وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
«صارت رغبتي في التوصل إلى اتفاق مع إيران أكثر تعقيداً». هكذا عبّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن هواجسه حيال الأزمة مع طهران، وأتبع هذا الكلام كعادته بسلسلة تغريدات، متهماً فيها إيران بالكذب «للتغطية على فشلها وتدهور اقتصادها» نافياً بشدة ما أعلنته عن اعتقال شبكة من الجواسيس تضم سبعة عشر شخصاً كانت جنّدتهم الاستخبارات الأميركية.
ضمن هذا السياق تستمر الضغوط المتبادلة بين البلدين الخصمين، ولا يفوّت أحدهما أي فرصة يمكن أن يسجل من خلالها نقطة على الآخر. إيران تحتجز ناقلة نفط بريطانية صغيرة مع طاقمها، وتنشر فيديوهات عن عملية الإطباق عليها وكيفية تطويقها من قبل قواتها البحرية التي تقبض على مياه الخليج من أوله إلى آخره، ثم اقتيادها إلى ميناء بندر عباس الإيراني. لاحقاً أعلنت إيران أنها لن تفرج عن السفينة المحتجزة إلا بعد انتهاء التحقيقات، فيما كانت قد أفرجت سابقاً عن الناقلة التي كانت ترفع علم ليبيريا. رد واشنطن –علماً بأن الناقلة بريطانية– جاء بإعلان إسقاط طائرة مسيّرة إيرانية، وهو ما نفته إيران بنحو قطعي، مؤكدة أن الطائرة التي أُسقطت هي أميركية، كان الجهاز المتخصص في الحرب السيبرانية في الحرس الثوري قد استولى عليها إلكترونياً، وما هو أكثر غرابة ما نُقل عن مسؤول في البحرية الأميركية من أن بلاده «ربما» تكون قد أسقطت طائرة مسيرة إيرانية ثانية! التكنولوجيا الأميركية المتطورة غير قادرة على الجزم بإسقاط طائرة من عدمه!
حرب التصريحات
لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن يطلق المسؤولون في الإدارة الأميركية جملة من التصريحات والمواقف المتعلقة بالصراع في منطقة الخليج، وكذلك هي الحال بالنسبة إلى المسؤولين الإيرانيين، ولا سيما بعد تسارع وتيرة الأحداث المتلاحقة التي تدفع باتجاه المزيد من التوتر.
وبالعودة إلى الارتباك الذي يغلّف مواقف الرئيس الأميركي، والذي كان قد أعلن في وقت سابق موافقته على طلب السناتور راند بول الدخول في مفاوضات مع إيران، عاد في اليوم التالي وقال للصحافيين إنه لم يوافق بعد على طلب السناتور بول، بالرغم من أن وزير خارجيته كان قد أعلن في وقت سابق أن رئيس بلاده مستعد للتفاوض مع إيران من دون شروط مسبقة.
وفي آخر تصريحاته، حذر ترامب من أن بلاده لن تستمر بتأدية مهمة الشرطي في مضيق هرمز لحماية سفن الدول الغنية، مثل الصين واليابان والسعودية، معتبراً أنه لا داعي لذلك لأن ما تحصل عليه بلاده من النفط من مضيقي هرمز وباب المندب قليل جداً، ولا يستحق الدور الذي تضطلع به بلاده.
أما مستشار الأمن القومي جون بولتون فقد قال في تغريدة له عبر «تويتر» بضرورة استمرار استراتيجية الضغط القصوى على إيران حتى تتخلى عن «طموحاتها النووية وأنشطتها المزعزعة للاستقرار». كما ذكر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» أن «للنظام الإيراني تاريخاً طويلاً من الكذب».
إلا أن بومبيو نفسه عاد ليفاجئ الجميع بإعلانه في مقابلة مع تلفزيون «بلومبرغ»، عن استعداده للذهاب إلى إيران إذا لزم الأمر لإجراء محادثات.
