فاطمة روماني – «صدى الوطن»
كثيرة هي المبادرات التي أُعلنت، والاتفاقات التي وقعت، وخرائط الطرق التي وضعت لتسوية أعقد أزمة متجذرة في الشرق الأوسط، القضية الفلسطينية.
الحبر على الورق، والصور التذكارية التي جمعَت القادة في القمم والمؤتمرات هي التي بقيت. إجراءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي وممارساتها على الأرض أفرغت جميع الاتفاقات من مضامينها لتبقى في أدراج الدول المستضيفة لا تحفظها سوى صور الأرشيف التي تظهر على السطح مع كل مرحلة تطرح فيها أفكار جديدة لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
بعد حملة ترويج ضخمة، انعقدت ورشة المنامة أو ما يعرف بالشق الاقتصادي لصفقة القرن لتنطلق معها جملة آراء دولية وإقليمية غير منسجمة تظهر انقساماً عمودياً في خطوط السياسة المبعثرة بين المحاور.
ضربة قاسية تلقاها عرابو الخطة، وأبرزهم جاريد كوشنر كبير مستشاري البيت الابيض وصهر الرئيس، ب الإجماع الفلسطيني على رفضها وتربع السلطة الفلسطينية على رأس المنددين بها والمحذرين منها لتتماهى تماماً في موقفها مع فصائل المقاومة الفلسطينية التي لا تؤمن سوى بخيار البندقية لاستعادة الحقوق الفلسطينية ومتحالفة مع محور تقوده إيران لمواجهة المشاريع الأميركية في المنطقة، وهو ما يعرف بمحور المقاومة.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكد أن الحقوق الوطنية ليست عقارات تشترى وتباع بالأموال فيما انهالت اتهامات بالعمالة من الحكومة الفلسطينية لأي فلسطيني يشارك في ورشة المنامة في ظل التشكيك بالوسيط الأميركي وحياديته في رعاية عملية التسوية لاسيما بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهو ما دفع بسلطة رام الله إلى المطالبة بسحب احتكار واشنطن لعملية السلام وتدخل قوى لإدارة المفاوضات.
الغياب الفلسطيني عن طاولة المنامة أفقدها وهجها، وخفّض مباشرة سقف التوقعات منها طارحاً أسئلة كثيرة من قبيل: ماذا بعد؟.
بدت الورشة بلا أعمدة وكأنها صفقة من طرف واحد ينتهي مفعولها بمجرد إزالة عدسات التصوير عن قاعة المؤتمر.
كوشنر لم يخف استياءه من عدم حضور السلطة الفلسطينية واتهمها في ختام ورشة المنامة بعدم الاهتمام بشعبها بينما رأى مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات أن السلطة الفلسطينية أضاعت فرصة مهمة بمقاطعة ورشة البحرين الاقتصادية.
المقاطعون لم يكتفوا بالغياب بل كانوا على المقلب الآخر من الصورة في ساحات التظاهر. خرج الفلسطينيون إلى الشوارع في مدن الضفة الغربية وقطاغ غزة ومخيمات اللجوء وحتى داخل أراضي الـ48، هاتفين بصوت واحد رفضاً لصفقة القرن وورشة البحرين، مؤكدين تمسكهم بأرضهم التي «ليست للبيع».
تظاهرات الشعب الفلسطيني آزرتها بشكل أو اخر احتجاجات خرجت في دول عربية وإسلامية عدة إضافة إلى تظاهرات تضامنية أخرى حول العالم، تنديداً بانعقاد ورشة البحرين التي لم تحظ بالتفاف دولي، حيث تراوحت مواقف الدول الكبرى بين الرفض والتجاهل والتشكيك وقلة الحماسة.
فروسيا والصين اللتان امتنعتا عن حضور ورشة المنامة طالبتا جميع الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية إلى الامتناع عن أي خطوات تقوّض حل الدولتين وذلك في بيان مشترك صدر في أعقاب المباحثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ في موسكو. القلق في موسكو ظهر جلياً باتهام وزارة الخارجية الروسية واشنطن بمحاولة تغيير أولويات جدول الأعمال الإقليمي وفرض رؤية بديلة للتسوية الفلسطينية الإسرائيلية.
التيار المعاكس لصفقة القرن فرض أجندته على الولايات المتحدة وأجبرها على الاقتراب أكثر من الحقائق المحيطة بالقضية الفلسطينية وظروفها الميدانية والسياسية وتعقيداتها، وأخرجها من لحظة انفصالها عن الواقع. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب أيّد وزير خارجيته مايك بومبيو حين أعرب عن شكوكه حول فعالية الخطة التي وضعتها واشنطن وحول ما إذا كانت ستعجب إسرائيل التي اكتفى رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، بالتعليق قائلاً إنه سيدرس خطة ترامب للسلام بانفتاح، رغم كل ما قدمته له الإدارة الأميركية من عطايا مجانية على حساب الحقوق الفلسطينية.
اللافت أن القلق والارتياب من مدرجات صفقة القرن وورشة المنامة برز بشكل واضح حتى لدى بعض الدول العربية التي حضرت الورشة كمصر مثلاً التي أعلن وزير خارجيتها سامح شكري أن بلاده لن تتنازل عن حبة رمل واحدة في سيناء، وذاك في أول تعليق من القاهرة على تخصيص مشاريع في سيناء ضمن الشق الاقتصادي من المبادرة الأميركية للسلام في الشرق الاوسط مؤكداً أن مشاركة بلاده في مؤتمر المنامة هي للتقييم وليس للإقرار، فيما قاطع لبنان الورشة وسط إجماع وطني على رفض صفقة القرن مع تنامي المخاوف من توطين مئات آلاف اللاجئين الذين يتوزعون على مخيمات وأحياء سكنية تحولت إلى مدن أشبه بأحزمة بؤس تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، فيما أعلن الأردن المدرج أيضاً في قائمة الدول المعنية بـ«صفقة القرن»، أن لا طرحاً اقتصادياً يمكن أن يكون بديلاً لحل سياسي ينهي الاحتلال ويلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
أما السعودية فأعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير أنها لا تقرر محل الفلسطينيين الذين هم أصحاب القرار الأخير، لأنها قضيتهم وما يقبلونه يقبله الجميع، بيد أن الإمارات ربطت مشاركتها في ورشة البحرين بموقفها السياسي المؤيد لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ورفع المعاناة عن كاهل الشعب الفلسطيني وتمكينه من العيش والاستقرار والعمل لمستقبل مزدهر.
أوروبا تحركت في المنطقة الرمادية، فهي لم تبد رغبة شديدة وحماسة للسير في الأجندة الأميركية لكنها لم تأخذ مسار معارضاً لها. ٣٧ وزير خارجية سابقاً ومسؤولاً أوروبياً بارزاً طالبوا في رسالة إلى الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني برفض صفقة القرن إذا لم تتضمن مبدأ حل الدولتين وتستند إلى القانون الدولي، لتقابلهم موغريني باستعدادها للعمل مع الإدارة الأميركية على أساس الالتزام بحل الدولتين وبناء على المعايير الدولية المتفق عليها.
Leave a Reply