وليد مرمر
ورد في الأحاديث أن النبي (ص) كان إذا دخل الأيام العشرة الأواخر من شهر رمضان تفرغ من أمور الدنيا و«شد مئزره وأحيا الليل وأيقظ أهله».
و«شد المئزر»، لغةً، يعني التهيؤ للأمر والاستعداد له والجد في العمل.
وبما أن التأسي بسيد الخلق مندوب، لقول الله تعإلى «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة»، فقد عمد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وحاشيته إلى التأسي بالرسول وشد المئزر، ولكن ليس للعبادة أو لإصلاح أمور المسلمين، بل للحث على الفرقة والخلاف وزرع بذور القلاقل والحروب، وذلك عبر دق ناقوس الخطر ودعوة «الخليجيين والعرب والمسلمين» إلى ثلاث قمم تعقد في مكة المكرمة في غضون ثلاثة أيام.
لم تنجح تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، من بغداد قبل أيام، في كبح جماح الرعونة السعودية وشهيتها المفتوحة لعقد القمم. فبحسب المسؤول الأول في السياسة الخارجية الإيرانية، «لا محدودية لدى طهران لحلحلة كل المشاكل مع بلدان المنطقة، وإيران لا ترغب في أي تصعيد عسكري، وهي على استعداد لتلقي أية مبادرة تساعد على خفض التصعيد وتكوين علاقات بناءة مع جميع دول الجوار». ولكن الظاهر أن ابن سلمان لم «يستظرف» تلكم التطمينات «الظريفية» التي وصلت إلى حد الدعوة إلى «إبرام اتفاقية عدم اعتداء مع الدول الخليجية المجاورة». وبالتالي، لم تلق تلك التصريحات من آل سعود إلا أذاناً قد أصمها قرع طبول الحرب وهتافات الفتنة، فسارعوا للدعوة إلى القمم «العادية» و«الطارئة».
ويبدو أن ابن سلمان قد سئم من محاولة جر ترامب لحرب مع إيران فعمد إلى البديل، وهو حشد أكبر تأييد خليجي–عربي–إسلامي عسى أن ينجح في إنشاء «ناتو» ضد إيران و«أذرعها» في المنطقة. فوفقاً لـ«نيويورك تايمز»، أبلغ ترامب وزيرَ الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان ومسؤولين آخرين في البنتاغون بأنه لا يريد الدخول في حرب مع إيران كما لا يريد تغييراً في النظام، بينما بدأ كبار دبلوماسييه البحث عن طرق لنزع فتيل التوترات.
ولا يخف ترامب، بحسب الصحيفة النيويوركية، امتعاضه من أداء مستشار الأمن القومي جون بولتون والذي «لو أطعته لكنا قد خضنا أربعة حروب حتى الآن».
في مكان آخر، شكل الإنجاز العسكري الكبير لـ«أنصار الله» (حلفاء إيران) بضرب المنشآت النفطية في الرياض قبل أسابيع نقطةً فاصلة في الحرب اليمنية أقضت بها مضاجع أمراء البترودولار فهبوا إلى الدعوة إلى عقد القمم لمواجهة خطر «المجوس» وأذرعهم، حسب أدبيات آل سعود ومن دار في فلكهم.
ولكي تكون الحجة أبلغ، ولأن مشاهدة العيان ليست مثل السمع، فقد نظمت وزارتا الدفاع والخارجية في السعودية معرضاً في مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة التي وصلتها وفود الدول المشاركة في القمم الثلاث، وضم عددا محدوداً من صواريخ وطائرات وقوارب مسيّرة كان الحوثيون قد استهدفوا بها المملكة، وفق بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية.
وذكر البيان أن من بين المعروضات صاروخاً باليستياً إيرانياً من طراز «قيام» أُطلق على الرياض عام 2018، وصاروخاً مماثلاً أطلق على مكة المكرمة عام 2016، وكذلك طائرتين مسيرتين إيرانيتي الصنع إحداهما من طراز «أبابيل» والأخرى من طراز «راصد»، وفق البيان.
ولكن من لليمن ولليمنيين؟ ومن يدعو إلى عقد القمم لنصرة هذا الشعب الأبي المظلوم؟ أليس من ناصر ينصره؟ وهل صُمّت الآذان وعميت العيون وكمت الأفواه عن مجازر آل سعود التي يندى لها الجبين وتقشعر لها الجلود وتنفطر لها القلوب في هذا البلد المستضعف الذي يعاني بصمت، ويجوع بصمت، ويموت بصمت؟
تباً لهؤلاء الحوثيين! كيف يجرؤون على الدفاع عن أنفسهم ضد وحشية وهمجية آل سعود!؟ فحري بهم أن يجوعوا ويُقهروا ويُشتتوا ويموتوا صامتين! ثم أن تصل «وقاحة» الحوثيين إلى الرد بالمثل، ولو بشكل محدود، وقصف «منشآت نفطية» فهذا مما لا يجب أن يمر مرور الكرام وستعقد من أجله عشرات القمم إن استوجب الأمر ذلك!
فقط لـ«مملكة الخير» الحق بشن أشرس وأقذر الحروب في الألفية الثالثة على بلد معدم فقير، مستهدفةً بشكل ممنهج، المستشفيات ودور العبادة والأعراس وحافلات المدارس والبيوت الآمنة، وتدمر البنى التحتية والمنشآت والآثار، وتضرب حصاراً على الموانئ فتقتل جوعاً ومرضاً وفتكاً بالقنابل العنقودية والكيمائية والجرثومية والبيولوجية المحرمة!
سوف يسارع أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي والسعادة إلى التقاط الصور التذكارية مع الطائرات الحوثية المسيرة في معرض المطار «الهولوكوستي». ثم سيعتمر الوافدون لدى دخول مكة فإن «العمرة في رمضان تعدل حجة».
وفي الختام، ستأتي مقررات القمم منددة بدولة الفرس وأذرعها، وتدعو إلى شد الطوق على إيران وعزلها. ولكن ما لن يستطيع ابن سلمان فعله ولو حشد يأجوج ومأجوج لنصرته هو تغيير حركة التاريخ. فلقد تحرر الشعبان الإيراني واليمني من ربق الاستبداد وهما لن يعودا إليه ولو بلغت «القمم» القمر!
Leave a Reply