وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
جريمة مروعة بكل المقاييس. إنها جريمة قصف سجن ذمار. فقد شنت طائرات التحالف السعودي ليل السبت–الأحد الماضي، سبع غارات جوية على مبنى كلية المجتمع الذي حوّله الحوثيون إلى سجن شمال مدينة ذمار وسط اليمن. المبنى استُهدف بأربعة عشر صاروخاً ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا. آخر الأنباء تحدثت عن مئة وستين قتيلاً وأكثر من ستين مفقوداً، هذا فضلاً عن الكثير من الأشلاء التي لم يتم التعرف على هوية أصحابها.
مع بداية تناقل أخبار المجزرة، حاول التحالف تبرئة نفسه والتنصل من الأمر على لسان المتحدث باسمه العقيد الركن تركي المالكي، وفي مؤتمر صحافي تناول فيه المجزرة قال إن القصف الذي حصل يأتي ضمن قواعد الاشتباك، وإن قواته لم تخطئ في ما فعلت، بزعم أن المبنى الهدف هو موقع عسكري يستخدمه الحوثيون لقصف الأراضي السعودية.
محاولة التنصل من المجزرة
في اليوم التالي، وبعد أن ظهر إلى العلن حجم المجزرة وهولها، وبعدما تكشف العدد الكبير للضحايا، عقد المالكي مؤتمرا صحافياً آخر، حمّل فيه المسؤولية للحوثيين أنفسهم وللصليب الأحمر الدولي، بحجة أنهم لم يبلغوهم بوجود هذا السجن، فظنوه مركزاً عسكرياً ووقع ما وقع.
يقول الكاتب والصحافي اليمني الأستاذ جمال جبران لـ«صدى الوطن» إن ما قام به التحالف في ذمار ما هو إلا محاولة للتغطية على الجريمة التي ارتكبتها القوات الإماراتية قبل عدة أيام من استهداف لقوات هادي عند مدخل مدينة عدن بجريمة أخرى، حيث شنت عشر غارات على قوات هادي المتمركزة عند مدخل عدن، ما تسبب بسقوط عدد كبير من القتلى في صفوف تلك القوات، ربما يصل بحسب جبران إلى نحو ألف قتيل. حتى أنه ذهب أبعد من ذلك في كلامه، متهماً أبو ظبي بالاستقواء على اليمنيين، فيما هي تقف عاجزة عن المطالبة بما تعتبره حقاً لها: الجزر الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.
ألف قتيل، رقم صادم لا يمكن تجاوزه، لكن التعتيم الإعلامي حال دون الكشف عنه، وقد حدث ما حدث بغطاء أميركي خالص، حين صرّح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن للإمارات الحق في الدفاع عن نفسها!
يتساءل الصحافي اليمني عن هذا الحق ومسوّغاته، مستغرباً، كيف يمكن للمحتل أن يدافع عن نفسه في أرض هو يحتلها ويقاتل شعبها على أرضه! أيكون الدفاع عن النفس في مواجهة شعب كان يعيش آمناً، حتى هُوجم وحُوصر حد الإنهاك؟ ولكن يبدو واضحاً أن السيد بومبيو يحاول إسقاط النموذج الذي تعتمده بلاده دائماً حين تستلزم مصالحها غزو بعض الدول بذريعة الدفاع عن تلك المصالح وعن أمنها القومي بشن الحروب الاستباقية.
تقرير الخبراء الأمميين
فريق الخبراء الأممين المكلف التحقيق في الانتهاكات في اليمن أصدر تقريره الثاني، مطالباً مجلس حقوق الإنسان بتجديد ولايته.
وقال الفريق الأممي إن حكومات اليمن والإمارات والسعودية مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان، في حين أن فرنسا وبريطانيا تنقلان أسلحة إلى اليمن مع علمهما بأنها ستُستخدم لارتكاب جرائم حرب.
وأضاف التقرير أن أفراداً في الحكومة اليمنية والتحالف شنوا هجمات قد تُصنف جرائم حرب، موصياً بالوقف الفوري لجميع أعمال العنف المرتكبة ضد المدنيين.
