وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
«القوات البحرية الإيرانية ترصد كل تحركات السفن والبوارج والمدمرات الأميركية منذ لحظة دخولها إلى الخليج وبحر عمان» هذا ما أعلنه قائد السلاح البحري الإيراني حسين خازنداري. لا يمكن لأي كلام أن يكون مباشراً أكثر من ذلك، والرسالة مفادها أن لا تعبثوا معنا فأنتم تحت مراقبتنا وفي مرمى نيراننا من لحظة دخولكم مياه الخليج حتى لحظة الخروج.
لطالما أدركت واشنطن أنه يحق لإيران أن تستعلم أي سفينة تدخل مياه مضيق هرمز وتطلب بياناتها، بحكم القوانين الدولية المرعية الإجراء، وإيران تعلم أيضاً بوجود الأسطول الأميركي الخامس المرابض على سواحل المنامة ومنذ وقت طويل. إذاً، طرح فكرة إنشاء تحالف عسكري لحماية الملاحة البحرية في مضيق هرمز لا يعدو كونه مزيداً من الحرب النفسية التي تحاول الولايات المتحدة تفعيلها للضغط على إيران بعد أن استنفدت كل الوسائل الأخرى.
تحشيد لا قيمة عملية له، هذا إذا ما تمت الاستجابة له من قبل من دعتهم واشنطن للانضمام إليه.
فإذا بدأنا بفرنسا، سنجد إصراراً واضحاً لدى باريس على تمايز موقفها عن موقف واشنطن، فقد أكدت وزيرة دفاعها فلورانس بارلي أن المشاورات الجارية مع ألمانيا وبريطانيا هي من أجل التأسيس لعمل مشترك يسهم في ضمان أمن الملاحة في الخليج، والسعي هو فقط لتبادل المعلومات وتنسيق القدرات لا إلى «تعزيزها». أما ألمانيا فقد أكد وزير خارجيتها أن بلاده لن تشارك في المبادرة الأميركية بالنسبة إلى مضيق هرمز. كذلك الاتحاد الأوروبي نأى بنفسه معلناً أنه ليس طرفاً في محادثات تجري بين الولايات المتحدة وبعض الدول حول إرسال قوات بحرية إلى المنطقة.
الحليف الوفي لواشنطن، بريطانيا، وحدها تصر على تكامل أوروبي أميركي لحماية الخليج، وقد عبّر عن ذلك صراحة وزير خارجيتها الجديد دومينيك راب متباهياً بأن مبادرة بلاده في هذا الشأن تحظى بدعم أميركي.
والجدير بالذكر هنا أن بريطانيا هي تفتعل المشاكل وتستدرج التوتر في المنطقة، سواء بخطف ناقلة نفط إيرانية بحجة خرقها العقوبات المفروضة على سوريا ثم ترفض الإفراج عنها، أو بالمبادرة إلى دعوة الدول الأوروبية من أجل إنشاء تحالف عسكري تحت مسمّى حماية أمن الملاحة على أثر احتجاز ناقلة نفط تابعة لها من قبل الإيرانيين، متناسية أنها هي من بدأت حرب احتجاز الناقلات. وكأن لندن بمبالغتها هذه في محاولة إرضاء واشنطن، تستدرج منسوباً عالياً من التوتر، مفاعيله لن تقتصر على علاقتها بالدولة المستهدفة فقط، وهي بهذا السلوك فإنما تكون شريكاً مباشراً في الحرب إذا اندلعت. علماً بأن هناك من يقول إن بريطانيا وقعت ضحية تحريض بولتون الذي كان يريد توريط لندن في مواجهة مباشرة مع إيران، بحيث أنه كان يتوقع رداً إيرانياً أكبر من احتجاز ناقلة مقابل أخرى، وبالتالي تفجير الوضع عسكرياً، فلا تبقى بلاده وحيدة في الساحة أمام الدولة العنيدة، مع ما قد يستدعي بطبيعة الحال انضمام دول أخرى، وكل ذلك طبعاً ليس إلا لتنفيذ رغبته ورغبة فريقه الجامحة في ضرب إيران. واشنطن وبعد استمزاج آراء حلفائها غير المرحبين بالحشد العسكري وبفكرة إنشاء تحالف تحت قيادتها، ولكي لا تقع في الحرج، انكفأت وارتأت أن تحمي كل دولة تجارتها البحرية بنفسها.