طهران: لغة التهديد المباشرة
في المقلب الآخر، وفي ما يشبه الملخّص الشامل للموقف الإيراني على أثر التطورات الأخيرة، عبّر الرئيس الإيراني حسن روحاني عن استعداد بلاده للتفاوض مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن طهران لم ولن تضيّع فرصة التفاوض مع واشنطن.
وأكَّد روحاني أن بلاده مستعدة لمفاوضات عادلة وقانونية، مضيفاً أن طهران لن تستسلم في أية مفاوضات، وتابع بالقول: «مضيق هرمز ليس مكاناً لانتهاك قوانين الملاحة البحرية والتهاون بها، ولن نسمح بالإخلال بقوانين المضيق، واحتجاز الحرس الثوري ناقلة النفط البريطانية خطوة قوية ومهنية».
وشدد روحاني على أن بلاده لا تسعى إلى التوتر مع بريطانيا، وإذا أفرجت الأخيرة عن ناقلة النفط في جبل طارق فإنها ستلقى الرد المناسب من إيران، لافتاً إلى أن تأمين مضيق هرمز هو مسؤولية الحرس الثوري، وشدد على ضرورة أن يحترم جميع الأطراف تعليمات الحرس الثوري في هذا الشأن. كذلك، دعا روحاني الدول التي لا تنتمي إلى منطقة الخليج إلى عدم التدخل في عملية تأمين المياه بالمنطقة، ملمحاً هنا إلى محاولة واشنطن وبريطانيا السعي إلى إقامة ما يشبه التحالف الدولي لحماية الملاحة البحرية في مياه الخليج، وفي لهجة لا تخلو من التهديد أضاف أن بلاده «سترد بالطريقة نفسها في حال تعرضت للانتهاك من جديد»، فيما لم يخفِ نبرته الحادة عند حديثه عن «اختراق الأجواء الإيرانية»، حيث هدد واشنطن بالقول إن «تكرار اختراق الأجواء الإيرانية من قبل الأميركيين بطائرة مسيرة أخرى سيلقى الجواب نفسه» في إشارة إلى نية بلاده إسقاط أية طائرة تخترق أجواءها كما فعلت سابقاً.
وفي حديثه عن ملف بلاده النووي، أكد روحاني أن المقترحات الاوروبية لإيقاف تقليص التزامات طهران النووية لم تكن متوازنة وعادلة حتى الآن، كاشفاً أن مزيداً من التقليص في هذه الالتزامات سيكون «بعد انتهاء المهلة الثانية»، مع الاستمرار في المساعي الدبلوماسية الخاصة بالملف.
بدوره وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف دعا جميع الأطراف إلى العمل على تجنب ما وصفه بالكارثة التي لا يمكن تجاهل احتمال حدوثها. وفي إشارة لافتة خلال مقابلة له مع «سي أن أن» قال ظريف «نحن نثق بكلامه» –أي ترامب– «لجهة أنه لا يريد حرباً وتغييراً للنظام الإيراني، لكن أستطيع أن أؤكد له أن هناك أشخاصاً حوله قالوا علناً إنهم يريدون حرباً وتغييراً للنظام».
وشدد ظريف على أن بلاده لم تغادر طاولة المفاوضات، لكنه أعاد التأكيد أنها لن تفاوض بشأن برنامجها الصاروخي، وحذّر من أن سوق الطاقة العالمية لن تصمد من دون النفط الإيراني. وأعاد التأكيد أن بلاده ترفض إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي، مشبّهاً الأمر بمن يشتري الحصان مرتين. وكان ظريف قد قدّم عرضاً يتضمن تعزيز التفتيش للمرافق النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات على نحو نهائي، رفضه مصدر مسؤول في البيت الأبيض متذرّعاً بأن ظريف لا يملك صلاحية تقديم العروض، وأن أي عرض يجب أن يأتي من المرشد خامنئي شخصياً.
