إل باسو، دايتون – خلال أقل من 13 ساعة، حصدت عمليتا إطلاق نار جماعي 31 قتيلاً في ولايتي تكساس وأوهايو ليل السبت–الأحد الماضي، إذ لقي 22 شخصاً مصرعهم في مدينة إل باسو بولاية تكساس في حين قتل تسعة آخرون فجر الأحد في مدينة دايتون بولاية أوهايو.
وتقع مدينة إل باسو على الحدود مع المكسيك، ويشكل الناطقون بالإسبانية نحو 85 بالمئة من سكانها. أما مطلق النار فيها فهو شاب أبيض في الحادية والعشرين من العمر قاد سيارته لمدة تسع ساعات من إحدى ضواحي مدينة دالاس ليرتكب مجزرة في ساعة ذروة داخل مركز تجاري في إل باسو، في هجوم تشتبه الشرطة بوجود دوافع عنصرية وراءه.
وبعد 13 ساعة على مجزرة إل باسو زرع مسلح، الرعب في أحد أحياء مدينة دايتون بولاية أوهايو عندما أطلق النار على المارة في حي ليلي، فقتل تسعة أشخاص في أقل من دقيقة، قبل أن ترديه الشرطة التي أعلنت أنه شاب أبيض أيضاً في الرابعة والعشرين، لكن لا تزال دوافعه غامضة لاسيما وأن شقيقته كانت من بين ضحاياه.
وبعد الحادثين، ارتفعت العديد من الأصوات في الولايات المتحدة مطالبة السلطات بالتعاطي بجدية مع التهديد الذي بات يمثله «الإرهاب الأبيض»، في حين حمل الرئيس دونالد ترامب مسؤولية المذابح، للأمراض العقلية وألعاب الفيديو، رافضاً اتهامه من قبل خصومه الديمقراطيين بتأجيج خطاب الكراهية في البلاد، قبل أن يتوجه يوم الأربعاء الماضي إلى دايتون وإل باسو لتقديم العزاء وتفقد الناجين والجرحى.
وتشير أحدث الإحصائيات بشأن عمليات القتل الجماعي منذ بداية العام الحالي وحتى 4 آب (أغسطس) الجاري إلى مقتل نحو 280 شخصاً وإصابة 979 آخرين.
خطاب الكراهية
وتداول ناشطون ووسائل إعلام أميركية حديثاً منسوباً لمرتكب مجزرة إل باسو، باتريك كروسياس، يندد فيه بـ«الاجتياح اللاتيني لتكساس»، ويتطرق إلى المجزرة التي ارتكبها رجل أسترالي يؤمن بتفوق العرق الأبيض مستهدفاً مسجدين بمدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا منتصف آذار (مارس) الماضي، ما أدى إلى مقتل 51 شخصاً.
وقالت السلطات إن كروسياس استسلم للشرطة مع تضييق الضباط الخناق عليه. وأظهر تسجيل مصور اقتياد الشرطة له مكبل اليدين إلى سيارة تابعة لها.
وسارع الديمقراطيون إلى اتهام الرئيس دونالد ترامب بتأجيج الخطاب العنصري و«القومية البيضاء» التي يحملونها مسؤولية الاعتداءات والعنف المتصاعد ضد الأقليات.
وكان مركز «ساذرن بوفرتي لو» المتخصص في رصد الجماعات المتطرفة قد أحصى مقتل 81 شخصاً في الولايات المتحدة على أيدي «أفراد متأثرين باليمين المتطرف» منذ 2014، مشيراً إلى أن العام 2018 كان «الأكثر دموية» إذ سجل لوحده مقتل حوالي 40 شخصاً، ليصل العدد الإجمالي حالياً إلى أكثر من 110 قتلى.
وفي أيار (مايو) الماضي، أعلن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (أف بي آي) أنه يحقق في 850 قضية إرهابية محلية يستهدف معظمها نشطاء من اليمين المتطرف أو مناهضين للحكومة.
وقال مايكل ماكغاريتي مساعد مدير قسم مكافحة الإرهاب في الشرطة الفدرالية إن نصف التحقيقات تشمل أفراداً معادين للحكومة الفدرالية أو فوضويين مناهضين للسلطة.
