واشنطن – «صدى الوطن»
أظهرت دراسة أعدها «معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم» ISPU بالتعاون مع جامعة «جورجتاون» الأميركية، ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة «الإسلاموفوبيا» داخل الولايات المتحدة، وأن اليهود هم أقل الفئات الدينية عداء للمسلمين في البلاد.
ويتتبع المعهد الذي يتخذ من العاصمة واشنطن مقراً له، «مؤشر الإسلاموفوبيا في أميركا» منذ العام 2016، وهو مؤشر أُطلق عقب مطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة إبان حملته الانتخابية، ويرصد المؤشر مدى تجاوب الشارع الأميركي مع الخطاب المعادي للمسلمين.
واعتمدت دراسة ISPU على مسح آراء عينة كبيرة ممثلة للجماعات الدينية المختلفة في البلاد حول اتجاهاتها السياسية والاجتماعية والدينية، وقد شمل الاستطلاع مسلمين أميركيين ويهوداً وكاثوليك وبروتستانت وإنجيليين ولا دينيين، للتعرف على مواقفهم ووجهات نظرهم حول قضايا تتعلق بالسياسة والدين والعنف والأقليات والمجموعات الدينية الأخرى.
مؤشر الإسلاموفوبيا
ولقياس مدى انتشار «الإسلاموفوبيا» داخل المجتمع الأميركي تضمنت الدراسة استطلاع آراء الأميركيين حول خمس عبارات تتمحور حول الصور النمطية والتعابير المرتبطة برهاب الإسلام.
وقالت مديرة الأبحاث في المعهد، داليا مجاهد: «هذه العبارات الخمس هي مقياس لمدى تأييد الجمهور للتصورات النمطية المعادية للمسلمين، والمرتبطة بدعم الناس للتمييز ضد المسلمين». إذ أنه عندما يتبنى شخص ما تلك التصورات، فهو على الأرجح يؤيد مراقبة المساجد والتنميط العرقي وتكثيف تفتيش المسلمين في المطارات، وكذلك «حظر السفر» على المسلمين، وصولاً إلى تأييد سحب حقوق التصويت من المسلمين في الولايات المتحدة، بحسب مجاهد.
وطلب الاستبيان من المستطلعين توضيح مدى موافقتهم أو معارضتهم للتصورات التالية:
– معظم المسلمين في الولايات المتحدة منفتحون على العنف أكثر من غيرهم.
– معظم المسلمين في الولايات المتحدة يمارسون التمييز ضد النساء.
– معظم المسلمين في الولايات المتحدة عدائيون تجاه أميركا.
– معظم المسلمين في الولايات المتحدة أقل تحضراً من غيرهم.
– معظم المسلمين في الولايات المتحدة مسؤولون جزئياً عن أعمال العنف التي يرتكبها مسلمون آخرون.
ووُظفت أجوبة المستطلعين لإنشاء مقياس واحد يسهل فهم النتائج ومقارنتها وتعقبها بمرور الوقت. وأوضحت الدراسة أن هذه العبارات الخمس لا تغطي ظاهرة الإسلاموفوبيا من كافة جوانبها، والتي من الممكن أن تشمل العديد من الاعتقادات والتصورات الخاطئة حول المسلمين.
ووجد الاستبيان أن «مؤشر الإسلاموفوبيا في أميركا» قد ارتفع من 24 نقطة في عام 2018 إلى 28 في العام الحالي. ومن بين الجماعات الدينية المختلفة التي رصدها الاستبيان، كان اليهود الأقل عداءً للمسلمين عند 18 نقطة وفق مقاييس المؤشر، وذلك بعد المسلمين أنفسهم عند 14 نقطة.
ووفقاً للتقرير، يحمل المسلمون بدورهم نفس وجهات النظر الإيجابية تجاه اليهود. وكان اليهود أيضاً هم من أكثر الفئات التي ذكر أفرادها بأنهم يعرفون مسلمين.
ويتصدّر «الإنجيليون البيض» القائمة في مؤشر الإسلاموفوبيا بالمقارنة مع باقي الفئات الدينية وغير الدينية في المجتمع الأميركي. في المقابل، تعتبر وجهات نظر المسلمين تجاه الإنجيليين أفضل من وجهات نظر الإنجيليين تجاه المسلمين.
