عماد مرمل – «صدى الوطن»
مع إحالة مشروع موازنة الدولة اللبنانية للعام 2019 من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب، تستعد السلطة التشريعية لفك وإعادة تركيب «بازل» الموازنة التي تكتسب هذه المرة أهمية إضافية كونها تأتي في لحظة مفصلية، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي باتت مواجهتها تتطلب استخدام مبضع الجرّاح واتخاذ تدابير صعبة في اتجاه التقشف وتخفيض الإنفاق.
ولعل التحدي الأصعب الذي يعترض السلطة في مسعاها إلى إصدار موازنة «شد الأحزمة» إنما يكمن في ضعف الثقة الشعبية بنزاهة تلك السلطة، بحيث أن أي إجراء يهدف إلى زيادة الرسوم والضرائب أو تقليص أو إلغاء بعض الحقوق والمكتسبات الوظيفية يلقى اعتراضات حادة من الفئات المعنية التي تفترض أن المعالجات يجب أن تتم من خلال وقف الهدر ومكافحة الفساد وليس عبر «التسلل» إلى جيوب المواطنين.
تحت المجهر
يؤكد رئيس لجنة المال النيابية النائب ابراهيم كنعان لـ«صدى الوطن» أن الموازنة ستوضع تحت المجهر وستخضع إلى نقاش دقيق وتفصيلي، عبر جلسات مكثفة ستعقد بمعدل جلستين تقريباً في اليوم الواحد.
ويوضح النائب كنعان أنه كرئيس للجنة، سيحرص على اعتماد أعلى معايير المهنية والشفافية في مقاربة الموازنة، والتشدد في معاينة بنودها للتأكد من عدم وجود أي تحايل على القانون، بحيث نرفع إلى الهيئة العامة لمجلس النواب مشروعاً مستوفياً للشروط والأصول اللازمة.
وينبّه كنعان إلى أن العجز الكبير الذي ترزح تحته خزينة الدولة لم يعد يسمح بتجاهل أي نزف مالي غير مبرر او بالتهاون في إجراء الإصلاحات البنيوية الضرورية، على المستويين الاقتصادي والمالي، لافتاً إلى أن «عمل لجنة المال والمجلس النيابي سيكون موضع متابعة من المجتمع الدولي الذي أصبح مهتماً بالخيارات التي سنتخذها لمواجهة المأزق المالي–الاقتصادي، من زاوية مساهمته في مشاريع مؤتمر «سيدر»، ما يتطلب منا إظهار أكبر قدر ممكن من الصدقية والجدية».
لجنة المال
ويشدد كنعان على أن لجنة المال ستضع بصمتها على الموازنة، ولكن ليس عبر الاكتفاء باستعمال «المقص» الذي أكثر مجلس الوزراء من استخدامه في معرض سعيه إلى تلقيص الإنفاق، لافتاً إلى أن التحدي الأهم والأكبر الذي سيواجه اللجنة لدى مناقشتها مشروع الموازنة، يكمن في تضمينه الإصلاحات التي سبق أن دعت إلى اعتمادها في مجالات حيوية عدة تتصل بالمالية العامة والإدارة الرسمية.
ومع أن كنعان هو قيادي بارز في «التيار الوطني الحر» ويشغل موقع أمين سر «تكتل لبنان القوي»، إلا أنه يؤكد على أنه سيدير الجلسات بحيادية، انطلاقاً من مركزه كرئيس للجنة نيابية تضم معظم القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب، مشيراً إلى أن وجود معظم الأفرقاء في الحكومة ولجنة المال معاً لن يحول دون حصول نقاش حقيقي حول مشروع الموازنة، خصوصاً أن لجنة المال لديها «هامش حركة» واسع، من شأنه أن يخفف آثار «التوأمة» بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وتحول الحكومة إلى مرآة للمجلس.
ويلفت كنعان إلى أن لجنة المال اتخذت قراراً بشطب 1,200 مليار ليرة من موازنة 2017 بعد لجوئها إلى التخفيض في المساعدات المخصصة للجمعيات، وكلفة التجهيزات والأثاث، والأبنية المؤجرة واحتياطي الموازنة، علماً أن اللجان اعتادت على إصدار توصيات لا قرارات، غير أن الهيئة العامة للمجلس النيابي ما لبثت أن أرجعت هذا المبلغ إلى مكانه.
مساران
ويعتبر النائب كنعان أن مشروع الموازنة الذي أنجزته الحكومة يمكن الانطلاق منه، ويشكل قاعدة أولية للبحث، لكنه لا يلبي كل متطلبات التصدي للمأزق الاقتصادي–المالي المتفاقم، بفعل النقص في الجرعات الإصلاحية التي ينبغي ضخها في عروق موازنة 2019، حتى تتناسب مع متطلبات مواجهة التحديات القائمة، وتكسب ثقة الداخل اللبناني والمجتمع الدولي.
ويوضح كنعان أن لجنة المال ستتحرك على مسارين: الأول، عصر الحساب الجاري المنتفخ إلى الحد الأقصى الممكن، من خلال إجراءات حازمة ومتكاملة تشمل كل مكامن الهدر المزمن والإنفاق العبثي من قبيل التدقيق في اعتمادات الوزارات والمؤسسات، والتشدد في وقف التوظيف العشوائي ومعالجة تداعياته. «أما المسار الثاني فيهدف إلى تضمين الموازنة الإصلاحات البنيوية العميقة لطريقة إدارة المال العام والتي تشمل قطع الحساب وقوانين البرامج، آليات الاستدانة وخدمة الدين، طريقة الصرف من الاحتياطي، الرقابة على صرف القروض والهبات وغيرها من الأمور الحيوية».
ويعتبر كنعان أن المؤشر الأبرز الذي من شأنه أن يعكس تحولا نحو الإصلاح واحترام الدستور، انما يتمثل في الالتزام بوضع الموازنة في موعدها الدستوري، وإجراء حسابات مالية مدققة في آخر السنة، «إذ عندها، يمكن القول أن المالية العامة باتت منتظمة وان الثقة في الدولة بدأت تعود».
Leave a Reply