وليد مرمر
«توفى أمس محمد مرسى العياط، في أثناء حضوره جلسة محاكمته في قضية التخابر. حيث طلب المتوفى الكلمة من القاضي، وقد سمح له بالكلمة، وعقب رفع الجلسة أُصيب بنوبة إغماء توفي على إثرها، وقد تم نقل الجثمان إلى المستشفى وجارٍ اتخاذ الإجراءات اللازمة».
هكذا أورت صحف «الأهرام» والأخبار» و«الجمهورية» المصرية خبر وفاة الرئيس محمد مرسي في صفحات الحوادث.
وأنت إن لم تكن قد سمعت بخبر الوفاة من جهة إعلامية أخرى، فإنك على الأغلب لن تظن بأن المذكور هو الرئيس محمد مرسي، الرئيس المصري الوحيد المنتخب ديمقراطياً منذ زمن الفراعنة.
الخبر تم تعميمه على وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع من قبل الأمن المصري لقراءته ونشره كما صرحت بذلك سهواً المذيعة بقناة «أكسترا نيوز» المصرية، حيث كانت تقرأ عن «كرم» الأمن المصري في معالجة الدكتور مرسي، ثم أردفت، غير عالمة بأن الخبر انتهى: «تم الإرسال من جهاز سامسونغ».
وقد اختارت صحيفتا «الوفد» و«البوابة» أن لا توردا الخبر أساساً فهو لا يستحق النشر!
هذه هي حال صحافة مصر، أم الدنيا، في عهد السيسي! مصر التي قيل عنها مرة: القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ! لقد أصبحت القاهرة في عصر السيسي عاصمة الصحافة البائسة.
هي ليست صحافة صفراء، فالصحافة الصفراء هي التي تبتغي الإثارة والتشهير والضجيج الإعلامي، بل هي صحافة سوداء قاتمة أذعنت للنظام وجلاوزته والمال «السعوديماراتي» الذي ارتهنت له كل وسائل الإعلام المصرية مكتوبة كانت أو مسموعة أو مرئية.
لم يتوافد رؤساء العالم لتشييع جنازة الرئيس المصري، كما ولم يوضع جثمان الرئيس الراحل على عربة عسكرية تجرها الأحصنة، وهو لم يدفن في مدافن العائلة في قريته «العدوة» حسب وصيته، بل سارع النظام المصري إلى إجبار ذويه على دفنه في القاهرة في جنازة سريعة اقتصر الحضور فيها على أفراد العائلة.
هل أن الإسلام السياسي المتمثل بـ«الإخوان» مازال يرعب النظام المصري على رغم من شيطنة التنظيم منذ وصول السيسي إلى الحكم، والذي جعل عبد الناصر (قاتل سيد قطب مؤلف في ظلال القرآن) يبدو كحمل وديع؟
فقد عمد السيسي فور تسلمه السلطة إلى «اجتثاث» الإخوان من جميع مؤسسات الدولة. كما جرى قتل أو اعتقال الآلاف من قيادييهم وكوادرهم وزجهم في غياهب السجون. ثم عمد السيسي بعد ذلك إلى حظر الجماعة حظراً تاماً واعتبارها جماعة إرهابية مارقة تشكل خطراً وجودياً على البلد. فتفرق بالتالي من بقي من رموزها في لندن وأنقرة وغيرهما من عواصم العالم. وفي المقابل تمت تقوية الخط السلفي المتمثل بحزب «النور» الذي يتحالف مع النظام تحالفاً يكاد يكون عضوياً.
لا شك بأن «الإخوان» فشلوا في حكم مصر، ولكن لقائل أن يقول إن فترة السنة (التي حكم فيها مرسي) لم تكن كافية لتقييم أدائه خصوصاً بوجود الدولة العميقة التي تمد جذورها في كل مفاصل البلد. فالجيش المصري على سبيل المثال يتمتع باستقلالية غريبة وفريدة من نوعها، حيث لديه مصانعه واستثماراته وتمويله ومشاريعه المستقلة، بحيث لا يمكن لـ«مدني» كمرسي النفوذ إليه والتحكم به. وهو ما تبين لاحقاً حين انقلبت القوى الأمنية على الديموقراطية واغتصبت الحكم.
ثم إن قوة ومتانة الإخوان التنظيمية كانت سيفا ذا حدين حيث «اختطف» مكتب الإرشاد الإخواني كرسي الرئاسة المصرية إبان حكم مرسي بحيث كان للمكتب فصل الخطاب واليد الطولى في كل القرارات الداخلية والخارجية.
والسبب الثالث هو أنه ليس للإسلام السياسي رؤية تطبيقية يمكن توقيعها على كل مناحي الحكم. وهذه مسألة نظرية أصولية تتجاوز مرسي و«الإخوان». فالإسلام لم يقدم «نظرية سياسية» بالمعنى الأكاديمي وهو بالتالي لا يملك «منفرداً» كل أدوات الحكم والإدارة من غير الاستعانة بالنظريات الحديثة والتجارب التاريخية. فعلى سبيل المثال اختار الإمام الخميني «الجمهورية» لتكون اسماً للدولة التي أسسها رغم أن «الجمهورية»، كإسم وكمعنى، ليست إلا نتاجاً للعصر الكلاسيكي اليوناني والروماني. ولقد أسهم الشيخ علي عبد الرازق في منتصف القرن الماضي في كتابه «الإسلام وأصول الحكم» والذي أثار زوبعة في أوساط المفكرين والناقدين، أسهم في إثارة الشكوك حول وجود نظرية إسلامية معلبة وجاهزة قيد التنفيذ.
إذن لم يكن «فشل» مرسي في الحكم فشلاً في الأداء الشخصي. كما ولم يتهمه أعداؤه بتهم الفساد والسرقة ونهب المال العام. كما لم توجه إليه تهم قتل المتظاهرين بدم بارد كما فعلت القوة الأمنية بأمر السيسي باعتصامي «رابعة» و«النهضة» حيث قضى المئات بالرصاص الحي.
ولكن جل ما أدين به مرسي هو التخابر مع «حماس»! إن «حماس» هي امتداد للإخوان ثم إن لغزة التى تحكمها «حماس» حدوداً مع سيناء، فكيف لا يكون لمرسي «تواصلاً» ولو بالحد الأدنى مع «حماس» ولو بهدف التنسيق في مسائل حدودية أو خدماتية أو إنسانية، وهو نوع من التواصل قد تجده حتى بين إسرائيل و«حماس»!
لقد عامل النظام المصري مرسي معاملة المجرمين فحرمه من المحاكمة العادلة ومنع عنه أقل الحقوق التي تحفظها القوانين كحق الطبابة والتواصل مع المحامين ومع الأقارب. ثم عمد إلى إدانته عبر القضاء «المستقل» بتهم مختلقة وخاوية ليس لها مسوغ قانوني. ثم أخيراً عمد النظام المصري إلى التعتيم على الوفاة وسرب الخبر بطريقة تذكرنا بطرق الـ«غيستابو» التي استعملت الإعلام لخدمة الأيديولوجيا النازية. وكل هذا ليس إلا إيذاناً بأن الإسلام السياسي ما انفك يقض مضاجع الحكام وبأن آية «أعدوا» ما زالت كابوساً يؤرق متعة وترف السلطة.
Leave a Reply