واشنطن – «صدى الوطن»
لم تكد إيران تعلن عن إسقاط طائرة استطلاع أميركية في مياه الخليج الملتهبة، الخميس الماضي، حتى توالت التصريحات والتقارير عن رد أميركي وشيك، حتى أن صحيفة «نيويورك تايمز» ذهبت إلى حد التأكيد على أن الرئيس دونالد ترامب وافق على توجيه ضربات عسكرية لإيران يوم الجمعة رداً على إسقاط طائرة الاستطلاع التي تقدر قيمتها بحوالي 130 مليون دولار، لكنه تراجع عن التنفيذ.
وجاء إسقاط الطائرة المسيرة ليفاقم التوترات في منطقة الخليج، وهي شريان بالغ الأهمية لإمدادات النفط العالمية، حيث تعرضت ست ناقلات نفط لأضرار بسبب هجمات في الأسابيع الستة الماضية. لكن واشنطن امتنعت عن الرد رغم التقارير التي تشير إلى تورط إيران بالهجمات.
ومرة أخرى سارع ترامب إلى احتواء دعاة التصعيد، بعدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية مع طهران، رغم عدم استبعادها، حيث قال مسؤولان إيرانيان لـ«رويترز» إن طهران تلقت رسالة من الرئيس الأميركي عبر سلطنة عمان للتحذير من هجوم وشيك على إيران.
وتحدث المسؤولان بعد قليل من نشر صحيفة «نيويورك تايمز» أن ترامب وافق على شن ضربات جوية على إيران رداً على إسقاط طائرة الاستطلاع لكنه ألغى الهجمات في اللحظة الأخيرة.
وذكر أحد المسؤولين لـ«رويترز» طالبا عدم ذكر اسمه أن ترامب قال في رسالته إنه ضد أي حرب مع إيران ويريد إجراء محادثات مع طهران بشأن عدد من القضايا… حدد فترة زمنية قصيرة للحصول على ردنا لكن رد إيران الفوري هو أن القرار بيد الزعيم الأعلى (آية الله علي) خامنئي في هذه المسألة».
وقال المسؤول الثاني «أوضحنا أن الزعيم الأعلى يعارض أية محادثات لكن الرسالة ستنقل إليه ليتخذ القرار… ومع ذلك أبلغنا المسؤول العماني أن أي هجوم على إيران ستكون له عواقب إقليمية ودولية».
وبعد أسابيع من تصاعد التوتر في ظل سلسلة من الهجمات على ناقلات نفط في الخليج، قالت إيران إنها أسقطت طائرة مراقبة عسكرية مسيرة أميركية، الأمر الذي أجج مخاوف من مواجهة عسكرية صريحة بين البلدين.
ورداً على ذلك، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» نقلاً عن مسؤول كبير في إدارة ترامب أن الطائرات الحربية الأميركية حلقت في الجو وأن السفن اتخذت مواقعها، قبل أن يصدر لها أمر بإلغاء العملية، دون إطلاق أي نيران.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار بالإدارة شاركوا في المناقشات أو أطلعوا عليها قولهم إن الأهداف شملت أجهزة رادار وبطاريات صواريخ.
ولم يتضح ما إذا كانت الهجمات على إيران قد تمضي قدما فيما بعد أو إن كان ترامب عدل عن قراره أم أن إدارته ساورها القلق بشأن الترتيبات اللوجيستية أو الاستراتيجية.
وفي ظل تصاعد التوتر، أصدرت إدارة الطيران الفدرالية الأميركية أمراً طارئاً يحظر على شركات الطيران الأميركية التحليق في مجال جوي تسيطر عليه إيران فوق مضيق هرمز وخليج عمان حتى إشعار آخر.
وقالت إيران إن الطائرة المسيرة غير المسلحة من طراز «غلوبال هوك» كانت في مهمة تجسس فوق أراضيها لكن واشنطن قالت إنها أسقطت في المجال الجوي الدولي في مضيق هرمز.
ونشر «البنتاغون» رسماً بيانياً يوضح موقع الطائرة على خارطة مضيق هرمز الذي تمر منه معظم شحنات النفط العالمي. وقال قائد سلاح الجو الأميركي في القيادة الوسطى جوزيف غاستيلا إن الحرس الثوري أطلق صاروخ أرض–جو على الطائرة المسيرة، مؤكدا أن التقارير الإيرانية عن دخولها إلى الأجواء الإيرانية كاذبة.
وصرح في مؤتمر عبر الفيديو أنه «وقت اعتراضها، كانت الطائرة «آر كيو–4» على ارتفاع شاهق، وعلى بعد حوالى 34 كلم من أقرب نقطة برية على الساحل الإيراني».
وفي محاولة واضحة للتقليل من أهمية حادثة إسقاط الطائرة، قال ترامب في بداية الأمر إن إسقاط الطائرة ربما نفذه «شخص منفلت وغبي» مضيفاً أنه لا يستبعد أن تكون الطائرة أسقطت بطريق الخطأ.
