مريم شهاب
لم أكن أريد الكتابة مرة أخرى عن البرنامج الديني المشبوه «بصراحة»، الذي يديره القس جان بيشاي والأستاذ رشيد الذي اختار أن يكون مسيحياً بعد أن كان مسلماً، ولا ضير في الأمر طالما أنه يؤمن بذلك. ألف مبروك للمسيحيين وإن زادوا تابعاً آخر وليس مؤمناً آخر، لأن المؤمن برسالة السيد المسيح عليه السلام، لا يستعمل أسلوبه الناعم وكلامه المنمّق ليلقي بظلال قاتمة على المبادىء الإنسانية المشتركة بين أتباع مختلف الديانات، ولا يستغّل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي للترويج لخطاب الكراهية ضد المسلمين والإسلام.
وكما قال السيّد المسيح: «من ثمارهم تعرفونهم»، آتى كلام السيد رشيد ثماره. الكثيرون من مريديه والمستمعين له اقتنعوا بأن المسلمين أينما وجدوا هم إرهابيون وإن بدوا مسالمين، وإنهم قنابل موقوته قد تنفجر في أي وقت، وأن لا خلاص من هذه المعضلة إلّا بقبول المسيحية لنيل صكوك الغفران.
لقد وصلت الرسالة يا أستاذ رشيد، وعلينا أن نعترف –نحن المسلمون– بأن كلامك المصفّى عسلاً وحلاوةً، حباً بنا وخوفاً علينا، قد أفضى إلى تعميم الكراهية والمرارة التي تلقى بظلالها المأساوية على مجتمعنا هنا في ديترويت الكبرى، وأن ما تقوله وتردده عن المسلمين ودينهم ونبيّهم وكتابهم، يأتي في سياق القيم الرائجة، أو الموضة الدارجة، ليأخذنا نحو الضحالة والبشاعة والكفر بقيم الدين.. أي دين كان، ويضعنا أمام دين «الفاست فود» الذي يسمّم أكثر مما يغذّي.
أسألك يا أستاذ رشيد، إذا كان هذا حبّاً في الواقع والفعل، كما تقول، كيف تكون الكراهية إذاً؟
لقد حاول قبلك منذ سنوات القس زكريا بطرس، وكان يردد مقولته، بعد خمس سنوات لن يكون هناك إسلام. وكان قبله قس، انتقل إلى العالم الآخر، منذر عبد اللطيف، وجاء بعده كثيرون آخرهم بينهم كريم موسى. وكما ترى ويرى الجميع، الإسلام لا يزال باقياً ولن يزول، ونحن يا سيّدي فخورون بإسلامنا وبرسولنا الأكرم، ونحب ونحترم الملل كلها. وأنت وغيرك لكم الحق بالتبشير والكلام عن محاسن المسيحية وعظمة السيد المسيح عليه السلام، والدفاع عن معتقدك بأن المسيح هو الله أو ابنه، لكن ذلك لن يزيده (ع) علوّاً أو تشريفاً.
نحن بشر في كل الأحوال وما يحددنا ويعرفنا، ليس الدين الذي ندين به، بل ما يحددنا فعلاً هو أعمالنا وقيمنا التي ندافع عنها والخيارات التي نتخذها، وقبل كل شيء صدقنا مع أنفسنا قبل الآخرين.
كإنسانة مسلمة، اخترت العيش في بلدٍ أحبه وأحترمه، لا يمكن أن أغمض عيني وضميري وقلمي عما يجري من حولي، لا أريد لأولادي ولأحفادي الاعتذار أو الندم لأن إرادة الله شاءت أن يولدوا مسلمين في أميركا، ولا أريد لهم أن يُنظَر إليهم كلما تواجدوا في مكانٍ ما كإرهابيين محتملين حتى إثبات العكس، لا لسبب سوى لأنهم ذوو ملامح عربية.
بصراحة، إن برامج التعصب الديني التي تبث عبر منصّات الإعلام والتواصل الاجتماعي في إطار حملات منظمة لتأجيج الكراهية والأحقاد، ليست إلا كيداً مستمراً، وللأسف برنامج «بصراحة» هو واحد منها.
Leave a Reply