كمال ذبيان – «صدى الوطن»
أعطت الدول المشاركة في مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان مالياً واقتصادياً، الحكومة اللبنانية مهلةً لإجراء إصلاحات جذرية في البنية الاقتصادية ووقف العجز في الموازنة، وخفض الدين العام، ووقف الإنفاق العام غير المجدي… أمّا وأنّ هذه المهلة قد شارفت على نهايتها، بحلول نهاية شهر أيار (مايو) المقبل، فهل تعيد هذه الدول العمل بتعهداتها في تنفيذ بنود «سيدر».
خطة الكهرباء
استجابت الحكومة اللبنانية لمطالب «سيدر» وبدأت الإصلاح المالي، من الكهرباء التي تكلّف الخزينة سنوياً أكثر من ملياري دولار، وتثقل الموازنة العامة بعجز بلغ نحو 11.5 بالمئة، مما يؤثّر سلباً على النمو الاقتصادي.
مجلس النواب أقر قانون الكهرباء، كما جاء من الحكومة التي وضعت خطة لمدة خمس سنوات، تقوم خلالها ببناء معامل إنتاج واستكمال ما باشرته في معامل دير عمار والذوق والزهراني، والاستغناء عن البواخر المولّدة للطاقة والعمل على تحسين الجباية التي تحرم مؤسسة كهرباء لبنان من نحو 40 بالمئة من إيراداتها، إضافة إلى منع التعدي على الشبكات وتخفيف الهدر التقني عليها، إضافة إلى التوجه نحو القطاع الخاص لبناء معامل إنتاج وبيع الطاقة الكهربائية من خلال نظام B.O.T أو P.P.P. وبموجب الخطة، سيتمّ التخلص من العجز في الكهرباء الذي كبد الخزينة أعباء مالية باهظة تقدّر بحوالي 35 مليار دولار من الدين العام، مع أنها مازالت غير متوفرة بالشكل المطلوب في ظل استمرار الاعتماد على التقنين.
الموازنة
مع إقرار خطة الكهرباء وصدور قانونها، بدأت الحكومة العمل على إنجاز الموازنة العامة التي ترسم مسار الإصلاح سواء من خلال تعزيز الإيرادات أو الحد من النفقات، وصولاً إلى تحقيق توازن خلال السنوات القادمة، أو أقلّه تخفيض العجز إلى نحو 5 بالمئة في غضون خمس سنوات.
وقد أنجز وزير المال علي حسن خليل الموازنة في آب (أغسطس) الماضي، لكن التأخير في تشكيل الحكومة، واستمرار حكومة تصريف أعمال، أعاق إقرار الموازنة في موعدها الدستوري، إلى أن رفع الوزير الخليل الموازنة إلى الحكومة التي يتوجب عليها أن تقرها بعد التفاهم السياسي على بنود التقشّف فيها، كما على الإيرادات من الرسوم والضرائب.
وقدم وزير المال تصوّره للموازنة كاشفاً عن معظم ما ستتضمّنه في مقابلة تلفزيونية، أكد فيها أن الموازنة ستعتمد على ترشيد الإنفاق وحصر المصاريف بالضروري منها وإلغاء النفقات التي حاجة لها.
التفاهم السياسي
يسعى رئيس الحكومة سعد الحريري، إلى تحقيق تفاهم سياسي حول الموازنة، كي لا تتعطّل في أدراة مجلس الوزراء، فجمع لذلك ممثلي الأحزاب والتيارات السياسية في بيت الوسط، وقدّم لهم تصوّره للموازنة التي يعول عليها لإنقاذ الوضع المالي للدولة، وهو الذي حذر من أن وضع لبنان يشبه اليونان اقتصادياً ومالياً، ولا بدّ من قرارات موجعة، تتّخذها الحكومة لتفادي الانهيار الذي ينذر به الخبراء إن لم يتم اللجوء إلى إقرار الإصلاحات المطلوبة.
والإصلاحات باتت معلومة من الجميع، لكن ثمة خلاف حول حجم التخفيض الذي سيلحق بموظفي القطاع العام من كل الأسلاك، لاسيما العسكرية والأمنية منها، إذ ثمة رفض من قبل قيادة الجيش أن يحصل تخفيض للرواتب كما للمعاشات التقاعدية، بل التوجّه نحو مزاريب هدر يمكن من خلالها إنقاذ الخزينة، مع الانفتاح على النقاش حول الحوافز التي يحصل عليها العسكريون في مختلف القطاعات، وهو ما أعلنه وزير الدفاع الياس بوصعب ، وأكّده قائد الجيش العماد جوزف عون، الذي أبلغ المسؤولين، بأنه لا يحمل خضات في الجيش إذا ما جرى تخفيض للرواتب، وهنا تكمن المشكلة بين الأطراف السياسية المكوّنة للحكومة، من أين سيبدأ التخفيض، وكيف ومتى؟
إجراءات إنقاذية
تقدّم عدد من خبراء المال والاقتصاد بإجراءات يرونها خارطة طريق لإنقاذ الوضع المالي الذي مازال ممكناً، كما يقول الدكتور غازي وزني، والذي يشير إلى أن خفض العجز من 11.5 إلى 9 بالمئة من الناتج المحلي، مؤشر إيجابي، بأنه يمكن تفادي الإنهيار، وتعزيز ثقة المجتمع الدولي بلبنان.
