الاعتداء على حي معوّض في الضاحية الجنوبية أول خرق من نوعه للقرار 1701
كمال ذبيان – «صدى الوطن»
بعد أسبوع على احتفال لبنان بذكرى الانتصار الذي حققته مقاومته وجيشه وشعبه، في صد العدوان الإسرائيلي صيف 2006، وبعد تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي في 25 أيار عام 2000، وفي اليوم الذي كان اللبنانيون يستعدون للاحتفال بالعام الثاني، لطرد الجماعات الإرهابية من السلسلة الشرقية لجبال لبنان، شنّت طائرتان مسيرتان إسرائيليتان عدواناً على الضاحية الجنوبية، فتعطّلت الأولى، وانفجرت الثانية، بالقرب من الوحدة الإعلامية التابعة لـ«حزب الله» في حي معوّض بالضاحية، وهو الخرق الإسرائيلي الأوضح للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي أوقف الأعمال العسكرية، وليس إطلاق النار في 14 آب 2006، وهو ما اعتبره الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، عملاً عسكرياً خطيراً وخطيراً جداً، كما وصفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأنه إعلان حرب على لبنان.
تغيير قواعد الاشتباك
الاعتداء الإسرائيلي، رأى فيه لبنان محاولة لتغيير قواعد الاشتباك التي فرضتها قدرة المقاومة على الردع بعد حرب تموز. وهو يأتي بعد أن قام بعمليات خرق محدودة للخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة عند الحدود مع فلسطين المحتلة، وتحفّظ لبنان على 23 نقطة عليه، مطالباً بإعادة ترسيم الحدود البرية، وكذلك البحرية، بعد اكتشاف وجود نفط في المياه الإقليمية اللبنانية، لاسيما في المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها مع إسرائيل، التي لم تنفك عن محاولة التلاعب بالخط الأزرق عبر التقدم باتجاه الأراضي اللبنانية، لاسيما في العديسة وكفركلا وعيتا الشعب وبلدات أخرى، لكن الجيش اللبناني كان لها بالمرصاد، كما تتحرك القوات الدولية لمنعها من اختراق الحدود.
وإضافة إلى الخروقات البرية والبحرية، دأبت إسرائيل أيضاً على الخرق الجوي للسيادة اللبنانية، لاسيما عبر إرسال طائرات استطلاع أو الاعتداء على سوريا عبر الأجواء اللبنانية. ورغم أن الأمم المتحدة تسجل الخروق الإسرائيلية لكنها لم تفرض على الكيان الصهيوني أية عقوبات، إلا أن ما حصل في الضاحية الجنوبية مؤخراً، كان بمثابة العودة إلى الأعمال الحربية، بما يتناقض بشكل صريح مع القرار 1701، في انتهاك لا يمكن السكوت عنه، إذا أراد لبنان الإبقاء على قواعد الاشتباك القائمة منذ حرب تموز.
حق الدفاع عن النفس
لم تكد تظهر عبر وسائل الإعلام، الأضرار التي خلّفها انفجار الطائرتين المسيرتين اللتين كانتا مرسلتين إلى هدف قد يكون احد قياديي المقاومة، حتى صدرت مواقف لبنانية رسمية موحدة، تدين العدوان.