شريكان في الجريمة
وحدد فريق الخبراء الأممين، أشخاصاً قد يكونون مسؤولين عن الجرائم الدولية، وأحال هذه الأسماء على المفوض السامي، كما تضمن تقريرهم أسماء شخصيات كجهات فاعلة في الحرب ومن بينها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووزير الدفاع السعودي اللواء فياض الرويلي، ورئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان، ونائبه محمد بن زايد آل نهيان.
وأشار فريق الخبراء الأممين إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من المعلومات حول بعض الحوادث التي وثقتها المجموعة لتحديد المسؤوليات، مُوصياً بالوقف الفوري لجميع أعمال العنف المرتكبة ضد المدنيين، وبوضع حد فوري لأي تدابير قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة.
وفي تعليقه على متن التقرير يلفت الصحافي جبران إلى أنه يبدو واضحاً أن كتبة التقرير تعمّدوا اتهام جميع الأطراف اللاعبين على الساحة اليمنية ولم يستثنوا أحداً منهم، والهدف من وراء ذلك إفراغ التقرير من أية قيمة عملانية له، فحين يرفضه الجميع سيصبح فارغاً وغير ذي قيمة.
معركة الجنوب
وفي إطلالة على ما يحدث في الجنوب، يقول جبران في تعليقه على إعلان وزير الداخلية في حكومة هادي أحمد المسيري عن أن «لا تفاوض ولا جلسة حوار مع وفد المجلس الانتقالي»، والتي كانت مقررة الأربعاء الماضي، يقول إن ذلك يأتي في سياق السياسة العبثية وغير المسؤولة التي تنتهجها حكومة هادي، فالمسيري لا يمثل شيئاً في واقع الحال، هو وكل حكومته والرئيس هادي الذي يمثله، ليسوا سوى مجرد أدوات في يد السعودية، تحركهم كيفما شاءت ومتى شاءت، هم مجرد لاجئين في فنادقها، لا يملكون حتى التحكم في أوقات نومهم وطعامهم.
وكان المسيري قد أعلن في تصريح له بثته إحدى القنوات الفضائية أن لا تفاوض مع المجلس الانتقالي الجنوبي بل مع أسياده في إشارة إلى الإمارات. ولكن رغم ذلك يعتقد جبران أن مآل الأمور هو حتماً إلى التفاوض، لأن تقديم الدول لمصالحها يطغى على أي شيء، ومصلحة الجميع تقتضي وقف الاستنزاف الحاصل، وفي النهاية سيأتمر الطرفان اليمنيان المتناحران بأوامر الدولتين اللتين يتقاتلان عنهما بالوكالة.
بالتزامن، تستمر المواجهات بين الحماية الرئاسية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة المؤقتة، عدن.
وكانت السعودية قد دعت إلى الحوار بهدف «وقف التصعيد» في جنوب اليمن، بعد سيطرة قوات المجلس الانتقالي على مؤسسات الدولة بدعم إماراتي، وطرد «الحكومة الشرعية» المدعومة من قبل الرياض من عدن.
وفي السياق عينه أعلنت حكومة هادي أنها ستستمر في اتخاذ الإجراءات كافة لإنهاء التمرد المسلح للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً في عدن وأبين.
وعن توصيفه لما يشبه النزاع القائم بين الإمارات والسعودية، لفت جبران إلى أنه وعلى عكس ما يعتقده البعض، فإن الأمر ليس سوى توزيع للأدوار بين الرياض وأبو ظبي، حيث يخفف أحدهما عن الآخر بعض الثقل، وسط ما باتا يوصَمان به من سمعة سيئة في كل المحافل والمنتديات الإنسانية.
في هذا الوقت، دعت الولايات المتحدة الأميركية الأطراف المتنازعين في اليمن إلى التهدئة، معربة عن قلقها الشديد إزاء الاشتباكات الأخيرة في مدينة عدن بجنوب اليمن.