ويعرض وزني لـ«صدى الوطن» الإجراءات التي يمكن اعتمادها لخفض النفقات العامة والتي تبدأ بالرواتب والأجور وملحقاتها والتي ارتفعت من 30 بالمئة من الإنفاق العام إلى 40 بالمئة في العام 2018، بما يوازي 1,500 مليار ليرة سنوياً، ويمكن للحكومة أن تبدأ بتجميد التوظيف والرواتب لمدة ثلاث سنوات، ما يخفض حصة الرواتب والأجور إلى أقل من 34 بالمئة، وإعادة النظر في نظام التقاعد ونهاية الخدمة الذي ارتفعت تكاليفه من 1,400 مليار ليرة عام 2010 إلى 3,200 مليار ليرة عام 2018.
ويقترح وزني أن تشمل الإجراءات، إعادة النظر في التوظيفات العشوائية والسياسية لأكثر من عشرة آلاف شخص، وكذلك البحث في مخصصات النواب والرؤساء الحاليين والسابقين وتعويضاتهم، وخفض التعويضات من أعمال إضافية ومكافآت وعلاوات والتي تكلّف الخزينة 149 مليار ليرة سنوياً.
ويتناول وزني موضوع خدمة الدين العام وتخفيضه ويقترح اكتتاب المصارف بسندات الخزينة بالليرة بقيمة عشرة آلاف مليار لمدة سنتين وبفائدة صفر، فيكون الوفر السنوي 584 مليار ليرة، كما اكتتاب مصرف لبنان بسندات خزينة بالليرة في محفظته بقيمة 9,000 مليار ليرة، باكتتابات جديدة بفائدة 1 بالمئة، ويحصل على وفر سنوي بقيمة 540 مليار ليرة.
زيادة الإيرادات
وبعد أن يعرض الدكتور وزني للإجراءات باعتماد سياسة تقشّف في الإنفاق على المواد والخدمات الاستهلاكية والتحويلات والمنافع الاجتماعية، والمساهمات في الجمعيات الخيرية، فإنه يقترح أيضاًَ زيادة الإيرادات من خلال ما يلي:
– رفع الضريبة على فوائد الودائع من 7 بالمئة إلى 10 بالمئة على المودعين في المصارف على أن تستثنى من الزيادة (3 بالمئة عائدات وفوائد) على توظيفات المصارف المالية 450 مليار ليرة.
– إدراج الضريبة الموحدة على المداخيل 500 مليار ليرة.
– التحقق من إيرادات قطاع الاتصالات التي تراجعت بشكل غير مفهوم في العام 2018 بنحو 300 مليار ليرة.
عشر خطوات مطلوبة
وقدّمت «الدولية للمعلومات» اقتراحات لضبط الوضع المالي، وتخفيض العجز، وسمى الباحث فيها محمد شمس الدين، الاقتراحات بالخطوات الضرورية معلناً لـ«صدى الوطن» أنها ستزيد الإيرادات بنحو 6 مليار دولار على الشكل الآتي:
1– تخفيض المصارف للفائدة بنقطتين طوعاً قبل أخذ إجراء إجباري من مصرف لبنان يوفّر 2 مليار دولار.
2– تسديد بدلات إشغال الأملاك العامة وتسويتها (الدخل 2 مليار دولار لمرة واحدة + 400 مليون دولار بدل سنوي).
3– تشغيل الدولة لمرافقها الخليوي والميكانيك والبريد توفر 200 مليون دولار سنوياً.
4– استيراد الدولة المباشر للمشتقات النفطية يوفر 400 مليون دولار سنوياً.
5– وقف المنح لموظفي الدولة والمدارس الخاصة المجانية يوفر 150 مليون دولار سنوياً.
6– وضع اليد على مولدات الكهرباء مع حفظ الحقوق ورفع تعرفة الكهرباء يوفر 2 مليار دولار سنوياً.
7– تجميد دفع مخصصات النواب والرؤساء السابقين (الوفر 20 مليون دولار سنوياً).
8– تأمين النقل العام وضريبة مدروسة على المحروقات يؤمن 800 مليون دولار والوفر بمئات الملايين بتخفيف التلوث وزحمة السير.
9– النظر بامتيازات العسكريين يوفر 200 مليون دولار سنوياً.
10– ترشيد الفاتورة الصحية يوفر 400 مليون دولار.
ماذا ستفعل الحكومة؟
هذه الإجراءات التي يقترحها خبراء ماليون واقتصاديون، ستأخذ بها الحكومة، وهو ما ورد باقتراحات وزني و«الدولية للمعلومات»، إذ أعلن عنها وزير المال في أكثر من تصريح وموقف، وتحدّث عن الرواتب العالية، وضرورة تخفيضها، كما في موضوع الإضافات على الرواتب، والتصدي للتهرّب الضريبي.
لكن رئيس الحكومة سعد الحريري، تحدّث عن خطته وإجراءاته، التي ستصيب ذوي الدخل المحدود والمتوسط، بزيادة القيمة المضافة من 11 بالمئة إلى 15 بالمئة، ورفع سعر صفيحة البنزين خمسة آلاف ليرة، وتخفيض الرواتب في القطاع العام 15 بالمئة لمدة ثلاث سنوات، وإعادة النظر في نظام التقاعد إلا أنه نفى ان يكون هذا توجهه.
لكن ثمّة رفض لتحميل الفقراء أعباء ضريبية وزيادة تكاليف المعيشة، وهو ما أعلنه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله. فهل سيحصل التوافق السياسي على خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات، كي لا يسقط الهيكل على رؤوس الجميع؟
Leave a Reply