تقريباً، لم يبقَ طرف لبناني رسمي أو سياسي أو حزبي من كل الاتجاهات، إلا وأعلن عن حق لبنان في الدفاع عن النفس، وهو ما أبلغه رئيس الجمهورية إلى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبتش وحمّله رسالة يدعو فيها الأمم المتحدة للقيام بدورها في ردع إسرائيل والحفاظ على الأمن على جانبي الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني، وكذلك فعل الرئيس نبيه برّي الذي اعتبر العدوان عملاً خطيراً يضع المنطقة على فوهة بركان، في وقت كان رئيس الحكومة سعد الحريري يستنكر الاعتداء، ويبلغ سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، خطورة ما أقدم عليه العدو الإسرائيلي، بتهديد السلام. كما انعقد مجلس الدفاع الأعلى برئاسة عون، مطالباً الأمم المتحدة بتحمل مسؤوليتها في تطبيق القرار 1701، محتفظاً بحق لبنان في الدفاع عن نفسه، فكان إجماعاً لبنانياً مميّزاً، حول وصف ما جرى بالعدوان، إلا أن البعض حاول استغلال الحادثة لإعادة فتح موضوع «قرار السلم والحرب»، في خطوة جاءت بمثابة تشويش على الموقف الرسمي الموحّد، ولكنها تبقى جانبية مقارنة بالمواقف العدائية تجاه المقاومة أثناء حرب 2006.
توسيع دائرة العدوان
العدو الإسرائيلي، كان قد فتح حرباً على ما يسمى «أذرع إيران العسكرية»، فاستهدف «الحشد الشعبي» في العراق، تحت ذريعة أنه يتحضّر لإطلاق صواريخ باتجاه الكيان الصهيوني، وأغار على موقع للجبهة الشعبية – القيادة العامة برئاسة أحمد جبريل عند سفوح بلدة قوسايا في البقاع الأوسط، والقريبة من منطقة الزبداني، عند الحدود اللبنانية–السورية، حيث يقيم التنظيم الفلسطيني قواعد له، منذ ما قبل ثمانينيات القرن الماضي، وقد استهدفتها إسرائيل مرات عدة خلال عقود.
وتزامن العدوان المسيّر بالطائرتين في الضاحية الجنوبية فجر الأحد الماضي، مع اغتيال عنصرين من «حزب الله» في منطقة عقربا بالقرب من دمشق، كانا في أحد المراكز، وهما ياسر ضاهر وحسن زبيب، اللذان يعملان ضمن وحدة الدفاع الجوي للمقاومة الإسلامية، وهذا ما اعتبره «حزب الله»، استدراجاً له إلى حرب جديدة، يريدها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، للاستفادة منها في انتخابات الكنيست التي ستجري في 17 أيلول (سبتمبر) الجاري، بعد فشله في تشكيل الحكومة عقب الانتخابات التي أجريت قبل بضعة أشهر، وهو ما نبّه إليه الأمين العام لـ«حزب الله» من أن يكون نتنياهو يخوض انتخاباته بدماء اللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين والسوريين، إذ شنّ في اليوم نفسه لعدوان الضاحية اعتداءات على غزة، فردّ عليها المقاومون، بإطلاق صواريخ على المستوطنات القريبة ومنها «سديروت».
رد المقاومة
في اليوم التالي لاعتداء معوض، كان السيد نصرالله على موعد مع كلمة له في الذكرى الثانية لتحرير جرود عرسال، فكان لا بدّ من موقف وردّ على الاعتداءات الإسرائيلية التي اعتبرها خطيرة جداً، مؤكداً أن قرار الردّ عليها اتّخذ فعلاً لكن تبقى مسألة التوقيت. ودون تحديد طبيعة الرد وأهدافه حذر نصرالله من أن المقاومة ستعمل من الآن فصاعداً على إسقاط كل طائرة إسرائيلية تخرق الأجواء اللبنانية مهما كان نوعها، ملمحاً بذلك إلى أن المقاومة بات لديها سلاح دفاع جوي متطور، وأن الشهيدين ضاهر وزبيب من عديده.
العدو الإسرائيلي يعرف منذ عقود، نقطة ضعف لبنان، وهي عدم امتلاكه لمنظومة دفاع جوي، وهو مطلب لبناني دائم، لكن المقاومة سدّت هذه الثغرة، بحسب السيد نصرالله، الذي أشار أيضاً إلى أن للمقاومة بنك أهداف تمتد على كامل خريطة فلسطين المحتلة، فحذّر الإسرائيليين من ردّ المقاومة، متوجّهاً إلى جنود الاحتلال، بأنه سيضطرهم للوقوف على «رِجل ونصف رجل»، في إطار الحرب النفسية التي يتقنها السيد الذي توجّه أيضاً إلى الإدارة الأميركية، مطالباً إياها بـ«ضبضبة» حليفتها ومنعها من الإقدام على أية حماقة، لأن الردّ سيكون قاسياً.
