كمال ذبيان – «صدى الوطن»
تزامن ظهور الانشقاقات داخل «التيار الوطني الحر» في العام 2015، حين كان مؤسس التيار العماد ميشال عون يقترب من كرسي رئاسة الجمهورية حتى تولاه في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2016. ففرمل الجنرال بانتخابه، الخلافات داخل تياره بفرض صهره الوزير جبران باسيل رئيساً له دون انتخابات، وبتزكية من عون نفسه، لجم بها طموحات آخرين بالترشح، بمن فيهم أولئك الذين يعتبرون أنفسهم من مؤسسي «الحالة العونية» منذ العام 1989، ومن مناضليها الأوائل مذ كان عون محاصراً في قصر بعبدا، أو بعد نفيه.
ورغم مرور سنتين ونصف على انتخاب عون رئيساً، لاتزال حالة الامتعاض سارية داخل مجموعة لا بأس بها من «المؤسسين–المناضلين» الذين تطلعوا إلى «الحالة العونية»، كنموذج حزبي مختلف، قبل أن يتفاجأوا بترئيس باسيل دون انتخابات في خطوة شكلت صدمة لدى كوادر وأفراد كثر داخل التيار، ولما التقى هؤلاء في معارضة داخلية، علّهم يصلحون ويمنعون الانحدار والانحراف، جوبهوا بقرارات إقالة وفصل، لاسيما الذين ظهروا منهم عبر وسائل الإعلام للإعلان عن رفضهم لما وصفوه بأنه عملية توريث مبكرة، للوزير الصهر، دونما النظر إلى نضالات الآخرين، وفق ما تؤكّد مصادر المفصولين أو المنشقين عن «التيار الوطني الحر»، ومن أبرزهم نعيم عون، بسام الهاشم، أنطوان نصرالله، زياد عبس، أنطوان الخوري حرب، كمال اليازجي، طوني مخيبر، طانيوس حبيقة، رمزي كنج وآخرون.
لقاء «الحبتور»
صبر هؤلاء ثلاث سنوات على الوضع داخل «التيار»، كي لا تكون حركتهم مثبِّطة لعهد الرئيس عون، فيُتهمون بمحاولة إفشاله، ففضلوا التزام الصمت والامتناع عن التحرك العلني، وفقاً للمصادر التي تشير إلى أنها راهنت على فرص نجاح رئيس الجمهورية في تطبيق المبادئ التي أطلقها والشعارات التي أعلنها، فأعطوا العهد فترة سماح، لكن ممارسات الوزير باسيل لم تكن متطابقة مع ما كان يطمح إليه هؤلاء «العونيون»، وهذا ما دفع بالذين أقيلوا وأقصوا من «التيار الوطني الحر»، أن يعيدوا تجميع أنفسهم، فعقدوا لقاءً لهم في فندق «الحبتور» في سن الفيل السبت الماضي، لمناقشة تحركاتهم المستقبلية بعد أربع سنوات على ظهور حركتهم المعارضة.
في المؤتمر، تعددت الآراء، بين مؤيد للبقاء خارج التيار وتشكيل تنظيم سياسي، وبين داعٍ إلى عدم ترك الساحة البرتقالية لباسيل بالعمل على جذب القاعدة العونية إلى التنظيم الرديف، في ظل حالات الإنكفاء عن النشاط الحزبي، ورفض عدد لابأس به من الحزبيين، الالتزام بقرارات القيادة لاسيما في انتخاب لوائح التيار، إضافة إلى ترشّح أفراد من خارج هذه اللوائح.
فاللقاء الذي جمع حوالي 80 شخصاً يُعتبرون من مؤسسي «التيار الوطني الحر» ومناضليه، وصفه أحد أبرز القياديين فيه أنطوان نصرالله –الذي كان يشغل مسؤول الإعلام في «التيار الوطني الحر»– بأنه بداية لتجميع العونيين المعارضين، وأن ما دفعهم إلى هذا اللقاء هو «الظرف السياسي الذي يسمح بالعودة إلى تنظيم حركتنا»، يقول نصرالله لـ«صدى الوطن»، مؤكداً أن هذا التحرك موجه «ضد الظلم الذي لحق بعشرات المناضلين»، كما لوقف الانحراف داخل «التيار الوطني الحر» الذي يسعى باسيل إلى الاستئثار به، بما لا يعكس مبادئ التيار وشعاراته ومسيرته، و«لذلك كان هذا اللقاء الذي قررنا فيه أن نعمل على تنظيم الفروع، والتحضير لساعة الصفر، للإعلان عن إنطلاقتنا من خلال مؤتمر عام».
