعاية الأميركية لمفاوضات السلام، وبدايةً لخطوات مرتقبة لتصفية الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. إذ أن مندرجات مفاوضات السلام تحت الرعاية الأميركية وشعار «حل الدولتين، شملت وقف التوسع الاستيطاني، واعتبار القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وترك بند حق العودة إلى المرحلة الأخيرة من عملية السلام، غير أن قرار ترامب بشأن القدس كان بمثابة نفض للأيدي الأميركية من جميع تلك المندرجات خلافاً لجميع القرارات الدولية والاتفاقات السابقة، فما كان من منظمة التحرير الفلسطينية إلا الانسحاب من المفاوضات لترد الإدارة الأميركية بإغلاق مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن، وسحب الولايات المتحدة من منظمات الأمم المتحدة التي يتهمها بالانحياز ضد إسرائيل، وخفض بشكل كبير التمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
الجولان
وبعد عام ونصف من إقدام ترامب على نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، جاء قراره الاثنين الماضي بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، لينسف كل أسس عملية السلام السابقة في منطقة الشرق الأوسط، والتي كانت تلزم إسرائيل بالانسحاب من الجولان بناء على قرارات دولية، فيما ظلت مسألة بحيرة طبريا عالقة في ظل إصرار الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على عودتها إلى السيادة السورية تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي 242 و325، اللذين يطالبان العدو الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بعد عدوان 5 حزيران (يونيو) 1967، أو ما سمي بـ«حرب الأيام الستة»، إذ رفضت إسرائيل تطبيقهما تحت ذريعة تفسير القرارين على أنه انسحاب من أراضٍ عربية محتلة وليس من الأراضي العربية المحتلة، وأقدم الكيان الصهيوني في العام 1981 على ضم الجولان إلى أراضيه، فرفض مجلس الأمن ذلك، وأصدر قراراً حمل الرقم 497، الذي يدعو الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عنه، ووافقت عليه أميركا.
مجلس الأمن كرر رفضه بالإجماع (باستثناء الولايات المتحدة) لقرار ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان وذلك في الجلسة التي عقدت الخميس الماضي بشكل طارئ بطلب من سوريا، حيث وجدت واشنطن نفسها معزولة عن بقية أعضاء مجلس الأمن الدوليّ، فيما شدّد المندوب السوري بشار الجعفري على أن قرار ترامب «انتهاك سافر» لقرارات الأمم المتحدة، «كشف المخطط الإجرامي الموجّه ضدّ سوريا والمنطقة»، مؤكداً أن تحرير الجولان حق غير قابل للتصرف وأن واشنطن لم توفّر أية وسيلة لنشر الفوضى والدمار في المنطقة خدمةً لأجنداتها، بما في ذلك ابتداع «داعش».
كذلك وسائل إعلام إسرائيلية كشفت أن سفراء فرنسا بريطانيا وألمانيا في الولايات المتحدة أجروا «محادثات قاسية» مع مسؤولين كبار في البيت الأبيض ووزارة الخارجية أعربوا خلالها عن احتجاجهم الشديد على قرار ترامب.
وتحتل إسرائيل –منذ حرب يونيو 1967– حوالي 1200 كيلومتر مربع من هضبة الجولان الاستراتيجية، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي، بينما لا يزال حوالي 510 كيلومترات مربعة تحت السيادة السورية.
وتعتبر الهضبة التي تعد جزءاً من محافظة القنيطرة السورية، حسب القانون الدولي، أرضاً محتلة، ويسري عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967، الذي ينص على ضرورة انسحاب إسرائيل منها.
وكانت إسرائيل قد ضمت الجولان في 1981 في خطوة أعلن مجلس الأمن أنها «باطلة ولاغية وبلا أثر قانوني دولي». ويقيم في الجانب المحتل للجولان حالياً حوالي 25 ألف سورياً من طائفة الموحدين الدروز، مقابل 23 ألف مستوطن يهودي، فيما تخطط سلطات الاحتلال لتوسيع مستوطناتها في المنطقة.
محور المقاومة
باعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان من دون معارضة داخلية تذكر، يكون ترامب قد كرّس وعداً جديداً لدولة الاحتلال، بعد أكثر من قرن على وعد وزير الخارجية البريطانية الأسبق آرثر بلفور الذي أعلن فلسطين دولة لليهود، من دون وجه حق إنساني أو أممي.
غير أن جموح ترامب لتكريس «الدولة اليهودية» وإسقاط حقوق الشعب الفلسطيني، سيُواجه حتماً من المقاومة التي لم تكن قائمة أيام وعد بلفور وتقاسم المشرق العربي بين بريطانيا وفرنسا، إذ في فلسطين ومحيطها مقاومة، لن تترك لوعد ترامب وقراره حفظ إسرائيل وكيانها وأمنها، أن يمرّ دون رد، خاصة وأن ميزان القوى العسكري لم يعد محسوماً لصالح الكيان الصهيوني، كما كان في العقود السابقة، إذ باتت «الجبهة الشرقية» –أو «محور المقاومة»– ممتدة من غزة إلى إيران مروراً بلبنان وسوريا والعراق، وهو ما يدركه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جيداً وقد سمعه من ترامب نفسه خلال مؤتمر صحفي مشترك سبق التوقيع على مرسوم الجولان بأن «إسرائيل اليوم عليها أن تدافع عن نفسها من إيران والتهديدات الإرهابية في سوريا، بما في ذلك حزب الله، الذي قد يشن هجمات محتملة على إسرائيل»، مؤكداً أن «هذه خطوة تاريخية لدعم قدرات إسرائيل في الدفاع عن ذاتها من التهديدات المقبلة». معتبراً أن هذا الإجراء كان يجب اتخاذه منذ عدة عقود، وأن أية صفقة تخص السلام في الشرق الأوسط «يجب أن تعتمد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».
