وليد مرمر
«يمنع على الشيعة الاستئجار أو التملك في نطاق بلدية الحدث»! ولمن يعتقد أن هذه أطروفة ليس لها مصداق واقعي، عليه أن يفكّر ثانية!
«الحدث» لمن لا يعرفها هي بلدة على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت معظم سكانها كانوا حتى وقت قريب من المسيحيين.
لقد أحدث «المد» الشيعي والتقلص المسيحي تحولات ديموغرافية أصبح معها أكثر سكان الحدث من الشيعة الذين ضاقت بهم الضاحية فتمددوا شرقاً باتجاه المناطق المجاورة، من «عين الرمانة» حتى «الحدث». فهم يمتلكون اليوم نحو 55 بالمئة من الأراضي والعقارات في نطاق بلدية «الحدث». لكن أن يصدر هذا القرار العنصري والتمييزي من بلدية «الحدث»، وبشكل رسمي، فهو أمر مستهجن ومستنكر ويتعارض مع الدستور والشرعات والمقررات التي تضمن حرية الفرد بالتنقل والسكن أينما شاء. وللمفارقة، فإن القرار جاء من بلدية يرأسها جورج عون المحسوب على «التيار الوطني الحر» «العابر للطوائف».
وفي موقف لافت نددت وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن، بشدة، بسياسة بلدية الحدث ووصفتها بأنها غير دستورية، كما وطلبت من المحافظ الاستماع إلى رئيس البلدية والعدول عن هذا القرار الجائر.
وبما أن طابخ السم ذائقه، كما أن لكل طائفة «هواجسها»، والإخلال بالتوازن ممنوع، اضطر رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل إلى إلغاء زيارة كانت مقررة إلى الجبل (الدرزي) بعدما وصلته معلومات تفيد بأن الأهالي غير مرحبين بالزيارة وبأن الأمور قد تتفاقم بشكل يصبح معه أمن الوزير مهدداً.
لم يكن تقدير النائب غسان عطالله بعيداً عن الواقع عندما لمح إلى أن جبران باسيل ليس بحاجة إلى «فيزا» لكي يزور منطقة لبنانية. ولكن باسيل كان فعلاً بحاجة إلى «فيزا» سياسية من زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وبما أن ذلك لم يحصل، اعتبر الإشتراكيون أن الزيارة الاستفزازية انتهاك صريح لعقر دارهم، فحصل ما حصل وتم إطلاق النار على موكب الوزير صالح الغريب ظناً من الجناة أنه موكب الوزير باسيل، فقتل اثنان من مرافقي الوزير صالح.
إنها فدرالية طوائف بامتياز تحت مسمى الجمهورية!
تنكمش كل طائفة وتتقوقع على ذاتها حسب برودة أو سخونة الكباش السياسي في البلد. ليست الأحزاب إلا واجهة تمثيلية للطائفة، تارة ذات طابع عسكري، وتارة أخرى ذات إيحاءات تبطن الانتقاص من الآخر. فما أبعد الطائفة الكريمة الدرزية عن الاشتراكية وهي الطائفة الأكثر «لااشتراكية» وانغلاقاً على نفسها إذا جاز التعبير! وأما «الكتائب» و«القوات» ففي اسميهما «العسكريين» غنى عن البحث عن تاريخهما. أيضاً «المرابطون» من الرباط على الجبهات، وكذلك «الأفواج» هي مسمى عسكري. و«المردة» تغمز من قناة أن الباقين أقزام. و«المستقبل» تيار السنة بامتياز، ومن ليس فيه فهو لا شك يعيش في الماضي. وحزب المقاومة لا يخفي توجهه العسكري، ومن ليس في «التيار الوطني الحر» فهو لا شك مستعبد. ويكاد الحزبان الشيوعي والقومي يكونان الحزبين الوحيدين «العابرين للطوائف» بالمعنى الحرفي للكلمة! نعم ليس في لبنان أحزاب أيديولوجية إلا حفنة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.
لقد قام الوزير السابق زياد بارود بخطوة جبارة في سبيل مقارعة الطائفية عبر السماح لأي لبناني بإلغاء القيد الطائفي عن الهوية. ولقد قام فعلاً مئات اللبنانيين بشطب القيد الطائفي ليعود بعضهم لاحقاً ويحاول أن يعيده، ذلك أنه لم يعد بإمكانهم التقدم للوظائف العامة أو للخدمة العسكرية اللتين يحكمهما التوزيع الطائفي المتساوي (6 و6 مكرر). وكلنا يذكر كيف أجل باسيل تطويع الناجحين في مجلس الخدمة المدنية لوظيفة «حراس الأحراج»، وهي وظيفة من الدرجة الرابعة، وذلك لعدم التكافؤ بين أعداد المسلمين والمسيحيين (تقدم للوظيفة 1,530 مسلماً و170 مسيحياً).
المؤسسات في لبنان موزعة من المرفأ للمطار للمصارف مروراً بكازينو لبنان… بين أمراء الطوائف في اتفاق ضمني غير معلن، حيث يتفق الجميع على المحاصصة وتوزيع المكاسب بين الطوائف حتى أن أحد المراقبين قال ممازحاً إنك لا تستطيع إعدام مسلم في لبنان إلا أن تعدم مسيحياً في المقابل!
لقد رسخت فرنسا الطائفية السياسية في لبنان حتى أصبحت دستوراً غير معلن لا يجرؤ أحد على المس به أو محاولة زعزعته. ويزيد الأمر سوءاً، الهامش الكبير المعطى للمحاكم المذهبية التي تتحكم في أحوال رعاياها الشخصية من زواج وطلاق وإرث وحضانة الأولاد وغيرها من الأمور التي تتولاها عادة، المحاكم المدنية في الأنظمة الطبيعية.
غني عن القول إنه بغياب رقابة الدولة، نخر الفساد معظم تلك المحاكم حتى أصبحت قضايا الفساد فيها مضرباً للأمثال.
لقد شكل قانون بارود خطوة جريئة لكنها يتيمة في مسيرة الألف ميل للقضاء على الطائفية. وبما أن عدد الذين تقدموا لشطب قيدهم الطائفي لم يتعد المئات، فحيَّ على فدرالية الطوائف، وتصبحون على وطن!
Leave a Reply