على وقع مداهمات وتحقيقات فدرالية طالت كبار المسؤولين في النقابة
ديترويت – بحلول منتصف ليل 14 أيلول (سبتمبر) الجاري، تنتهي صلاحية العقود الموقعة بين اتحاد نقابات عمال السيارات UAW وعمالقة الصناعة في ديترويت –«فورد» و«جنرال موتورز» و«فيات كرايسلر»– وسط التلويح بإضراب عمالي شامل في حال عدم التوصل إلى اتفاق قبل الوقت المحدد.
الإضراب لا يبدو مستبعداً. إذ يتمسك الاتحاد النقابي بزيادة أجور عمال الشركات الأميركية الثلاث التي تطالب، بدورها، بمعاملتها أسوة بالشركات الأخرى التي لديها مصانع في الولايات المتحدة، والتي تدفع أجوراً أدنى للعمال المنتسبين للنقابة.
الاتحاد أعلن يوم الثلاثاء الماضي، عن تصويت الأغلبية الساحقة من أعضائه لصالح تفويض القيادة بقرار الإضراب، مما يمنح مفاوضي UAW ورقةَ ضغط مؤثرة، في الوقت الذي تُجرى فيه المحادثات بالتزامن مع تحقيقات فدرالية مستمرة حول شبهات فساد تطال مسؤولين رفيعين في الاتحاد العمالي، بينهم رئيس الاتحاد غاري جونز الذي تمت مداهمة منزله في بلدة كانتون قبل أيام قليلة.
فجوة تفاوضية
بحسب بيان الاتحاد، صوّت أعضاء UAW البالغ عددهم نحو 152 ألف عامل في الشركات الثلاث، بنسبة ساحقة لصالح التفويض بالإضراب، حيث وصلت نسبة التصويت، بعد جمع نتائج انتخابات الفروع المحلية، إلى 96 بالمئة بين عمال «كرايسلر فيات»، و95.98 بالمئة في «فورد»، و96.4 بالمئة في «جنرال موتورز».
وفيما أعلن الاتحاد عن عزمة بدء المفاوضات مع «جنرال موتورز» أولاً، ثم الانطلاق منها إلى الشركتين الأخريين، يؤكد المفاوضون النقابيون تمسكهم بزيادة أجور ومزايا العمال في العقود الجديدة للسنوات الأربع القادمة، لاسيما بعد التنازلات التي قدمها الاتحاد لإنقاذ صناعة السيارات من الإفلاس إبان الأزمة الاقتصادية عام 2008.
ويرى الاتحاد أن عودة الشركات إلى الازدهار وتحقيقها لأرباح هائلة خلال السنوات القليلة الماضية، يعني بالضرورة تقاسم الأرباح مع العمال، في حين أن الشركات ترى، من جهتها، أن أية زيادة في الأجور قد تنعكس سلباً على خططها المستقبلية.
ويقول مسؤولو الشركات إن الأرباح المحققة تقابلها مصاريف إضافية للتحضير للجيل القادم من السيارات الكهربائية وذاتية القيادة.
وتطالب الشركات الأميركية الثلاث، الاتحاد العمالي بمعاملتها أسوة بالشركات الأجنبية التي لديها مصانع لإنتاج السيارات في الولايات المتحدة، بدلاً من زيادة الأعباء عليها في هذه المرحلة التحولية من تاريخ صناعة السيارات.
وبحسب العقود الحالية، تدفع شركة «فيات كرايسلر» حوالي 55 دولاراً في الساعة من الأجور والمزايا للعمال المنتسبين للنقابة، بينما تدفع «فورد» 61 دولاراً في الساعة، و«جنرال موتورز» 63 دولاراً. أما متوسط أجور العمال النقابيين في مصانع الشركات الأخرى فلا يتجاوز 50 دولاراً في الساعة، وفقاً لـ«مركز أبحاث السيارات».
