مرة أخرى، تحتل حوادث القتل الجماعي عناوين الصحف الأميركية. وفي أعقاب مذبحة أخرى للأبرياء، نجد أنفسنا في خضم ما أصبح سلوكاً نمطياً. بعد الصدمة الأولى، نمرّ بفترة وجيزة من الحداد، تعقبها فترة وجيزة أيضاً من البحث عن النفس، ومخططات البيانات التي تذكرنا بعدد الذين ماتوا جراء حوادث القتل الجماعي في الشهر، أو السنة أو العقد الأخير، ويعلق المحللون على ما أصبح فريداً أو غير فريد في حوادث إطلاق النار هذه بعينها، وبالطبع، توجيه أصابع الاتهام إلى أولئك الذين نعتقد أنهم حرضوا أو نظموا العنف. ونختتم الطقوس بمناقشة مقترحات لمعالجة الأزمة.
وبعد مرور أسابيع، ننتظر كالمعتاد حادث إطلاق النار الدراماتيكي التالي –والذي، في الحقيقة، يميل لأن يحدث (فقد وقع بالفعل 250 حادث إطلاق نار جماعي هذا العام). وحتى لو لم يكن إطلاق نار جماعياً، فإن الإحصاءات مذهلة. ففي نهاية الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، بينما كان الأميركيون يركزون على الحوادث التي وقعت في «إل باسو» و«دايتون»، قتل سبعة أشخاص في شيكاغو وأصيب 46 آخرون في حوادث إطلاق نار منفصلة.
لمواجهة هذا التحدي، يقدم «الديمقراطيون» عدداً من المقترحات الخاصة بالسيطرة على السلاح، تشمل: حظر الأسلحة الهجومية، والترخيص، والتحقق بشكل أكثر صرامة من خلفية هؤلاء الذين يسعون لشراء أسلحة. ويبدو أن بعض «الجمهوريين»، الذين حالوا دون صدور معظم تشريعات السيطرة على السلاح في الماضي، يتحمسون لفكرة السماح لقوات إنفاذ القانون بمصادرة الأسلحة من الأفراد الذين لديهم تاريخ من السلوك العنيف، إلا أن المزيد من أنصار تيار اليمين الأيديولوجي يشيرون بشكل غريب إلى أن حل مشكلة عنف السلاح هو وجود مزيد من الأسلحة –في المدارس، ودور السينما والطائرات وأماكن العبادة… إلخ.
وفي حين أنني أعتقد أن مقترحات مكافحة السلاح منطقية، ما زلت مقتنعاً بأننا نفتقد ركيزة أساسية. يمكن للكونغرس ويجب عليه تمرير حظر على استخدام الأسلحة الهجومية وإجراء فحوص لخلفية مشتري الأسلحة المحتملين. لا يوجد سبب مادي يمنع أي شخص من حيازة ما صُمِم كسلاح حرب. وإذا كان يجب أن تحصل على رخصة لقيادة سيارة، لماذا نسمح لأي شخص بشراء سلاح دون الحصول على رخصة أو إجراء فحص للخلفية الأمنية؟
بيد أن هذه المقترحات السليمة لن تحل المشكلة. ولن تحلها كذلك المقترحات الغريبة من المدافعين عن السلاح بأن نحول مدارسنا وغيرها من الأماكن العامة إلى مرافق أمنية مع وجود حراس مسلحين ومعلمي رياض أطفال يحملون أسلحة مخبأة، أو أن نسمح لركاب الطائرات بحمل أسلحة – وبذلك نخلق مواجهة «تتمخض عن دمار متبادل» على متن الطائرات وفي دور السينما وأماكن العبادة، وغيرها.
إن مشكلتنا ليست فقط أن أسلحتنا متطورة للغاية لمصلحتنا (وهي كذلك) أو أننا ليس لدينا ما يكفي منها. إن مشكلتنا أبسط وأعمق. إنها «ثقافة السلاح لدينا» والأسلحة في هذه الفترة.