وأضاف خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب أن 40 بالمئة من التحقيقات الأخرى تصب في خانة قضايا العنصرية و«قسم كبير» منها يتعلق بمتطرفين يؤمنون بنظرية تفوّق العرق الأبيض.
قيود السلاح
وإذا كانت مذبحة إل باسو قد أضاءت الخطر المتنامي للإرهاب المحلي والعنصريين البيض، فإن مذبحة دايتون كان من الممكن تجنبها باتخاذ المزيد من التدابير الوقائية لمنع وصول الأسلحة إلى المختلين عقلياً، حسبما كشفت تقارير صحفية أميركية بعد ساعات من الحادث المأساوي.
فقد كشف زميلا دراسة سابقين لمنفذ المذبحة، كونر بيتس (24 عاماً) عن جذور العنف لدى الشاب الذي كان يعد «قوائم قتل» تضم أشخاصاً كان يسعى للتخلص منهم، و«قوائم اغتصاب» لفتيات كان يرغب في الاعتداء عليهن جنسياً.
وتحدث الاثنان، وهما رجل وامرأة، لوكالة «أسوشيتد برس»، قائلين إن بيتس تم إيقافه عن الدراسة في المدرسة الثانوية عام 2012 عند اكتشاف القائمتين بخط يد زميلهما في حمامات الرجال.
ورغم إيقافه عن الدراسة والتحذير من نواياه العنيفة، فإن بيتز لم يكن مقيداً لدى السلطات كشخص خطير بعد انكشاف أمر القائمتين.
وأفادت الشرطة أن بيتس، وهو من سكان مدينة بيلبروك في أوهايو، كان مسلحاً ببندقية مزودة بخزنة يمكن أن تحمل 100 رصاصة، وأنه كان يرتدي واقياً للأذن ومعه بندقية صيد في سيارته.
وكان قائد الشرطة في بلدية دايتون، ريتشارد بيبل، قال إن البندقية التي استخدمت في الهجوم تم شراؤها بصورة غير قانونية من تاجر في تكساس، وأضاف أنه لا يوجد شيء في سجل المتهم يمنعه من شراء السلاح، بحسب الإجراءات المعمول بها حالياً.
مرض عقلي
وبعد مذبحتي إل باسو ودايتون، أكّد الرئيس دونالد ترامب الأحد الماضي أنّ «لا مكان للكراهية» في الولايات المتّحدة، معتبراً أنّ مرتكبي هذه الهجمات يعانون من «مرض عقلي».
وقال ترامب من البيت الأبيض «على أمتنا أن تدين العنصرية والتعصب وتفوق البيض بصوت واحد» وأرجع سبب تصاعد العنف إلى شبكة الإنترنت وألعاب الفيديو العنيفة.
وقبل توجهه إلى أوهايو، الأربعاء الماضي، أكد ترامب عزمه على تشديد إجراءات الفحص الأمني قبل منح رخص شراء أسلحة للمستهلكين، موضحاً بأنه لن يتبنى قانوناً ينتهك حق الأميركيين بحمل السلاح «كما يرغب الديمقراطيون»، في محاولة منه لطمأنة قواعده الناخبة.
وزار ترامب وزوجته حال وصولهما إلى دايتون، المستشفى لعيادة بعض جرحى حادثة إطلاق النار قبل أن يتوجها إلى إل باسو للقيام بالواجب نفسه.
وجاءت مواقف ترامب المتلاحقة، بعدما ارتفعت أصوات كثيرة في الولايات المتحدة تطالب السلطات بالتعاطي بجدية مع التهديد الذي بات يمثّله «الإرهاب الأبيض»، في حين اتّهم الديمقراطيون الرئيس الجمهوري بتغذية هذا العنف بتصريحاته المتفلتة.
في المقابل، تطرق ترامب، إلى الأسباب المحتملة التي أدت إلى المجزرتين، إذ قال إن من بينها ألعاب الفيديو العنيفة التي أصبحت شائعة في المجتمع الأميركي.