تحالف دولي؟
في غضون ذلك قال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت –الذي استقال لاحقاً بعد تسلم بوريس جونسون منصب رئيس الحكومة البريطانية– إن بلاده تخطط لتشكيل قوة أوروبية لحماية الشحن البحري في الخليج، وستسعى إلى ذلك بالسرعة الممكنة، وإنها لن تكون جزءاً من سياسة الضغط القصوى الأميركية على إيران. وهذا ما أكده أيضاً وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، لكنه لم يحدد بوضوح مهمة تلك القوة.
مملكة البحرين، أعلنت بدورها عن استعدادات لاستضافة اجتماع دولي يُعنى بأمن الملاحة البحرية والجوية خلال الفترة المقبلة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية وبولندا، وبمشاركة أكثر من 60 دولة، كإحدى نتائج المؤتمر الدولي لدعم الأمن والسلام في الشرق الأوسط الذي انعقد في مدينة وارسو في شهر شباط (فبراير) الماضي.
مساعٍ لاحتواء التوتر
على صعيد التحركات الدولية أيضاً، برزت زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني إلى باريس حيث حمل رسالة مكتوبة، لم يتّضح مضمونها بعد، إلا أنها تشي برغبة في تفعيل مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وفي السياق عينه، زار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي طهران، على رأس وفد كبير، والتقى المسؤولين الإيرانيين حيث جرى بحث العلاقات بين البلدين الجارين بحسب ما نقل مكتب عبد المهدي إضافة إلى تطورات المنطقة وسبل نزع فتيل الأزمة الراهنة، مع إشارة مقصودة من قبل العراقيين أنفسهم إلى أن بغداد تضطلع بدور تهدئة فقط لا بوساطة. لكن زيارة عبد المهدي استُبقت باتصال من وزيرة الدفاع البريطانية بيني موردونت طلبت خلاله من رئيس الوزراء العراقي التوسط لدى طهران للإفراج عن ناقلتها المحتجزة.
أما سلطنة عُمان فقد حثّت طهران على الإفراج عن ناقلة النفط البريطانية «ستينا إمبيرو» التي احتجزها الحرس الثوري الإيراني يوم الجمعة الماضي في مضيق هرمز، وطالبت كل الأطراف بممارسة ضبط النفس وحل الخلافات دبلوماسياً، وفي إطار مسعاها المتواصل لأخذ دور الوسيط المحايد الذي يحاول إطفاء الحرائق في المنطقة، أفادت وكالة الأنباء العمانية الرسمية بأن وزير خارجية السلطنة يوسف بن علوي، سيزور إيران السبت المقبل لمناقشة تطورات المنطقة، من دون إعطاء المزيد من التفاصيل.
ويوم الأربعاء المنصرم، أعلنت الخارجية السويدية أنها تجري محادثات مع إيران وبريطانيا وآخرين بشأن الناقلة المحتجزة وأنها تأمل التوصل إلى حل.
مفعول جرعات التهدئة: إلى متى؟
لعبة عض الأصابع مستمرة، ولغة التحدي بين البلدين اللدودين تتواصل. إيران تراهن على عدم رغبة واشنطن في خوض مواجهة عسكرية واكتفائها بالعقوبات الاقتصادية على طهران، لمعرفتها العميقة بالتكلفة العالية التي قد تتكبدها، فيما تراهن واشنطن على انعكاسات الضائقة الاقتصادية التي تعانيها طهران بسبب العقوبات.
وبرغم كل ما حدث ويحدث، ها هم الأطراف الموقعون على الاتفاق النووي باستثناء الولايات المتحدة سيجتمعون في فيينا الأحد ٢٨ تموز (يوليو) على مستوى وزراء الخارجية أو المديرين السياسيين، في محاولة لإعطاء جرعة من الدعم للاتفاق النووي «المترنّح».
جرعات التهدئة والمسكّنات قد تنجح لبعض الوقت في منع انهيار الاتفاق، الذي تلقّى ضربة ترامبية قصمت ظهره، فهل ستتمكن تلك الجرعات من منع الانفجار؟
Leave a Reply