ويعتبر الإنجيليون البيض الأكثر عداءً للمسلمين وفق المؤشر، بمعدل 35، فيما سجل الكاثوليك 27 والبروتستانت 29 واللادينيون 22 بالمئة.
وأفاد الاستبيان أن 53 بالمئة من اليهود لديهم آراء إيجابية حول المسلمين، مقابل 51 بالمئة من الأميركيين من أصول لاتينية (51 بالمئة مقابل 10)، أما الإنجيليون البيض فـ33 بالمئة منهم لديهم آراء إيجابية حول المسلمين.
ووجد التقرير أن الأميركيين السود الذين لديهم آراء إيجابية حول المسلمين هم أكثر بسبعة أضعاف من أصحاب الآراء السلبية (35 بالمئة مقابل 5)، فيما غالبيتهم ليس لديهم رأي محدد.
لكن كان لافتاً أن مؤشر الإسلاموفوبيا كان الأعلى بين الأميركيين السود مقارنة بعموم البيض واللاتينيين.
نتائج لافتة
في أبرز نتائج التقرير السنوي الرابع للمعهد، ذكر 40 بالمئة من المسلمين المشاركين في المسح أنهم تعرّضوا إلى نوع من أنواع التمييز من طائفة إسلامية أخرى، أو من أصحاب ديانة أخرى. ويتصدّر المسلمون الأميركيون من أصول أفريقية قائمة المتعرضين للتمييز الطائفي، يتبعهم المسلمون من أصول عربية.
أظهر الاستبيان أن المسلمين هم الأكثر التزاماً بأداء واجباتهم الدينية في حياتهم الخاصة، ولكنهم يعرضون عن ذلك في الأماكن العامة تفادياً لردود الأفعال التمييزية ضدهم.
كذلك، احتل المسلمون في أميركا صدارة الفئات الاجتماعية بالتبليغ عن حوادث التمييز على أساس ديني أو حسب الطائفة أو الجنس. وتتفوق النساء المسلمات في نسب التبليغ على الرجال المسلمين.
ويشترك المسلمون مع باقي الفئات الدينية الأخرى في تعرضهم لحوادث التحرش الجنسي من قبل رجال الدين.
ويتصدر المسلمون أيضاً قائمة أكثر الفئات التي تقوم بالتبليغ عن هذه الحوادث للجهات الأمنية بالمقارنة مع الفئات الأخرى.
ووجد الباحثون أن هناك علاقة واضحة بين حضور المسلمين للمساجد في أميركا وبين وعيهم السياسي ومشاركتهم في الانتخابات. واستنتج الباحثون أن المساجد في أميركا تشجع على الممارسة الديمقراطية، وليست بؤرا لاحتضان الأفكار المتطرفة كما هو مشاع.
وخلص التقرير أيضاً إلى أن المسلمين في أميركا من أكثر الفئات الدينية دعماً لفكرة «المساواة بين الجنسين». يتقدمون في ذلك على الإنجيليين البيض، والبروتستانت، والكاثوليك. ولا يتفوق عليهم في ذلك سوى اليهود. وتتقدم النساء المسلمات على الرجال في دعم فكرة «المساواة بين الجنسين».
أما مقترح منع دخول المسلمين إلى أميركا، فقد تبين -بحسب التقرير- أنه لا يساعد المرشحين في الانتخابات المحلية كثيراً، إذ إن الفئة الوحيدة التي تؤيده وتصوت على أساسه هي فئة الإنجيليين المحافظين.
سياسياً، انخفض معدل رضا المسلمين الأميركيين عن أداء الرئيس دونالد ترامب بشكل حاد عما كان عليه في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. ويعتبر المسلمون في أميركا أقل الفئات قبولاً لترامب، فيما يتصدّر الإنجيليون المحافظون قائمة المؤيدين لسياساته، وفقاً للمعهد.