وما اجتماع رؤساء أركان الجيوش في إيران والعراق وسوريا، قبل أيام، وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولقاء مرشدها الأعلى السيد علي خامنئي، وإيفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزير الدفاع إلى سوريا واجتماعه برئيسها، إلا تحضيراً للرد على الخطوات الأميركية المتهورة في المنطقة، والتي بدأها ترامب بإسقاط الاتفاق النووي مع إيران، ومحاولة إقامة حلف مع بعض الدول العربية ضدها، ثم في تنفيذ «صفقة القرن» التي يروج لها صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنير، إضافة لسعي واشنطن إلى محاصرة روسيا عبر تشديد العقوبات عليها… كل هذه المؤشرات تدلّ على أن ترامب، وضع المنطقة والعالم، أمام واقع أشبه بفوهة بركان قد تنفجر في أي وقت، وما وعده الجديد لإسرائيل، بالاعتراف بالقدس عاصمة لها وسلخ الجولان عن سوريا إلا تمهيداً صريحاً لضم الضفة الغربية ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا وهو ما نبّه إليه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي رأى في قرارات ترامب استخفافاً بالعرب والمسلمين، مؤكداً أن صمت العالم العربي على مصادرة ترامب للقدس جعله يتجرأ على موقفه بشأن الجولان المحتل.
واعتبر نصرالله في كلمة له الأسبوع الماضي أنّ الخيار الوحيد أمام السوريين واللبنانيين والفلسطينيين لاستعادة أرضهم وحقوقهم هو المقاومة، متوجهاً بالتحية لصمود شعب غزة ومقاومتها لمواجهة العدوان الإسرائيلي والتحية إلى الشعب اليمنيّ مع بداية العام الخامس لحرب التحالف السعوديّ عليه.
دعم نتنياهو
سياسياً، يمثل الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان «هدية ثمينة» من ترامب لنتنياهو، قد تشكل «طوق نجاة» له في الانتخابات المقبلة في التاسع من أبريل القادم، والتي يبدو أنها ستقام على وقع تهديدات الصواريخ الفلسطينية التي طال أحدها تل أبيب الأسبوع الماضي ليغطي على عودة نتنياهو المظفرة من واشنطن بمواجهة منافسه الأبرز بيني غانتس.
غير أن السيادة الفعلية على الجولان لن تكون نزهة لإسرائيل وجيشها، خاصة وأن المنطقة باتت تضم مجموعات للمقاومة، عمل «حزب الله» على تمكينها في الهضبة الاستراتيجية التي حاول الجيش السوري استردادها في حرب 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1973، وكاد أن يحررها بالكامل، لولا التدخل الأميركي، والتقاعس المصري من قبل أنور السادات الذي أجهض الإنجازات الميدانية التي تحققت عبر اختراق خط بارليف الإسرائيلي جنوباً، ووصول الجيش السوري إلى أعلى قمة في جبل الشيخ، والاقتراب من بحيرة طبريا شمالاً.
وبالنظر إلى التوازنات القائمة في المنطقة فإن الانجراف الأميركي باتجاه دعم اليمين الإسرائيلي، قد يرتد وبالاً على الكيان الصهيوني الذي سيجد نفسه حتماً أمام جبهات مفتوحة بمواجهة محور مقاومة يمتد من سواحل المتوسط إلى جبال إيران وعمقه بكين وموسكو، إذا ما تجرأ قادته على شن الحرب.
أما الجولات التي قام بها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة، فكانت تمهيداً لحشد القوى الحليفة لأميركا ضد إيران وحلفائها، ومنع سوريا من تحقيق نصر سياسي يترجم انتصارها العسكري، إضافة إلى التمهيد لخطة السلام الجديدة التي تعتزم الإدارة الأميركية طرحها، والتي وفقاً لبومبيو ستتخلى عن «المعايير القديمة»، التي تتعلق بقضايا مثل القدس والمستوطنات مؤكداً فشل المقاربة القديمة. غير أن بومبيو قوبل ببرودة من قبل الحلفاء الإقليميين الذين لم يتجاوبوا سابقاً مع دعوات إقامة «ناتو عربي»، كما اعترضوا على قرار ترامب بضمّ الجولان، فيما طلبت الدول الحليفة لأميركا، إمهالها بعض الوقت حتى يتم نسيان ما فعله الرئيس الأميركي، قبل مواصلة الانفتاح على التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني والذي قطع شوطاً متقدماً مع غالبية الدول العربية.
Leave a Reply