جديد أزمة احتجاز الناقلات
في آخر مستجدات احتجاز الناقلتين «غريس 1» و«ستينا أمبيرو»، أعلنت إيران الاثنين الماضي في تغريدة لسفيرها في بريطانيا عبر تويتر أكد فيها أنه من المستحيل إجراء مبادلة مع بريطانيا بالإفراج عن الناقلة البريطانية مقابل إفراج لندن عن الناقلة الإيرانية، ولفت السفير حميد بعيدي نجاد إلى أن احتجاز ناقلة النفط الإيرانية لدى سلطات جبل طارق البريطانية عمل غير قانوني فيما احتجزت بلاده الناقلة البريطانية «لخرقها بعض لوائح الأمن والسلامة الرئيسية في مضيق هرمز».
في السياق، سمحت طهران بزيارة ثمانية عشر بحاراً هندياً كانوا على متن الناقلة التي كانت ترفع علم بريطانيا فيما أفرجت عن تسعة بحارة هنود من طاقم سفينة «رياح» التي كانت ترفع علم بنما، وأبقت على ثلاثة منهم لديها. وزير الخارجية البريطاني طالب إيران بسرعة الإفراج عن ناقلة النفط البريطانية التي تحتجزها، رافضاً أن يكون هناك تبادل للناقلات، في إشارة إلى ناقلة إيران التي تحتجزها قوات «جبل طارق».
الوساطة العمانية إلى الواجهة
بعدما كان قد زارها قبل شهرين في مسعى للوساطة بين الولايات المتحدة وإيران على أثر تفاقم التوتر بين البلدين، وصل وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إلى طهران، والتقى المسؤولين الإيرانيين وبحث معهم سبل إيجاد حل لأزمة احتجاز الناقلات المتبادل مع بريطانيا، حيث أكدت مصادر إيرانية بلورة حل يصب في اتجاه الإفراج القريب عن الناقلتين.
المصادر عينها أشارت إلى أنه كان من المقرر أن تستمر الزيارة يوماً واحداً، لكن جرى تمديدها یوماً إضافياً نظراً إلى أهمية الملفات التي كان يحملها بن علوي.
الرئيس الإيراني حسن روحاني وبعد لقائه الوزير العماني أكد أن بلاده ستواجه بكل قوة أي خرق أو انتهاك لقوانين الملاحة في المنطقة الخليجية وأن وجود القوات الأجنبية في المنطقة سيزيد التوتر فيها، فيما أشار بن علوي إلى ضرورة استمرار التواصل بين جميع الأطراف لتجنب المزيد من الحوادث، وأن بلاده وطهران تتعاونان في تنظيم حركة المرور في مضيق هرمز.
وساطة بن علوي تبخرت مفاعيلها مع تزامن نشر حرس الثورة الإيراني شريط فيديو يظهر عملية الإطباق على الناقلة البريطانية بالصوت والصورة، الأمر الذي أحرج لندن إلى حد كبير، ودفعها إلى الإعلان عن رفض تبادل الإفراج عن الناقلتين، وهو ما أعاد الأمور إلى مربعها الأول.
ماكرون لم يفقد الأمل
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ينشط من جديد على خط التهدئة بين إيران والولايات المتحدة، بـ«التشاور» مع ألمانيا وبريطانيا وبـ«التواصل» مع روسيا والصين، الدول الأربع الأخرى التي تدافع عن الاتفاق النووي.
وهذه هي المرة الرابعة خلال شهرين التي يجري فيها الرئيس الفرنسي محادثات مع نظيره الإيراني، كما أنه أجرى مباحثات عديدة مماثلة مع نظيره الأميركي كان آخرها يوم الجمعة الماضي. وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان إن «دور فرنسا هو بذل كل الجهود الممكنة لضمان موافقة جميع الأطراف المعنيين على هدنة والدخول في مفاوضات».
فرص المبادرة الفرنسية ضعيفة في ظل الإصرار الأميركي على استمرار العقوبات والإصرار الإيراني على عدم المجيء إلى طاولة المفاوضات تحت ضغط تلك العقوبات أي قبل إلغائها كاملة.