وانضم ترامب بحديثه إلى العديد من المسؤولين الأميركيين الذين اعتبروا أن ألعاب الفيديو «تجرد» الأشخاص من إنسانيتهم وتسهل عملية إطلاق النار على الآخرين وقتلهم.
وقال ترامب إنه يدعم ما يسمى بقوانين «العلم الأحمر» التي تسمح للسلطات بمصادرة أسلحة من أشخاص بعد أن يتم اعتبار أنهم يشكلون خطراً جسيماً.
إلا أن تركيز ترامب انصب على المرض العقلي الذي قال إنه المشكلة الرئيسية وراء موجة عمليات إطلاق النار التي قام بها أشخاص مدججون بالأسلحة في المدارس والشركات والمتاجر.
وقال «يجب أن نقوم بإصلاح قوانين الصحة العقلية لتحسين تحديد الأفراد المضطربين عقلياً الذين قد يرتكبون أعمال عنف، وأن نضمن حصولهم على العلاج، وليس ذلك فحسب بل وكذلك حجزهم عنوة إذا لزم الأمر».
وقال: «المرض العقلي والكراهية هما من يطلقان النار وليس البندقية».
وطالب ترامب في خطاب وجهه إلى الأمة، الاثنين الماضي، بتنفيذ إعدامات «سريعة» بحق منفذي عمليات إطلاق النار الجماعي، مبيناً أنه طلب من وزارة العدل العمل على سن تشريعات تتشدد في ملكية السلاح، داعياً الديمقراطيين والجمهوريين إلى التعاون من أجل سن قوانين تشدد من إجراءات الفحص الأمني لمن يشترون الأسلحة، وقال: «علينا أن نتأكد من أن الأشخاص الذين يشكلون خطراً على المجتمع لا يحملون السلاح».
وشدد الرئيس الأميركي في خطابه على ضرورة «وقف تمجيد العنف» في المجتمع الأميركي، مشيراً إلى أن «ألعاب فيديو دامية» باتت ظاهرة منتشرة، خاصة بين من سماهم بـ«الشباب المحبطين». وأضاف: «يجب وضع حد لذلك أو تقليص نطاقه، ويجب أن يبدأ العمل في هذا المسار على الفور. علينا أن نعترف بأن الإنترنت يتيح إمكانيات خطرة تدفع أشخاصاً مضطربين نفسياً نحو التطرف».
ضحايا الأسلحة النارية في الولايات المتحدة
لا يكاد يمر يوم في الولايات المتحدة دون وقوع عملية قتل بالسلاح، سواء بمسدس أو بندقية أو بندقية آلية، الأمر الذي يعني أن عدد القتلى الأميركيين بواسطة الأسلحة يفوق ضحايا الأمراض والحوادث.
ولا يقتصر الأمر على القتل الفردي، فعمليات القتل الجماعي تتزايد بصورة رهيبة في المجتمع الأميركي، خصوصاً بين من ينتمون إلى اليمين المتطرف والذين يؤمنون بتفوق العرق الأبيض.
وتشير أحدث الإحصائيات بشأن عمليات القتل الجماعي منذ بداية العام الحالي وحتى 4 آب (أغسطس) الجاري إلى مقتل نحو 280 شخصاً وإصابة 979 آخرين.
يشار إلى أن بعض أحدث عمليات القتل الجماعي في العام 2019، تمثلت في مقتل 5 نساء في بنك في سبرينغ بولاية فلوريدا وذلك يوم 23 يناير الماضي.
وفي 15 فبراير قتل رجل مسلح 5 عمال في أورورا بإيلينوي على يد عامل فصل من عمله. وفي 31 مايو، قتل مهندس أقيل من عمله 12 شخصاً من زملائه في فرجينيا، و28 يوليو قتل مسلح 4 أشخاص في مهرجان الثوم في غيلروي بولاية كاليفورنيا. وفي 3 أغسطس قتل مسلح 22 شخصاً في إل باسو بتكساس، وفي اليوم التالي قام مسلح بقتل 9 آخرين في دايتون بأوهايو.
Leave a Reply