وأضاف لدى لقائه مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في المكتب البيضاوي «لم يكن هناك شخص على متن تلك الطائرة المسيرة. كان الأمر سيختلف كثيراً… كان سيختلف كثيراً جداً جداً» إذا كانت مأهولة.
وأكد ترامب مرة أخرى أنه لا يريد حرباً مع إيران، مضيفا «أنا أريد أن أنتهي من هذه الحروب اللانهائية وخضت الانتخابات على هذا الأساس. أردت الخروج من أفغانستان وأنهينا دولة الخلافة».
ورغم أن الجمهورية الإسلامية تنفي ضلوعها في الهجوم على ناقلات النفط لكن المخاوف العالمية من أن يؤدي تفجر الوضع من جديد في الشرق الأوسط إلى تعطل صادرات النفط تسببت في قفزة بأسعار الخام.
وفي حين انبرت دول مثل روسيا وألمانيا إلى الحث على التهدئة، قالت السعودية الحليف الرئيسي لواشنطن في الخليج إن إيران خلقت وضعاً خطيراً «بسلوكها العدواني» وإن المملكة تتشاور مع دول الخليج العربية بشأن الخطوات التالية.
وتفجر التوتر مع إيران مع انسحاب ترامب العام الماضي من الاتفاق النووي مع طهران الذي أبرم عام 2015، وتفاقم مع فرض واشنطن عقوبات جديدة لتعطيل تجارة النفط الحيوية في طهران. وردت إيران في وقت سابق بالتهديد بخرق القيود على أنشطتها النووية التي يفرضها الاتفاق.
وألحقت العقوبات الأميركية المشددة أضراراً بالاقتصاد الإيراني، إذ قوضت صادراته النفطية ومنعته من التعامل بالنظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار. وبدد ذلك الوعود بمكافآت تجارية التي كان يتضمنها الاتفاق النووي المصمم للحد من طموحات إيران النووية.
وتقود إدارة ترامب جهوداً لعزل إيران والضغط عليها لتقديم تنازلات بشأن برنامجها النووي وبرنامجها للصواريخ الباليستية ودورها في النزاعات الإقليمية.
وقالت واشنطن يوم الاثنين الماضي إنها سترسل نحو 1000 جندي إضافي، إلى جانب صواريخ «باتريوت» وطائرات استطلاع مأهولة وغير مأهولة، إلى الشرق الأوسط، إضافة إلى الزيادة في عدد القوات التي تم الإعلان عنها بعد هجمات على ناقلات في الخليج في أيار (مايو)، بواقع 1500 جندي بالإضافة إلى نشر حاملات طائرات وقاذفات من طراز «بي 52».
وفي حين زادت حدة الخطاب الأميركي تجاه إيران، فإن الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران كانت أكثر حذراً، قائلة إن هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة لتحديد المسؤول عن الهجمات على الناقلات.
وسعت هذه الدول للحفاظ على الاتفاق النووي رغم انسحاب الولايات المتحدة لكن طهران أبلغتها وقوى عالمية أخرى وقعت على الاتفاق بضرورة كبح جماح موقف ترامب العدواني تجاه إيران وإلا فستنسحب هي أيضاً من الاتفاق.
وكان قادة الكونغرس عقدوا اجتماعاً مع ترامب في البيت الأبيض حول الرد على إيران استغرق نحو تسعين دقيقة.
وبعد الاجتماع، دعا رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل إدارة ترامب إلى «رد محسوب» على إيران.وقال عدد من كبار الجمهوريين بمجلس النواب إن على الولايات المتحدة أن ترد. وقال كيفين مكارثي زعيم الجمهوريين بمجلس النواب ومايكل مكول وماك ثورنبري وديفين نانز الأعضاء بالمجلس في بيان «هاجمت إيران ملكية أميركية هجوماً مباشراً فوق مياه دولية. وهذا الاستفزاز يجيء بعد أسبوع من مهاجمتها وتدميرها ناقلتين تجاريتين في مياه دولية».
من جانبه، حذر رئيس الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر من انجرار الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران. وقال شومر «الرئيس ربما لا يعتزم الذهاب إلى حرب لكننا قلقون من أن ينجر هو والإدارة إلى حرب».
وغردت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، داعية لبذل «كل جهد ممكن» لخفض التصعيد.
وقالت لاحقاً في مؤتمر صحفي «من المهم أن نبقى على تواصل كامل مع حلفائنا وأن نقر بأننا لا نتعامل مع خصم مسؤول وأن نفعل كل ما بوسعنا لخفض التصعيد». وأضافت «هذا موقف خطير وشديد التوتر يتطلب نهجاً قوياً وذكياً واستراتيجياً وليس متهوراً».
Leave a Reply