«التيار»
ويوضّح نصرالله بأن تسمية حركتهم بـ«التيار» دون «الوطني الحر»، تأتي تأكيداً على «أننا نمثّل التيار فكراً وممارسة، ونحن في قلب هذا التيار، وأن لنا في داخل التنظيم الذي يرأسه باسيل رفاق كثر يؤيّدون تحركنا، وسينضمون إلينا في الوقت المناسب، ولن تنفع قرارات الفصل التي لجأت إليها قيادة «التيار الوطني الحر»، عبر لجنة التحكيم، في منع واستمرار حركة المعارضة التي نقوم بها، للتصدي للانحراف والظلم».
غير أن نصرالله يرى أنه من المبكر الإعلان عن تنظيم سياسي أو التقدم بعلم وخبر إلى وزارة الداخلية، فاللقاء هدفه تجميع صفوف المعارضين، ليس لعهد الرئيس عون، «الذي يمثل في رئاسة الجمهورية الجميع، وليس «التيار الوطني الحر»، بل المعارضين لأداء رئيس التيار ومَن يعاونه».
من جانبه، القيادي المستقيل من «التيار الوطني الحر»، بسام الهاشم، والذي تمّ فصله بعد ترشحه للانتخابات النيابية في جبيل، يرى في «لقاء الحبتور»، أنه تشكيل لنواة صلبة لتنظيم سياسي مستقل، إذ كشف لـ«صدى الوطن»، بأن اللقاء «لا يُقصد منه قيام حركة تصحيحية داخل التيار، بل الذهاب إلى إنشاء تيار سياسي جديد من خارج «التيار الوطني الحر»، الذي سيتركه كثيرون ليكونوا في عداد تيارنا، الذي ينطلق من أفكار ومبادئ طرحها العماد ميشال عون منذ العام 1989، حول بناء الدولة ودور المؤسسات»، متهماً باسيل بالانقلاب على كل تلك المبادئ والشعارات بتحويل التيار من مشروع بناء دولة ديمقراطية علمانية إلى مشروع سلطة، مما أخرج المناضلين منه، لصالح رجال المال والأعمال.
وكشف الهاشم عن أن التجمع سيبدأ بتنظيم نفسه وسيقوم بتشكيل قيادة مؤقتة خلال الأشهر القادمة، بعد وضع الهيكلية التنظيمية، استعداداً لعقد مؤتمر تأسيسي عام، نهاية العام الحالي يتم من خلاله انتخاب قيادة له.
عمل جماعي وتناوب على السلطة
وقد ركّز البيان الختامي «للقاء الحبتور» على أن تقوم السياسة في لبنان، على الأخلاق، بعد أن تحوّل العمل السياسي إلى «عهر سياسي»، يقول الهاشم مشدداً على أنه لا فصل بين السياسة والأخلاق، على عكس ما هو رائج، وأن السياسة تقوم على الأخلاق ومبدأ المساءلة والمحاسبة على الأداء والإنجازات «فلا يوجد زعيم ملهم وأوحد، بل قيادة جماعية وعمل جماعي، وتناوب على السلطة دون التمسك بها وإقصاء الآخرين، كما يحصل الآن برئاسة باسيل للتيار، والذي يقوم بأعمال استفزازية» وفقاً للهاشم.
التحكيم والفصل
وردّاً على «لقاء الحبتور»، بدأت لجنة التحكيم داخل «التيار الوطني الحر»، باتّخاذ الإجراءات الإدارية والتنظيمية بحق مَن حضروه، ويقول نائب الرئيس في التيار للشؤون الإدارية رومل صابر لـ«صدى الوطن»، إن القرارات التي باشر بها مفوض لجنة التحكيم، هي بحق كل مَن هو ملتزم بالتيار ويحمل بطاقة حزبية وحضر اللقاء يتم تطبيق النظام الداخلي عليه، أما مَن تمّ فصلهم سابقاً، وأصبحوا خارج التيار، لم تُتّخذ إجراءات بحقهم، لأنهم أخذوا خيارهم بأن يكونوا خارج التنظيم.
ويؤكد صابر على أنه «لا يمكن التساهل في هذا الموضوع»، مشيراً إلى أن مثل هذه الحالة، حصلت في أحزاب وتيارات أخرى، كما أن «التيار الوطني الحر» نفسه سبق وشهد حالات من هذا النوع، سواء من شخصيات بارزة أو آخرين انخرطوا بالتيار البرتقالي عندما كان حالة شعبية غير منظمة.
Leave a Reply