وليد مرمر
توقفت السيارات والآليات التابعة لما يسمى بـ«فيلق الشام» في معرة النعمان، ونزل المسلحون متعددو الجنسيات ليستمتعوا بحرارة الشمس يوم الاثنين الماضي بانتظار وصول الرتل العسكري التركي المؤلف من عشرات الآليات والدبابات، وذلك بهدف استصحابها لمركز مراقبة جديد سوف ينشئه الأتراك جنوبي خان شيخون بغية إعاقة تقدم قوات الجيش العربي السوري نحو المدينة أو «لنجدة إرهابيي جبهة النصرة المهزومين»، حسب تعبير الخارجية السورية.
لم يتوقع جنود الفيلق أو القوة التركية الغازية حدوث أية مفاجآت، ذلك أنهم كانوا قد أبلغوا القوات الروسية بدخول الرتل إلى الأراضي السورية. بيد أن القيادة السورية كان لها رأي آخر. فما هي إلا دقائق قليلة حتى انقضت نسور الجيش العربي السوري على المجموعتين موقعة عدداً كبيراً من القتلى والجرحى.
لم تعتذر القيادة السورية عن استهداف قوات تركية نظامية. فالرسالة جاءت واضحة لا لبس فيها: لقد أخذ القرار بتحرير خان شيخون بأي ثمن ولو كان هذا الثمن مواجهة دولية بين سوريا والجارة اللدودة المتربصة شمالاً والتي دعا وزير خارجيتها مولود تشاوش أوغلو، الثلاثاء الماضي، دمشق إلى «عدم اللعب بالنار» مضيفاً «سنفعل كل ما يلزم من أجل سلامة جنودنا».
لم تنفع بؤر المسلحين تعزيزات ربع الساعة الأخير التركية. فقد تمكن الجيش السوري من تحرير المدينة الاستراتيجية كلياً مع التمكن من توسيع نطاق السيطرة على الضواحي والأرياف المجاورة لها بحلول يوم الأربعاء الفائت، ليتم بذلك تأمين الطريق الدولية بين حلب ودمشق من الهجمات الإرهابية لمرتزقة «النصرة» ومن حالفهم.
يعتقد المراقبون أن تحرير خان شيخون المتاخمة لإدلب يعتبر تطوراً ميدانياً نوعياً في المكان والتوقيت. حيث بدأ الأميركيون عملياً مع الأتراك عملية «ترسيم المنطقة الآمنة» كأمر واقع ستشمله اتفاقات تهدئة جديدة كتلك التي شملت اتفاقات سوتشي وأستانا حول إدلب. ولكن الرد السوري جاء هذه المرة مدوياً ومنذراً ببدء حرب تحرير إدلب والتي كان من المفترض أن ينسحب منها المسلحون حسب الاتفاقات، وهذا ما لم يحصل.
الآن، يجمع المراقبون أن حرب تحرير إدلب قد بدأت بالفعل وهذا ما أربك الأتراك والأميركيين وحتى الأوروبيين الذين يخشون من تدفق الاف الإرهابيين إلى أوروبا بعد تحرير المدينة.
ولا شك بأن تضارب المصالح والأجندات بين روسيا وتركيا وتحديداً في الشمال السوري بدأ يترجم بإعادة خلط الأوراق وهزهزة الاتفاقات الهشة. لقد تضمنت بنود إتفاق سوتشي في أيلول (سبتمبر) الماضي استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين M4 (حلب–اللاذقية)، وM5 (حلب–حماة) بحلول نهاية 2018. وهذا لم يحصل أيضاً لتعنت الطرف التركي واجتهاداته في تفسير الاتفاق. ولا شك أن تحرير خان شيخون قد رسخ تأمين طريق حلب–حماة بقوة السلاح، وليس بالاتفاقات التي تبقى حبراً على ورق. أما تأمين طريق حلب–اللاذقية فإنه بانتظار لحظة الصفر الروسية–السورية لتحرير جسر الشغور التي يتمركز فيها «أبطال الثورة السورية»، من الآلاف من مقاتلي «الحزب التركستاني» والمئات من «أجناد القوقاز» الذين تم استقدامهم من أذربيجان وأرمينيا وجورجيا والشيشان!
