مريم شهاب
في أغلب الأفلام والمسلسلات والقصص الشعبية، توصف زوجة الأب بالقسوة على أولاد زوجها وتناصبهم العداء وتحرض عليهم.
لكن الحقيقة غير ذلك. فهناك زوجات أب يناقضن تلك الصورة تماماً، لذلك سوف أحدثكم عن «أم حسين».
شاء النصيب أن تتزوج الفتاة الجميلة، بنت البيت الأصيل من رجل أرمل له عدة أولاد. تحدت إرادة العائلة وأخوتها لتحمل الأمانة التي أبت الكثيرات حملها وهي العناية بأولاد زوج فقدوا حضن أمهم الشابة مبكراً.
شاء القدر أيضاً أن يستشهد الزوج في حمّى حروب إسرائيل واحتلالها لجنوب لبنان وما أفرزه من زعران وميليشيات أذلوا ناسهم وأهلهم… وكانت الزوجة واحدة من ضحايا هؤلاء حين سرقوا صندوق مجوهراتها، فلم تأسف كثيراً، ولم تولول… قالت لزوجها: يكفيني أنك بخير والأولاد بخير.
بعد أقل من خمس سنوات زواج، وجدت «أم حسين» نفسها أرملة وأم لولدين صغيرين إلى جانب أولاد زوجها الراحل.
ماذا تفعل؟ هل ترجع إلى بيت أهلها مع ولديها وتترك أولاد زوجها ليواجهوا مصيرهم لدى من يكفلهم من الأقارب؟
هي شابة وجميلة، كانوا يقولون لها. وأحياناً الأم والأب يعجزان عن تربية الأولاد… ماذا لو ولد أو بنت انحرفت في أيام التخبط الأمني والمعيشي؟ الجميع سوف يحملها وزر ذلك.
مرة أخرى قبلت التحدي رافضة حرمان أولاد زوجها من خيمة الأمان. كانت تؤمن بأن الحياة أم، وقد رضيت أن تكون أمّاً لهم فأحاطتهم بكل حنان واهتمام، ومنحتهم الطمأنينة بأنهم فعلاً أبناؤها. أحبتهم بصدق حتى لا يفقدوا حبهم للحياة. بقيت معهم وهم يتدرجون في الحياة ويتجاوزون الصعاب. كانت المرشدة والناصحة التي سلكت بأولاد زوجها وأولادها في دروب النور والهداية، فلم يضيعوا في متاهات الدنيا ومرارة فقدان الأم والأب.
هذه هي «أم حسين» التي عانت وتعبت وتحمّلت من كلام الناس ما لا يشجع على الخير والمحبة. كتمت في صدرها أوجاع فقدان زوج شاب وجميل ومثقف، قضى غدراً في معمعة انفلات الأمن في قريته الجنوبية.
الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجرَ من أحسن عملاً. «أم حسين» الآن تعيش وحولها قبيلة من الأبناء والبنات، والأحفاد والحفيدات، نجحوا جميعاً سواء في الجامعات أو في أعمالهم وهم من نخبة أبناء ديربورن المسارعين إلى فعل الخير والبر والتقوى.
لمثل «أم حسين» وغيرها، لكل الأمهات اللواتي لا يفرّقن بين أولادها وأولاد زوجها، للأم التي يلازمها حس الأمومة بخفض الجناح، وكتم الألم، وكبت الأنين في أعماق صدرها، وتضحّي بسعادتها وراحة بالها لإسعاد أبنائها وتوفير حياة كريمة وراضية لهم.
كل عام وأمهاتنا الحاضرات والغائبات في سلام وطمأنينة.
Leave a Reply