فاطمة الزين هاشم
كم هو أمر يدعو للأسف، أن لا يكرم الإنسان في وطننا الأم لبنان، إلا بعد مماته، سواء كانت حالة الموت طبيعية أو مرضاً أو اغتيالاً، فمنذ أيام فقدنا كوكبة من خيرة شبابنا الذين تنكبوا لحماية الوطن، شباباً بعمر الورود اليانعة وفي قمة عطائهم وعنفوانهم، على يد داعشي أثيم يدعي الإسلام، والإسلام بريء منه، سفّاح رمى ضميره إلى سلة القمامة التي لا تليق إلا بأمثاله.
وعلى أثر ذلك انقلب العيد في لبنان إلى مآتم في بلدات متعددة اتشحت شوارعها ونساؤها ورجالها بالسواد، وكانت المآذن قد كبرت قبيل ذلك كما دقت أجراس الكنائس معها، مبشرة بعيد أتى بعد صيام شاق، لتكون الصدمة جامعة لأطياف المجتمع الذي تعود على أن يتقاسم الأفراح والأتراح بين كل مكوناته.
لف الحزن لبنان من شماله إلى جنوبه وعاد التساؤل عما إذا عاد مسلسل الإجرام من جديد مواصلاً حلقاته المدمرة السابقة أو أن هناك مخططاً لزعزعة استقرار البلاد بعد حروب وصراعات دامية خلفت وراءها جيشاً من الأيتام والأرامل والثكالى والمعاقين وهم يعانون الأمرين من ضيق العيش في ظل دولة شعارها «حاميها حراميها».
ينسحب الوجع أيضاً على غض الطرف عن تطبيق القانون وتحقيق العدالة في إيقاع العقاب المناسب بالمجرمين، خصوصاً بأمثال الداعشي الذي اعترف بعد إلقاء القبض عليه قبل تنفيذ جريمته بثلاثة أيام، بأنّ في قلبه غلاً وحقداً على أفراد الجيش ويسعى للانتقام منهم في أية فرصة تسنح له، والذي بدلاً من أن يحتجز لدرء خطره عن المجتمع، تم الإفراج عنه وإطلاق سراحه في اليوم التالي! أوليس هذا الإجراء المهين لمبدأ العدالة يستدعي النظر في أن الذين تدخلوا وساهموا بعملية التواطؤ والالتفاف على القانون في إطلاق سراح المجرم، هم شركاؤه في الجريمة، وتقع في رقابهم –بالشراكة– مسؤولية إراقة دماء أولئك الشبان الأبرياء؟
فمن لأهالي وذوي الشهداء بمداواة جراحهم في فقد العزيزين عليهم؟ من للأمهات الثكالى في الاقتصاص من مغتالي أبنائهن وقد جعلن من أماكن قبورهم مقرات لإقامتهن الدائمة؟ فهل تنفع الأوسمة التي وضعها رئيس الجمهورية على نعوش الشهداء في مداواة مثل هذه الجروح العميقة؟ وهل سترد لهفة الأمهات الثكالى والآباء المفجوعين، وهل ستعوض اليتامى عن حنان آبائهم الشهداء؟، بل كان الأجدى أن يتم إيقاع عقوبة الموت بالمسببين لهذه الفجائع والمآسي الجسام على الأقل تخفيفاً لآلام من طالتهم.
أما ما يتعلق بامتداد آثار التفجير على الوضع الأمني، فهو قد حرم لبنان من ركيزة التهيؤ لموسم الاصطياف الذي يعتبر من دعامات الاقتصاد الوطني، لبناننا بلد الحضارة والرقي والثقافة وجمال الطبيعة، أو ما كان يسمى «سويسرا الشرق»، كان مقصداً للسواح من الغرب والشرق، فهل هناك مكيدة مدبرة لحرمانه من مصدر الثروة هذه، فيتم تحويل أنظار سواح العالم إلى بلدان عربية أخرى في صفقة مدفوعة الثمن من وراء الكواليس.
Leave a Reply