كمال ذبيان – «صدى الوطن»
نشأ الكيان الصهيوني تحت شعار يزعم بأن فلسطين «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض»، فكان اغتصابها في العام 1948، وطُرد أهلها منها، عبر مجازر ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، الذي لجأ إلى دول الجوار في لبنان وسوريا والأردن وبقي قسم منهم، تحت اسم «عرب إسرائيل»، لإنكار وجود شعب فلسطيني، فحصلت عملية تهويد للمدن والقرى الفلسطينية، ومحاولة دمج الفلسطينيين الذين بقيوا في «أراضي الـ48»، عبر منحهم الجنسية الإسرائيلية، ومشاركتهم في الحياة السياسية، وتعيينهم وزراء، ودخولهم إلى الكينيست كمشرعين، إلى جانب تطويعهم في الجيش، وفرض الخدمة الإلزامية على الدروز منهم.
التهويد
هذا التهويد المنظّم، كان الهدف منه شطب كل ما يمتّ إلى فلسطين بصلة، كي لا تسقط مقولة «أرض بلا شعب»، وأن عودة اليهود إليها، إنما تنفيذاً لوعد إلهي، بـ«أرض الميعاد»، التي «أعطاها الله لشعبه المختار»، وحدّدها «من الفرات إلى النيل» باسم «إسرائيل الكبرى»، التي عليها أن تستوعب يهود الشتات فيعودوا إليها مستوطنين، بعد سبيهم الكبير من مملكة بابل.
تمكّن اليهود القادمون من كل أصقاع الدنيا، أن يبنوا دولتهم، التي اعترفت بها الدول عام 1948، مع صدور قرار التقسيم رقم 184 عن الأمم المتحدة، والذي ضم ما تبقى من فلسطين في القدس والضفة الغربية إلى الأردن، وضم غزة إلى مصر. لكن الدولة العبرية استردّتها في حرب حزيران 1967، كجزء من «أراضي إسرائيل»، فالضفة الغربية، هي يهوذا والسامرة في التوراة، ولم يقبل المتطرفون اليهود الانسحاب منها، بموجب اتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير عام 1991، باعتبارها أرضاً إسرائيلية، لا يمكن التنازل عنها دينياً، فقُتل إسحق رابين رئيس الوزراء الذي وقّع على اتفاق أوسلو، بسلاح مستوطن يهودي متطرّف.
حق العودة
أقرت الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين حق العودة إلى أرضهم بموجب القرار رقم 194 الصادر في عام 1949، والذي لم يُنفّذ حتى الآن رغم مرور سبعين عاماً على صدوره. فإسرائيل تمنع عودتهم، كما لم تساعدهم الأنظمة العربية على تحقيق ذلك، فيما تواطأت الأمم المتحدة عليهم، بعد التزامها بتنفيذ قراراتها تحت الضغوط الإسرائيلية والأميركية المتواصلة.
اليوم يقبع الفلسطينيون في مخيمات تحت رعاية وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، دون أن ينعموا بأبسط حقوق الإنسان في شتاتهم، وإذا سوريا أعطتهم حقوقهم المدنية والاجتماعية، باستثناء المشاركة في الحياة السياسية كالانتخابات مثلاً، فإن لبنان لم يقم بدوره الإنساني والخدماتي نحوهم، إذ يبقى اللاجئون مقيمين في مخيمات تضيق على سكانها، لا تدخلها سيارات، ولا بنى تحتية فيها.
وقد حاولت لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني التي تأسست عام 2005، أن تقوم بالمهام الموكلة إليها في معالجة المسائل الحياتية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والأمنية للفلسطينيين داخل المخيمات وخارجها، فتوصّلت إلى رؤية موحدة، حول حقوق الفلسطينيين، دون السماح لهم بالتملّك في لبنان، كي لا يبقوا فيه، فيسقط حق العودة.
وسائل التوطين
مشاريع التوطين الفلسطيني في لبنان، مطروحة منذ الخمسينيات، وكان يتمّ تنفيذها من خلال وسائل وأساليب مختلفة، ومن أهمها التجنيس، وقد مارسه الرئيس كميل شمعون في عهده بمنح الجنسية اللبنانية لعدد كبير من الفلسطينيين المسيحيين الذين تمّ فرزهم ديمغرافياً، وإسكانهم في مخيمات خاصة بهم، توزّعوا على مار الياس في بيروت، وجسر الباشا والضبية في ساحل المتن الشمالي، وقد استخدموا هؤلاء كأصوات في الانتخابات النيابية، كما في الحسابات الديمغرافية اللبنانية، وفي لعبة الأرقام الطائفية.
