كمال العبدلي – «صدى الوطن»
على خشبة مسرح «المتحف العربي الأميركي»، وبرعاية «مركز الثقافة والفنون بديربورن» بالتعاون مع منظمة «أكسس» تمّ عرض مسرحية «تداعيات وطن» مساء الخميس الحادي عشر من نيسان (أبريل) الجاري.
اتّخذت المسرحيةُ من المونودراما إطاراً لتقديمها، ومن المسرح التجريبي أسلوباً لعرضها، من إعداد وإخراج الفنان المسرحي العراقي قاسم ماضي وتمثيل الفنانة القديرة استبرق العزاوي، وقد تمحور موضوع المسرحية حول مأساة أمّ تفقد نجلَها الوحيد في ساحة الحرب، وهي شخصية افتراضية أرادها المُعدُّ والمخرج نموذجاً حيّاً وشاملاً لكلّ أمٍّ عربية تُعاني من ويلات ومآسي الحروب الدائرة في ساحات الصراع العربية في أيّ بلدٍ طالته نيرانُها، إن كانت في العراق أو سوريا أو اليمن أو فلسطين أو ليبيا وغيرها من ساحات الصراع العبثي التي يكون ضحيّتها الأولى والأخيرة هو الإنسان البريء الذي تلتهمه نيران تلك الساحات، فهو الوقود الذي بواسطته يستمرّ أوّار الحرب اشتعالاً.
تمثّل التداعياتُ المتتابعة على اختلاف المشاهد الديكوراتية والتي تتحرّك الأمُّ باتّجاهاتها المأساوية التراجيدية، أنواعاً من فصول المآسي في عالمنا العربي بأكملِه، حيث المعاناة من الحروب الأهلية والثورات المُحبِطة وغيرها من الأحداث العنفية والتدميرية.
نصُّ المسرحية، اعتمد على الأسلوبِ الشِعريِّ الإيحائيّ والجملة المُكثَّفة ذات الدلالات العميقة وهو أسلوبٌ عُرفَ به المخرج في معظم أعماله المسرحية، في محاولةٍ لتطويع النصوص الشعرية النثرية باتّجاه التناغم والتداخل مع لغة المسرح، ونسجها ضمن سياقٍ دراميّ ينتهي إلى بناء نصٍّ متماوجٍ خلال مجرى العرض من البداية حتى النهاية، وهي شروط أرسطية يتحتّم توفّرُها عند كتابة أيّ نصٍّ مسرحيّ دراميّ.
العمل تمحور حول المونولوج –أي الحوار الداخلي للشخصيّة الوحيدة (الأم) في العرض المسرحي– حيث أنّ المونودراما –كما هو معروف– تقوم على ممثّل واحد على خشبة المسرح. ومن خلال شخصية الأمّ التي تفقد ولدَها الوحيد، بدأت تداعيات المَشاهد متتابعةً في تكثيفٍ يشدّ إليه المُشاهد، حيث الإفصاح عن تعرية الواقع المُزري الذي تعيشه المجتمعات العربية الغارقة في الصراعات المختلفة، وقد اشتمل العرض على ثلاث لوحات تنوَعت مُفرداتُ اشتغالِها لتعبّر عن حالات نفسية مختلفة ضمن البناء العام للنصّ، كما حاول المخرج قاسم ماضي تفعيل لغة الدلالة وتوظيف العلامة لتحقيق حالة التأويل لدى المُشاهد، وقد رافقت العرض أنشودة «تضيق البلاد» شعر عدنان الصائغ من ألحان وغناء الفنان رعد بركات.
وبالإضافة إلى المخرج والممثلة، تألّف فريقُ العمل من الفنانين:
صباح بقجة: الإدارة المسرحية
حسن حامد: الموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية
سالار الأنصاري: تصميم الإضاءة
وبرغم الصعوبات المادية التي رافقت التمهيد للعرض، إلّا أنّه حقّق أصداءً إيجابيّةً لدى المشاهدين الذين شعروا بأنّ ثمّة ما يلامسهم من هواجس ومُعاناة، لاسيّما وأنّ «تداعيات وطن» قد عكست جانباً جوهريّاً من مآسي بلدانهم، حيث أبدى الجمهور رغبتهم في مشاهدة عروض من هذا القبيل في المستقبل، والتي تعتمد التجريب وتقدّم رسالةً فنية جمالية بأسلوبٍ أكاديمي احترافي.
وعلى هامش العرض المسرحي صرّح الفنان قاسم ماضي لـ«صدى الوطن» أنّ إمكانيّة الاستمرار في تقديم عروض مستقبلية، تتطلّب دعماً من قبل المعنيّين بالشأن الثقافي والمسرحي، إذ يحتاج العمل المسرحي إلى مكان لتدريب الممثلين (ستوديو الممثّل) حتّى يُتاح لفريق العمل الوقت الكافي لإجراء التمارين إلى جانب ما تتطلبه من مكمّلات أخرى كالديكور والإنارة والمؤثّرات الصوتية…
Leave a Reply