المشاركة المدنية
وكشفت مجاهد التي شاركت في إعداد الدراسة، أنه منذ 2016 تم رصد النسبة المئوية للمسلمين المسجلين للتصويت، مشيرة إلى أن أعدادهم بازدياد مستمر. وقالت: «المسار العام في طريقه نحو الصعود، وتتبعه يساعد المجموعات على معرفة ما إذا كانت استراتيجيات المشاركة المدنية للمسلمين مفيدة أم لا».
وعلى الرغم من ازدياد نسبة الناخبين المسلمين المسجلين، إلا أن مشاركتهم الانتخابية ماتزال أقل بكثير بالمقارنة بالمجموعات الأخرى، خاصة في أوساط الشباب. وفيما تشير الأرقام إلى 83 بالمئة من المسلمين يعربون عن نواياهم بالمشاركة الانتخابية، فإن 59 بالمئة منهم فقط يظهرون في أقلام الاقتراع.
ووجد الاستبيان أن 16 بالمئة فقط من المسلمين يوافقون على أداء ترامب، وهي النسبة الأدنى بين جميع المجموعات التي شملها الاستطلاع. وبرغم هذه النسبة المنخفضة، فقد أعرب 33 بالمئة من المسلمين عن تفاؤلهم بشأن المسار المستقبلي للبلاد.
ويفضل المسلمون الأميركيون التصويت للحزب الديمقراطي على الجمهوري. ويشتركون في ميلهم للديمقراطيين مع اليهود والأقليات الأخرى من السود واللاتينيين، كما حصل في الانتخابات النصفية الأخيرة.
وفي هذا السياق، أشارت مجاهد إلى أنه «لايزال من السابق لأوانه الاستفادة من هذه الدراسة للتنبؤ بالانتخابات الرئاسية المقبلة»، مؤكدة على ضرورة أن تعمل المؤسسات المهتمة بتمكين المسلمين من أجل زيادة كثافة مشاركتهم الانتخابية.
ويتركز المسلمون في ولايات متأرجحة مثل فلوريدا، أوهايو وميشيغن، حيث يمكنهم أن يلعبوا دوراً حاسماً في الانتخابات، وفقاً لمجاهد التي أضافت: «إن زيادة مشاركتهم الانتخابية تتطلب الكثير من الاستثمار في الوقت الحالي».
توصيات
وأوصت الدراسة بعدد من الاستراتيجيات لزيادة المشاركة المدنية للمسلمين ولمكافحة الإسلاموفوبيا. وأشارت إلى أن زيادة المشاركة المدنية المحلية هي الدافع الأكبر لزيادة المشاركة السياسية على مستوى الولايات وعلى المستوى الفدرالي، وأن الاستفادة من الهياكل التنظيمية الموجودة حالياً –مثل دور العبادة- يمكن أن تساعد في جهود التعبيئة إلى حد كبير.
ولحظ التقرير أن عدداً من العوامل تساهم في إضعاف «الإسلاموفوبيا»، مثل تبني أفكار الحزب الديمقراطي، ومعرفة الدين الإسلامي، والتحالف مع الأقليات الأخرى، وارتفاع مستوى الدخل. في المقابل، لم تحمل العوامل التالية أي تأثير على مؤشر الإسلاموفوبيا: الجنس والعمر، مستوى التعليم، مستوى التدين، محل الميلاد (داخل أو خارج الولايات المتحدة).
واقترحت الدراسة أن عقد تحالفات أخرى مع مجموعات متعددة، مثل مجتمع الأفارقة الأميركيين واللاتينيين واليهود والمثليين، يمكن أن يشكل استراتيجية مفيدة لمكافحة التمييز والعنصرية، إلى جانب حث الشباب المسلم ومحدودي الدخل منهم على المشاركة السياسية.
ونظراً لكون امتلاك معرفة حول الإسلام ووجود أصدقاء مسلمين، يمكن أن يكون مؤشراً جيداً لتكوين آراء إيجابية حول المسلمين، فقد أوصت الدراسة –بشدة- بالعمل «لإزالة الغموض عن الإسلام» وخلق فرص للتفاعل الإنساني المباشر بين المسلمين وبين أشخاص من خلفيات دينية وثقافية متنوعة. للاطلاع على التقرير كاملاً، يمكن زيارة الموقع الإلكتروني: www.ispu.org
Leave a Reply