استنزاف التحالف
أما في ما خص القتال المتواصل بين أنصار الله واللجان الثورية والتحاف السعودي، فقد صرّح مصدر عسكري يمني أن القوات المسلحة التابعة للحوثيين قد سيطرت على مواقع للتحالف السعودي قبالة منفذ علب الحدودي بين عسير والسعودية، كما أشار المصدر العسكري نفسه إلى استهداف تجمعات قوات التحالف السعودي بصاروخي زلزال قبالة منفذ علب الحدودي.
عضو المكتب السياسي لحركة «أنصار الله» علي القحوم، لفت إلى أن العمليات التي يقوم «أنصار الله» والمتحالفون معهم ضد المواقع السعودية هي فقط للردع. أما العميد يحيى سريع المتحدث باسم القوات اليمنية، فقد أكد خروج مطار نجران السعودي من الخدمة نهائياً إثر استهدافه بصواريخ باليستية من نوع «بدر ١».
الجدير ذكره هنا هو أن حركة «أنصار الله» وحلفاءها انتقلوا منذ مدة من مرحلة الدفاع والصمود إلى مرحلة الهجوم، فلا يكاد يمر يوم تقريباً إلا ويقومون بالسيطرة على بعض المواقع المتقدمة داخل العمق السعودي، مُوقعين الكثير من أفراد التحالف بين قتيل وجريح وأسير، فضلاً عن استخدامهم المكثف في الآونة الأخيرة لسلاحي الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية ضد المواقع العسكرية السعودية والمطارات.
مآلات الصراع في اليمن
دعوة الولايات المتحدة إلى الحوار ليست سوى لانتشال حليفتها السعودية من المستنقع اليمني الذي غرقت فيه، وهي التي كانت تظن –أي الرياض– أنها لن تحتاج إلا إلى أيام قليلة أو أسابيع على أبعد تقدير لإنهاء تمرد الحوثيين والإتيان بمن يتوافق مع سياستها وينفذ أوامرها على رأس الحكم، لكن حسابات الحقل لم تكن مواتية لحساب البيدر. فتصدى الحوثيون ومن معهم من العشائر والجيش للعدوان وانتقلوا الى الهجوم، بالرغم من الحصار المطبق الذي تفرضه عليهم قوات التحالف، والذي أدى من جملة ما أدى إلى عودة وباء الكوليرا، وهو الوباء الذي قُضي عليه منذ وقت طويل.
وبالرغم أيضاً من المجاعة التي باتت تشمل ثلثي الشعب اليمني، فضلاً عن فقدان الأدوية الضرورية، وكل ذلك على مرأى من المجتمع الدولي الذي يكتفي بإصدار بيانات الإدانة بين الفينة والأخرى، متغاضياً عن أكبر مأساة إنسانية يشهدها العصر الحديث باعتراف الهيئات الأممية نفسها.
كل هذه المعطيات، الميدانية والإنسانية، استنزفت قدرات التحالف وقدرته على مواصلة عدوانه، ولاسيما السعودية والإمارات، اللتان تمثلان رأس حربة في هذه الحرب، على الصعد كافة، المادية منها والبشرية، وبالذات المعنوية، فصور أطفال اليمن الجَوعى، والمجازر التي ترتكب في حقهم يومياً، والملايين الأربعة من الأطفال الذين لم يعودوا إلى مدارسهم بعد، مثل بقية أطفال العالم، والبنية التحتية التي دُمرت عن آخرها في هذا البلد المنهك أصلاً، كلها ستظل وصمة عار تلاحق السعودية وجارتها الإمارات في كل المحافل الإنسانية.
هل يتحمل اليمن المزيد؟
يتوقع الصحافي جمال جبران استمرار الحرب لسنوات إضافية، بل لا يجد لها أفقاً في المدى المنظور، لاعتبارات عديدة، ليس أقلها أن الدول التي كانت وراء إشعال فتيلها، وهي صاحبة العقد والحل في ما يتعلق بمجريات الحرب، تجد في هذه البؤرة المتفجرة سوقاً رحبة للسلاح، فلماذا تغلقها إذاً؟
Leave a Reply