الديمغرافيا اللبنانية
والتجنيس متّصل بالديمغرافيا اللبنانية، وهو ما يشكّل قلقاً عند طوائف عدة، إذ تصدّت قوى مسيحية، للتوطين عام 1975 تحت شعار التغيير الديمغرافي، وهو هاجس مازال مطروحاً، إذ يخشى هؤلاء من زيادة عدد السُنّة في لبنان، بتوطين الفلسطينيين، وهو ما كان يتّهم به الرئيس رفيق الحريري الذي اشترى «أرض القريعة» قرب صيدا في إقليم الخروب، وتزامن ذلك في فترة عقد التسويات السلمية، فاتّهم حينها بأنه يريد إسكان الفلسطينيين فيها تمهيداً لتوطينهم، لكنه تصدّى لتلك الاتهامات عبر دعم اتفاق الطائف الذي نصّ على رفض التوطين.
إجماع لبناني
ينصّ الدستور في مقدمته على رفض التوطين والتقسيم، وأن اللبنانيين باتوا واعين لخطورة المشاريع السلمية التي تطرح لتسوية الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، عبر إسقاط حق العودة، حيث تسبّب مشروع وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، لإنهاء الصراع عام 1974، بإشعال حرب أهلية لبنانية، في الوقت الذي كان المشروع المطروح هو جعل الأردن «وطناً بديلاً» للفلسطينيين، في حين كانت الطروحات الإسرائيلية ومن ضمنها «مشروع آلون»، تتطلع إلى توطين الفلسطينيين في لبنان أيضاً. وبدلاً من أن يتوحد اللبنانيون على رفض التوطين كمشروع أميركي–إسرائيلي، تقاتلوا عليه، وطالب المسيحيون بطرد الفلسطينيين وسحب سلاحهم، وإلا فالتقسيم، فخاض اللبنانيون الحرب بين بعضهم، كما مع الفلسطينين، في الوقت الذي كانت تمرر مشاريع ترتيب زيارة الرئيس المصري أنور السادات التطبيعية إلى إسرائيل فاعترف بدولة الاحتلال ووقّع معها اتفاقية «كامب دايفيد»، فاتحاً باب الاستسلام أمام الأنظمة العربية الأخرى… ومنظمة التحرير الفلسطينية نفسها.
صفقة القرن
لا تختلف «صفقة القرن» التي تعدّها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كمشروع لحل الصراع في المنطقة عما سبقها من مبادرات أميركية للسلام، بتجاهل حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
والإدارة الأميركية باشرت بتطبيق خطتها على أساس الأمر الواقع، أولاً بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية، وضم الجولان السوري المحتل للسيادة الإسرائيلية، وربما تتبعها الضفة الغربية، إذ لا وجود عملياً لدولة فلسطينية، وهو ما بدأ يقلق الفلسطينيين حول هذه الصفقة التي رفضتها منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية الأخرى باعتبارها نسفاً لكل القرارات الدولية التي تضمن للفلسطينيين حقوقهم.
بل إن «صفقة القرن» تعمل على بقاء الفلسطينيين في بلدان لجوئهم، ومنها لبنان، أي توطينهم، وهو ما تخوّف منه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي دعا إلى عقد لقاء رسمي لبناني–فلسطيني موسّع للبحث في التصدّي للمشروع الذي يجري تنفيذه خطوة بخطوة، دون حصول مواجهة معه، وكي لا يقع اللبنانيون في المحظور، كانت دعوة نصرالله إلى حوار لبناني–فلسطيني، لتقديم موقف موحّد، حول التأكيد على حق العودة، لأنها تُسقط التوطين الذي هو مطلب إسرائيلي، إذ يخشى القادة الصهاينة، من العامل الديمغرافي في فلسطين المحتلة، التي يتكاثر فيها الفلسطينيون عددياً، حتى باتوا يوازون اليهود.
ضغوط على لبنان
ويخشى لبنان من أن يتعرّض لضغوط أميركية وإسرائيلية، إذا لم يقبل بالتوطين، إذا وُضعت «صفقة القرن» على سكة القطار الذي ركبت فيه أنظمة عربية ستشارك في القمة الاقتصادية المرتقبة في البحرين للتمهيد لإعلان الصفقة وتطبيقها، في حين ستتغيب بلدان عربية عن المشاركة بينها لبنان الرافض لفتح باب التطبيع العربي الرسمي مع العدو الإسرائيلي.
فالمسؤولون اللبنانيون قلقون جداً، من أن يدفع لبنان ثمن رفضه لـ«صفقة القرن»، بتأزيم الضغوط المالية والاقتصادية عليه في ظل تفاقم العجز وتراجع النمو وارتفاع المديونية العامة، إذ أن الإغراء يبقى قائماً: قبول لبنان بالتوطين يقابله مال وفير.
Leave a Reply