في المقابل يرى بعض المحللين أن ما جرى لم يكن إلا برضا دولي، يسمح بسيطرة الدولة السورية تدريجياً على مناطق خفض التصعيد وذلك إيذاناً ببدء العملية السياسية التي طال انتظارها. فإن توسعة العمليات العسكرية لتشمل مناطق أخرى في إدلب وفي ريف اللاذقية لم يكن ليتم لولا الضوء الأخضر الدولي. لكن في تحليل للوقائع الميدانية الماضية، سيما على تخوم الحدود اللبنانية، يمكن للمراقب أن يستنتج بأنه ليست في الحرب خطوط حُمر بل إن الميدان هو الذي يرسم الخطوط والدوائر. فلقد كانت قرى عرسال والقصير ويبرود في القلمون خطوطاً حمراً دولية ثم جاءت الوقائع الميدانية والإنجازات العسكرية لتعيد رسم الخطوط وتفرض معادلات مغايرة.
وبالعودة إلى الميدان السوري يرى المحللون أن معرة النعمان هي الهدف القادم الأدسم للقوات النظامية لما تشكله من ثقل حيوي واستراتيجي بحكم أنها بوابة الوصل بين شمال ووسط وجنوب سوريا. ولذا فقد كثف الطيران الروسي غاراته على المدينة في الأسابيع الماضية تمهيداً لبدء عملية تحريرها.
ولكن حتى يحين موعد تحرير المعرة أعلنت دمشق يوم الخميس عن فتح معبر إنساني لخروج المدنيين الراغبين من المنطقة التي تشهد تصعيداً عسكرياً منذ أشهر في إدلب ومحيطها الى مناطق سيطرة الجيش النظامي. ومن جهتها، وكي تحد من خسائرها الميدانية ولكي تعيد الأمساك ببعض الأوراق التي خسرتها، سارعت تركيا، وعلى لسان المتحدث باسم الحكومة إبراهيم قالن، إلى الإعلان عن استضافة أنقرة لقمة ثلاثية تجمع رؤساء الدول الراعية لمحادثات السلام في سوريا، إيران وروسيا وتركيا، في 16 أيلول (سبتمبر) المقبل.
وبانتظار ساعة الصفر الإقليمية للحل السياسي، يبدو أن الأسابيع والأشهر القادمة ستشهد حملات عسكرية حاسمة وصولاً إلى مدينة إدلب، آخر المعاقل الرئيسية للإرهابيين.
وإلى حينه، سيواصل الجيش السوري، تضييق الخناق على المسلحين في أرياف حماه وحلب واللاذقية وإدلب بشكل تدريجي وممنهج بما يضمن استعجال الحل السياسي ويوفر لدمشق أوراقاً تفاوضية جديدة سيما بعد فشل مشروع أفغنة سوريا وتحويلها إلى دولة فاشلة.
أما فيما خص الأكراد وسيطرتهم على مساحات شاسعة من شمال سوريا ومحاولة إقامة إقليم كردي بدعم من واشنطن، فتكاد تكون المعضلة الوحيدة التي تجمع سوريا وتركيا للتصدي لها. لكن، وبتفاهمات أميركية–روسية، تم وضع المواجهة بين الدولة السورية والإنفصاليين الأكراد على الرف حتى إشعار آخر، وقُيدت تحركات الجيش السوري في المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية بانتظار جلاء المشهد الإقليمي، لكن من جهتها، تصر دمشق على حقها المشروع باستعادة كل ذرة من التراب السوري، سواء سياسياً أو عسكرياً.
Leave a Reply