كمال ذبيان – «صدى الوطن»
وفي اليوم السابع، جاء رد «المقاومة الإسلامية»، على الاعتداءين اللذين ارتكبهما العدو الإسرائيلي، في بلدة عقربا بريف دمشق وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، فلم يتأخر وعيد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، بتثبيت قواعد الاشتباك القائمة على توازن الرعب الذي أرسته حرب تموز 2006، فاستهدفت المقاومة آلية عسكرية إسرائيلية في وضح النهار بمستوطنة «أفيفيم» التي كانت إحدى القرى السبع والمعروفة بـ«صلحا» التي قضمها العدو الإسرائيلي في العام 1948 من الأراضي اللبنانية، وهجّر أهلها، بعد ارتكاب مجزرة فيها.
الوعد الصادق
كلما وعد السيد نصرالله، صدق، هذا ما يدركه قادة الكيان الصهيوني جيداً ولذلك أخذ تهديده بالرد على محمل الجد المطلق، فهو لا يهوّل عندما يقول بأن الرد سيكون من لبنان، وفي خارج مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، بل في داخل فلسطين المحتلة، مؤكداً بذلك على قواعد الاشتباك التي تقوم على أن كل اعتداء يستهدف لبنان، سيقابله ردّ في فلسطين المحتلة، وهذه قواعد لم تتخلَّ عنها المقاومة، منذ دحر قوات الاحتلال عن لبنان عام 2000 وانطلاق مساعي مبعوث الأمم المتحدة تيري رود لارسن لترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، بل عملت المقاومة على تأسيس قواعد الاشتباك هذه إلى العام 1996، حين شنت إسرائيل عدوانها الذي سمي بـ«عناقيد الغضب»، وأقرّ وزير الخارجية الأميركية كريستوفر حينها بحق المقاومة في الردّ على أي عدوان إسرائيلي، إذا ما تم استهداف الداخل اللبناني.
تثبيت قوة الردع
العملية العسكرية التي نفّذتها المقاومة من منطقة مارون الراس تمت من موقع هضبة مطلة على مستوطنة «أفيفيم» في وضح النهار، لتثبت قوة الردع التي حاولت إسرائيل كسرها. فكان الرد بأن المقاومة قامت بكسر المحظور وتجاوزت الخط الأحمر الذي كانت تقيمه دولة الاحتلال حول مستوطناتها.
ولعل أبرز ما يمكن قراءته من العملية ومجرياتها، هو أن وعد نصرالله بأن يخوض المقاومون المعركة مقبلة في الجليل الأعلى، ليس كلاماً من سراب، بل المعنى العسكري لعملية مستوطنة «أفيفيم»، التي توجد فيها ثكنة عسكرية تضم حوالي 100 ضابط وجندي من النخبة في جيش الاحتلال، حيث يتمركز في هذه الثكنة اللواء الغربي (برعام)، في أحد كتائبه لحراسة الحدود وحماية الجبهة الغربية ضمن منطقة مسؤولية فرقة الجليل (91) المنتشرة في كامل الجليل الأعلى المحتل.
الرصد والإعلام
منذ إعلان السيد نصرالله أن المقاومة سترد، قام جيش الاحتلال بإخلاء معظم مراكزه ومواقعه الحدودية، وتجنّب ضباطه وجنوده الظهور في مرمى سلاح حزب الله على الجانب، فتراجعت الدوريات وقبع المستوطنون في الملاجئ، وخلت الشوارع من السكان الذين امتنعوا عن الذهاب إلى أعمالهم وفق تقارير إعلامية رصدت الحركة في المستوطنات المحاذية للحدود مع لبنان.
نجحت المقاومة مرة أخرى في حربها النفسية مع العسكريين الإسرائيليين والمستوطنين الصهاينة، إذ تمكنت، وعلى مدى أيام من رصد تحركات العدو، إلى أن كان يوم الأحد في أول أيلول، عند الرابعة بعد الظهر، فتمّ تنفيذ عملية الرد على الطريق 809 الواصل بين مستوطنتي أفيفيم ويبرؤون، بصاروخ «كورنيت» روسي الصنع والذي يصل مداه إلى 5,500 متر، مستهدفاً عربة مصفحة من نوع «وولف» إسرائيلية الصنع كان بداخلها ثمانية أفراد.