وفي تعليقه على التفويض بالإضراب، قال جونز في بيان: «لا أحد يذهب إلى مفاوضات جماعية مستخفاً بإمكانية الإضراب»، مؤكداً أن التهديد به سيشكل أداة أساسية في عملية التفاوض والمساومة،
وأضاف بأن النقابة وقفت إلى جانب «جنرال موتورز» في أحلك الأوقات، و«الآن بعد أن عادوا إلى الربحية، حان الوقت لأن يقفوا معنا جميعاً»، مؤكداً على أن الاتحاد سيبذل كل ما بوسعه لحماية مصلحة العمال في هذه المرحلة من تاريخ صناعة السيارات المتغيرة.
وقد ردت «جنرال موتورز» في بيان قالت فيه «إننا نتطلع إلى إجراء مناقشات بناءة مع الاتحاد حول التوصل إلى اتفاق يبني مستقبلاً قوياً لموظفينا وشركتنا».
فساد وتحقيقات
وفيما تحتدم المفاوضات بين الاتحاد العمالي وعمالقة صناعة السيارات الأميركية، تستمر التحقيقات التي يجريها مكتب التحقيقات الفدرالي ومصلحة الضرائب ووزارة العمل الأميركية، حول فساد مسؤولي النقابة في أنحاء متفرقة من البلاد.
ففي أواخر آب (أغسطس) المنصرم –عشية عيد العمال– داهم محققون فدراليون منزل رئيس UAW، غاري جونز، في بلدة كانتون كجزء من التحقيق، حيث تم تفتيش العقار لمدة ست ساعات انتهت بمصادرة عدة صناديق تحتوي على أدلة محتملة في القضية، علماً بأن جونز الذي انتخب لقيادة الاتحاد في خريف 2018، لم توجه إليه بعد أية اتهامات رسمية.
كذلك تمت مؤخراً مداهمة وتفتيش منازل مسؤولي النقابة في كاليفورنيا وويسكونسن وميزوري، إضافة إلى منتجع صيفي يملكه الاتحاد في شمال ميشيغن.
وفي السياق أصدر الاتحاد، الأسبوع الماضي، بياناً قال فيه: «لم تكن هناك حاجة مطلقاً إلى استصدار أوامر تفتيش قضائية من قبل الحكومة»، مؤكداً أنه تمت الاستجابة طوعاً لكل طلب قدمته السلطات الفدرالية طوال فترة التحقيق.
ولغاية الآن، أقر ثمانية أشخاص بالذنب في تهم فساد وُجّهت إليهم بعد الكشف عن تواطؤ مسؤولين نقابيين مع مديرين في شركة «فيات كرايسلر» لإثراء أنفسهم بأموال مخصصة لمركز تدريبي للعمال في ديترويت. وقد اتسع التحقيق مؤخراً باتهام مسؤول نقابي سابق بتلقى رشى وعمولات من شركات خاصة متعاقدة مع الاتحاد العمالي.
كذلك، أقر مسؤول نقابي في اتحاد عمال شركة «جنرال موتورز»، الأربعاء الماضي، بالتواطؤ مع مسؤولين آخرين في قسم الموارد البشرية لتلقي رشاوى مقابل توقيع عقود بملايين الدولارات مع شركات خاصة. واعترف مايكل غريمز بالتهم الموجهة إليه أمام قاض فدرالي في آناربر، وسط حضور عدد كبير من أعضاء النقابة المحتجين على فساد قيادتهم.
وتخيم التحقيقات الجارية بشأن الفساد على مصداقية القيادة الحالية للاتحاد العمالي المعروف بصلاته التاريخية الوثيقة بالحزب الديمقراطي، حيث شهدت مسيرات عمالية أقيمت في أنحاء ميشيغن الأسبوع الماضي، بمناسبة عيد العمال، مطالبات بإجراء إصلاحات شاملة في بنية وقيادة الاتحاد.
أما رئيس الاتحاد الذي تمت مداهمة منزله في كانتون قبل أيام، فقد اختصر مشاركته بالمسيرة العمالية المركزية التي أقيمت في ديترويت، الاثنين الماضي، دون التحدث إلى أعضاء النقابة، فيما رفع نحو 20 متظاهراً لافتات تطالب بإصلاح الاتحاد.
Leave a Reply