وليد مرمر
كان الشيخ محمد عبد الغني عطية، الحائز على الماجستير في الفقه الإسلامي معروفاً باعتداله ووسطيته ودعوته لنبذ المذهبية والتطرف لذا فقد كان عضواً فعالاً في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية. غير أن ذلك كله لم يشفع له تحت وصاية نظام إرهابي مستبد بإدارة «الطاغية بن سلمان».
هكذا كان الشيخ رحمه الله ممن شملتهم أحكام الإعدام التي نفذت في الثلاثاء الماضي بحق 37 معتقلَ رأي، منهم 34 من الطائفة الشيعية.
هي ليست المرة الأولى التي يقدم فيها نظام الإرهاب السعودي على قتل عالم دين ظلماً وعدواناً، فلقد كان الشيخ الشهيد نمر باقر النمر باكورة هذه الكوكبة الجليلة من الشهداء. وهي ليست المرة الأولى التي يتم التنكيل بجثث معارضي الرأي، فقد صُلب أحد الشهداء –ويدعى خالد التويجري– في ساحة عامة منذ أيام، فيما قطعت جثة الصحافي جمال خاشقجي قبل بضعة أشهر.
سارع العديد من المسؤولين حول العالم إلى شجب الإعدامات الجماعية الأخيرة. وقد يكون تصريح ألان دانكان، وزير الخارجية البريطاني، الأشد إدانة لانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، حيث قال رداً على سؤال من زعيم الديمقراطيين الليبراليين السير فينس كابل عندما سأله عن مواقف المسؤولين البريطانيين بشأن عمليات الإعدام: «إننا هنا ندافع عن حقوق الإنسان وننبذ عمليات الإعدام من هذا النوع، إننا نرفض فعلياً بأقوى العبارات الممكنة ما حدث، لا سيما عندما تم الإبلاغ عن صلب أحد المعتقلين، وهو شيء سيجده أي شخص هنا مقرفاً خصوصاً بعد أيام قليلة من عيد الفصح»!
إنها حرب إرهاب وتصفية يقودها بن سلمان على بوادر أي حراك سلمي يتطلع إلى إرجاع بعض الحقوق المهدورة للشعب السعودي، وتحديداً أبناء الشرقية التي تعوم على آبار النفط والتي كانت تعرف تاريخياً مع ما جاورها باسم «البحرين»، إلى أن تطوع الإنكليز في بداية القرن الفائت وضموها إلى عصابات عبد العزيز النجدية إلى جانب الحجاز وباقي مناطق ما يعرف حالياً باسم المملكة السعودية. فبذلك تمت سيطرة الغرب –عبر آل سعود– على مقدرات النفط لما يزيد على مائة سنة.
لكن إجرام «الحجاج بن سلمان» داخل السعودية لم يقتصر على تلك الكوكبة النيرة من الشهداء أو من سبقهم. فها هي سجون المملكة تعجّ بمئات الدعاة والأكاديميين والكتاب والمفكرين، وبكل من ينبري لانتقاد أية ممارسة في أية مؤسسة من مؤسسات «الدولة».
كذلك لم توفر الاعتقالات التعسفية إبان حكم الطاغية، النساء. فقد وثّقت جهات أجنبية عديدة منها وكالة «سي آي أي» وصحيفة «واشنطن بوست» و«منظمة العفو الدولية» تعرض معتقلات الرأي لاعتداءات جنسية، فضلاً عن الضرب والصعق بالصدمات الكهربائية والإيهام بالغرق.
يقضي المعتقلون منذ سنوات طويلة في أقبية السجون من دون محاكمة وبظروف مزرية فلا يسمح لذويهم أو للمحامين أو لمندوبي المنظمات الدولية بزيارتهم والالتقاء بهم.
من هؤلاء المعتقلين شيوخ كبار أمثال سليمان العودة وعوض القرني وعلي العمري ومحمد الشريف وعبد العزيز الطريفي وحسن فرحان المالكي (وابنه بسبب تغريدة) وسفر الحوالي وغيرهم من مشايخ الصحوة والاعتدال و«الإخونجية» وأصحاب «الفكر الضال» الذين يتعرضون للإهانات والتعذيب الممنهج في ظل هذه الطغمة الحاكمة.
الداعية سليمان الدويش مثلاً، توفي تحت التعذيب بعد سنتين من اعتقاله تنفيذا لأوامر الديكتاتور، ومثله كان مصير اللواء علي القحطاني مدير مكتب تركي بن عبد الله آل سعود، أمير الرياض السابق، الذي قُتل أثناء اعتقالات فندق «الريتز» بالرياض، ولم يتم الإعلان عن وفاته حتى كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
منذ وصول الأمير المستبد للسلطة في حزيران (يونيو) 2017، سارع إلى التخلص من منافسَيه الرئيسيين، كابن عمه محمد بن نايف ولي العهد السابق ووزير الداخلية المسؤول عن الأجهزة الأمنية، ومتعب بن عبد الله الرئيس السابق للحرس الوطني ووُضعا قيد الإقامة الجبرية، ثم قام بعد ذلك بالقضاء على بوادر الصحوة الإسلامية باعتقال علماء الإسلام السياسي أو الوسطي وزجهم في غياهب السجون، ولم تكن خطوة تعيين شقيقه الأصغر خالد بن سلمان كنائب لوزير الدفاع إلا في هذا الإطار.
أما «الانفتاح» المزعوم الذي يدعو إليه ابن سلمان، فليس إلا ذرّاً للرماد في العيون للتعمية على الحقيقة الجلية وهي أن لا إصلاح في السعودية ولا من يحزنون. فدور السينما وحفلات الغناء ومدن الملاهي لا تؤسس للديمقراطية، بل إنما يؤسس للتغيير حريةُ الصحافة والتجمّع وتشريع الأحزاب وتعدد الآراء والتسامح وتداول السلطة. وغني عن القول بأن هذه الإنجازات لم ولن ترى النور في عصر الفتى الأرعن «أم بي أس».
Leave a Reply