يدرك الإسرائيليون، أكثر من غيرهم، جدية تهديدات «حزب الله»، فالمقاومة لديها قوة صاروخية تقدّر بنحو 150 ألف صاروخ، ومنها صواريخ إيرانية متطورة من «فتح–1» إلى «الناصر»، إضافة إلى امتلاكها لصواريخ روسية من نوع «أس–300» الدفاعية الجوية، ناهيك عن خبراتها العسكرية المتزايدة، لاسيما بعد الحرب في سوريا، التي استقت منها المقاومة دروساً جديدة، ستفيدها في الحرب إن وقعت داخل مدن الجليل المحتل، التي توعّد السيد نصرالله بأن تكون ساحة القتال في أية حرب قادمة.
خوف إسرائيلي
التهديدات التي أطلقها نصرالله، قابلها قادة الاحتلال بجدية مطلقة وهم يعلمون، بأنه صادق بكلامه وأنه سيرد في الوقت المناسب، مما يضع الإسرائيليين في حالة من الخوف والترقب بانتظار الصلية الأولى من الصواريخ أو الطائرات المسيرة التي سبق للمقاومة ان جربت إحداها باسم «أيوب» وطارت في سماء فلسطين.
فالإسرائيليون قلقون من أن يذهب بهم نتنياهو إلى حرب طاحنة فيخوض معركته الانتخابية بدمائهم هذه المرة، وهو ما تحدث عنه الأمين العام لـ «حزب الله»، مما زاد من نسبة التوتر لدى المستوطنين الذين يخشون من أن المعركة القادمة قد تكون داخل الأراضي المحتلة. كما أن محاولة رئيس حكومتهم، إقناعهم بأنه يخوض حرباً استباقية ضد إيران التي تجهز منظمات تابعة لها لشن عدوان على الدولة العبرية، لم تلقَ تجاوباً لدى الجمهور الإسرائيلي، الذي لم يعد لديه الثقة بقدرة جيشه على حمايته، إذ بات كيانهم محاصراً بالنيران من العراق إلى سوريا فلبنان وفلسطين، حيث تتشكل «الجبهة الشرقية» من محور المقاومة، وهي التي طالب فيها خبراء عسكريون عرب، بعد هزيمة حزيران 1967، فجاءت المقاومة لتفرضها.
وأمام التوزانات العسكرية والإقليمية القائمة، لم تعد تكفي التصريحات الأميركية بأن إسرائيل في حالة الدفاع عن النفس، بل هي أصبحت على أعتاب حرب وجودية، تماماً كالشعار الذي رفعه قادة المقاومة بأن الحرب مع الكيان الصهيوني ليست «حرب حدود بل حرب وجود». وكلام السيد نصرالله عن الصلاة في القدس، يحمل معنى كبيراً، وله صدى لا يمكن تجاهله عند الصهاينة.
الكرة الآن في يد السيد نصرالله، وبإمكانه أن يقذفها –بالتوقيت الذي يرتأيه– ويسجل نقطة لصالح المقاومة في المرمى الإسرائيلي. في حين أن الجهود الدبلوماسية لاحتواء رد «حزب الله» ورد فعل إسرائيل المحتمل على رد المقاومة، مرتبطة بالقرار الأميركي الذي سيضبط في النهاية شكل الردّ وحجمه. وقد أبلغ مسؤلون أميركيون وفي مقدمهم وزير الخارجية مارك بومبيو بضرورة ضبط «حزب الله» وعدم الرد، وهو ما رفضته المقاومة التي لن تنزل نتنياهو عن الشجرة بل ستقطعها.
Leave a Reply