وقد أكد أحد الدبلوماسيين الإيرانيين مستبقاً اجتماع فيينا الأسبوع الماضي، بالقول إن كل الخطوات التي اتخذتها بلاده يمكن التراجع عنها إذا وفى الأطراف الآخرون بالتزاماتهم في الاتفاق النووي.
الاجتماع الذي شاركت فيه كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي وإيران، صرّح في نهايته كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقتشي بأن الاجتماع كان «بنّاءً»، «لكن هناك قضايا مهمة ما تزال بحاجة إلى حل»، وأن بلاده ستواصل تقليص التزاماتها إذا أخفق الأوروبيون في إنقاذ الاتفاق. رئيس إدارة ضبط التسلح في الخارجية الصينية الذي يرأس وفد بلاده في اجتماع فيينا قال إن كل الأطراف عبّروا عن معارضتهم القوية لإقدام الولايات المتحدة على فرض العقوبات من جانب واحد. أما نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف فقد اعتبر أن عودة إيران في الوقت الراهن إلى التزاماتها النووية من دون أي شروط أمر غير واقعي على الإطلاق، داعياً إياها في الوقت نفسه إلى عدم اتخاذ خطوات إضافية على طريق إلغائه.
الإشارات السعودية والانعطافة الإماراتية
السعودية مستعدة لإقامة علاقات التعاون الكاملة مع إيران ولكن بشرطين: أن تكون تلك العلاقات قائمة على مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول واحترام سيادتها. كلام ورد على لسان المندوب الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله بن يحيى العلمي بصفته رئيساً للمجموعة العربية. لا يمكن اعتبار هذا الكلام مداً لليد نحو طهران، لكنه من دون شك ينطوي على رغبة في تخفيف التوتر في العلاقة بين البلدين، يُضاف إلى ما نقله مصدر إيراني دبلوماسي واسع الاطلاع لــ«صدى الوطن» عن رسائل عديدة بعثت بها الرياض إلى طهران عبر وسطاء، ومعظمها يتعلق بمستنقع حرب اليمن الذي غرقت فيه ولا تعرف كيف تخرج منه بعد كل ما تكبّدته من خسائر مادية وبشرية.
وفي ما يشبه الرد، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي أدرجته واشنطن الأسبوع الماضي على قائمة العقوبات، إنه إذا كانت السعودية مستعدة للحوار فإن إيران دائماً جاهزة للحوار مع دول الجوار، وإن طهران لم تغلق باب التفاوض مع تلك الدول ولن تغلقه.
وفيما تمد إيران يداً للتفاوض، تضع الأخرى على الزناد، فمرة تختبر صاروخاً بالستياً في عز توتر الأزمة، ومرة أخرى يعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي عن البدء بإنشاء محطة «بو شهر» النووية الثانية في منتصف أغسطس الجاري، وبخصوص مفاعل «أراك» فقد أشار إلى أنه تم الانتهاء من تصميم الجوانب المختلفة لتحديثه ويجري حالياً طلب المعدات.
أما ما خطف الأضواء حقيقة، فقد كان زيارة الوفد العسكري الإماراتي العلنية لطهران، وهو ما حاولت الجمهورية الإسلامية الإيحاء بأنه أمر اعتيادي على اعتبار أن العلاقات بين البلدين لم تنقطع يوماً، وأن التنسيق لطالما كان قائماً، وأن زيارات عديدة لم يُعلن عنها كانت قد سبقت هذه الزيارة. لكن، وبما لا يقبل الشك والتأويل، فإن زيارة الوفد الإماراتي هذه المرة تأتي في جو إقليمي محموم، وبعد إعادة تموضع قوات أبو ظبي في اليمن في ما يشبه الانسحاب التكتيكي، جراء تكبدها خسائر في العتاد والأرواح بلغت حداً لم يعد يمكنها تحمله، والأهم من ذلك كله بعد ما أبلغته إيران لسفير الإمارات حين استدعته لتوجّه إلى بلاده رسالة عبره –على خلفية إقلاع الطائرة الأميركية التي اخترقت الأجواء الإيرانية من إحدى القواعد العسكرية في الإمارات (قاعدة الظفرة)– رسالة مختصرة كانت بمثابة إنذار: إذا تكرر إقلاع أية طائرة أميركية من إحدى القواعد الموجودة على أراضيكم فسنقصفكم فوراً.