لقد نشأ جيلي وهو يلعب «رعاة البقر والهنود» أو «رجال الشرطة واللصوص». وإذا لم يكن لدينا لعب على شكل بنادق، لكنا استخدمنا أيدينا للإشارة بضغط الزناد وإطلاق النار. وبدلاً من ذلك، فإن البنادق موجودة في الواقع الافتراضي لألعاب الفيديو، حيث يقومون بتمثيل المزيد من القصص الخيالية لغزاة الفضاء والأبطال الخياليين، وكلهم لديهم أسلحة قوية.
دعونا نواجه الأمر من المهد إلى اللحد، نحن نتغذى على حمية ثابتة من البنادق والعنف. من الرسوم الكاريكاتيرية إلى الغربيين أو عروض رجال الشرطة، إلى ألعاب الفيديو، أصبحت البنادق وإطلاق النار والقتل متغلغلاً في «ثقافتنا العميقة». وأصبحت الأسلحة جزءاً من هويتنا كأمة.
في أعقاب حادث القتل الجماعي لعشرين طفلاً في مدرسة «ساندي هوك» الابتدائية في عام 2013، وبعد أن أصدر الرئيس أوباما أمراً تنفيذياً بمنع الأسلحة الهجومية والحد من مبيعات السلاح، أدهشتني النظرة التي بدت على وجوه المتحمسين لشراء الأسلحة وهم يصطفون للقيام بما كانوا يخشون أن يكون آخر عملية شراء قبل «أن يأخذ أوباما بنادقنا».
وعندما وقّع أوامره التنفيذية، لاحظ أوباما أنه في شهر واحد منذ مذبحة ساندي هوك، قُتِل أكثر من 900 أميركي. ولم يُصدم أي أحد لسماع هذه الأرقام. فمنذ سنوات يقتل ما يتراوح بين 900 و1000 أميركي كل شهر. كما قتل ما يقرب من 10,000 شخص سنوياً، أو أكثر من 100,000 في العقد الماضي. وعند إضافة الانتحار بنيران الأسلحة أو الموت العرضي، يرتفع هذا العدد إلى 33,000 سنوياً، ما يجعل البنادق واحدة من وسائل القتل الرئيسية للأميركيين.
لدينا ما يقرب من 350 مليون بندقية متداولة في الولايات المتحدة، ما يكفي لتسليح كل أميركي. ونصف العائلات تقريباً لديها أسلحة نارية، حيث تظهر الإحصاءات أن هذه الأسر أكثر عرضة مرتين لأن تعاني من العنف المسلح أكثر من الأسر التي لا تمتلك هذه الأسلحة. وبينما يجب أن نشعر بالقلق إزاء الأسلحة الهجومية، فالحقيقة هي أن أكثر من ثلثي جميع جرائم القتل قد ارتُكِبت باستخدام مسدسات –ولم نجر مناقشة جادة عن المسدسات منذ سنوات.
ونحن نعلم كل هذا، ومع ذلك، لا يزال لدينا هاجس مرضي بامتلاك أسلحة، ولكن مع منع أي ضوابط معقولة للسيطرة على حيازتها. وكان اللوبي القوي للأسلحة النارية، والرابطة الوطنية للبنادق، قد أعاقا مراراً الجهود المبذولة حتى للسيطرة المتواضعة على الأسلحة. وعلى سبيل المثال، قبل عدة سنوات، أحبطت «الرابطة الوطنية للبنادق» اقتراحاً في كومونولث فيرجينيا كان من شأنه أن يجعل شراء السكان للأسلحة مقتصراً على سلاح واحد في الشهر. وطريقة عمل هذا اللوبي بسيطة ومباشرة. فهم لا يسمحون بأية مناقشة، ولا تسويات ولا تنازلات ولا يتحملون أي تردد أو علامات ضعف. وهم يخفون دفاعهم المستميت بالدستور، قائلين إن ما هو في خطر هو بقاء الحريات الأميركية. وهم، في هذه العملية، يؤججون مشاعر أتباعهم بشكل أكبر، مما يجعل من المحرمات ليس فقط التفكير في السيطرة على السلاح، بل أيضاً مناقشة الأمر.
Leave a Reply