فهمت الإمارات الرسالة جيداً ووعت تماماً محاذير تجاوز الخط الأحمر الذي رسمته لها طهران. كما يُنقل في الكواليس عن أمير دبي محمد بن راشد أنه كان قد حذر ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد من مغبة إفساد العلاقة مع إيران، وهي التي إذا أرادت تستطيع قصف بلاده بصاروخين فقط، ما قد يتسبب بهروب كل المستثمرين واستثماراتهم التي تقوم البلاد عليها، وفق أمير دبي. وانتهت زيارة الوفد العسكري الإماراتي لإيران بتوقيع مذكرة تفاهم بين إدارتي حدود البلدين لتعزيز التعاون الأمني على حدودهما.
يقول أحد الدبلوماسيين الإيرانيين إن هذه الانعطافة الإماراتية لاقت انزعاجاً سعودياً، لكن الخيارات ضاقت في وجه أبو ظبي مع حجم الخسائر والأخطار التي تتهددها إن لم تقم بتسوية الأمور مع الجارة طهران. «الدولة الصغيرة» رأت كيف وقف الأميركيون عاجزين عن الرد على إسقاط طائرة لهم وهم «القوة العظمى»، ورأت أيضاً العجز البريطاني أمام احتجاز ناقلة النفط، بل وطرد مدمرة كانت تتبعها لحمايتها بطريقة حملت الكثير من التحدي.
هنا، سؤال وجيه يتبادر إلى ذهن كل متابع: هل جاءت الخطوة الإماراتية الأخيرة باتجاه إيران بإذن أميركي أم كانت عزفاً إماراتياً منفرداً؟ المصدر الدبلوماسي الإيراني نفسه قال لـ«صدى الوطن» إن الأمر في الحالتين هو في صالح إيران. كيف ذلك؟ لأنه وبكل بساطة إذا كانت واشنطن هي من أوعز لأبو ظبي بالتقرب من إيران فهذا يعني أن الولايات المتحدة تحاول إرسال إشارات إيجابية تجاه طهران، بعد أن استشعرت ربما أن كل أوراق الضغط التي تمتلكها قد نفدت في وجه التصلب الإيراني. أما إذا كانت الإمارات قد فعلت ذلك من تلقاء نفسها وأنها هي الأخرى تلمّست الخطر المحدق بها وهي «الدولة الصغيرة» التي لا تكلف إيران عناء إطلاق أكثر من عدد من الصواريخ، فإن الأمر يعد مؤشراً على رؤية جديدة للموقف، تقوم على تقديم مصلحة البلاد على مصلحة أميركا قبل أن يفوت الأوان، ولعل هذا الاحتمال ربما يكون الأقرب بعد التهديد المباشر الذي وجهته إيران للدولة الغنية التي تخشى على أمنها وعلى الاستثمارات فيها من غضب طهران.
خلاصة
رغم كل التوتر الذي يتصاعد حيناً ويخبو حينا آخر، لا يزال الحرص على عدم الانزلاق نحو المواجهة يغلّف مسار الأزمة، ولكن الحشد العسكري إذا ما تزايد في مياه الخليج قد يستدرج تحرشاً بالسفن الإيرانية والعكس صحيح.
وصحيح أيضاً أنه مهما حاولت واشنطن بالتعاون مع حلفائها مد أذرعها في مضيق هرمز، ستظل طهران هي المسيطرة عملياً والقابضة على الأمن، وكل اللاعبين يدركون هذه الحقيقة.
وكل يوم يمر تثبت طهران معادلتها في هذا المضيق: إما أن ينعم الجميع بالأمن ويصدّروا نفطهم وإما لا أحد. فإيران ماضية في سياسة المعاملة بالمثل كخط معتمد لسياستها في المقبل من الأيام، فماذا في جعبة ترامب؟ المزيد من «الأرانب الصغيرة» أم أنه اكتفى؟
Leave a Reply