ورغم محاولة الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتياهو نكران وقوع إصابات في صفوف الجيش، إلا أن مستشفى «رابام»، ووسائل إعلام، كشفت عكس ذلك، وقد تردد بأن قائد الجبهة الشمالية العسكرية، كان على متن الآلية، لكن لم تتأكّد المعلومات عن عدد الإصابات بفعل الرقابة العسكرية على الإعلام، في حين كانت المشاهد المصورة التي بثتها المقاومة للعملية خير دليل على وقوع إصابات محققة في العربة.
نتنياهو ارتاح
والعملية التي نفّذتها المقاومة، ووزّعت وقائعها على وسائل الإعلام، كما وعد السيد نصرالله بأنه سينقل المعركة عبر شاشات التلفزة لو قرّرت إسرائيل توسيعها، أرادتها المقاومة أن تكون عملية محدودة في المكان والزمان، وبأن تظهر العدو في موقع الدفاع وليس الهجوم، كما كان يفعل في السابق، وكأن المقاومة بذلك بدأت تتحكم في اللعبة، بحيث جاء الرد الإسرائيلي بإطلاق 100 قذيفة عند أطراف بلدتي مارون الراس وعيترون، لمنع تقدم مفترض للمقاومين لاقتحام المستوطنة وعندما اكتفت المقاومة بهذا الرد، ارتاح نتنياهو ولاذ بالصمت، بعدما ألقى تهديد المقاومة بالرد، عبئاً ثقيلاً عليه قبل حوالي أسبوعين من موعد انتخابات الكنيست والذي ستجرى بعد أن اشتدت المعارضة بوجهه، وحمّلته مسؤولية مغامراته العسكرية التي قد تؤدي إلى فشله في الانتخابات المقررة في 17 سبتمبر، والتي قد يذهب بعدها إلى السجن، بتهم الفساد المصوّبة عليه وعلى وزوجته سارة.
قوة لبنان
أثبت رد المقاومة المدروس قوة الردع، وأن لبنان لم تعد الدولة التي تستباح أرضها وسماؤها، ويدخلها العدو الإسرائيلي ليعيث فيها قتلاً وتخريباً… فهذه مرحلة انتهت، ولا عودة إلى الزمن الذي كان فيه جيش الاحتلال يهدد بضرباته العسكرية ويعتدي على الشعب اللبناني دون رادع، إذ أن مقولة «قوة لبنان في ضعفه» التي سادت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، انتهت. والمعادلة الجديدة التي رسخها الميدان أصبحت أن «لبنان قوي في جيشه وشعبه ومقاومته»، فالجيش يقف عند الحدود بمواجهة العدو الإسرائيلي، ويتصدّى لخروقاته، كما لطائراته المسيّرة، بقرار سياسي رسمي، وقد أثبت الجيش أن لديه الجهوزية والقدرة على المواجهة، ولا ينقصه سوى أن يتزوّد بالسلاح، لاسيما الدفاع الجوي، الذي يتبيّن أن المقاومة باتت تمتلكه أو على وشك ذلك، مما قد يبدّل المشهد كلياً.
اللبنانيون باتوا يشعرون بامتلاك القوة بوجه العدو الذي انتهك وطنهم لعقود، رغم أن البعض مازال يتحدث في الداخل عن «قرار الحرب والسلم»، وضرورة «حصر السلاح في يد الدولة».
لكن من الواضح أن هؤلاء السياسيين، يتماهون مع المطالب الأميركية أكثر من اهتمامهم بقوة لبنان وضعفه، في حين أن الموقف الرسمي اللبناني الموحّد، والاحتضان السياسي والشعبي للمقاومة، عزز من وضع الجبهة الداخلية في لبنان بالرغم من الخلافات السياسية الداخلية المتشعبة. أما أن يتوحد اللبنانيون على مقاومة العدو الإسرائيلي، فهو تطوّر متقدم، عكس نفسه ارتياحاً لدى قيادة «حزب الله».
ماذا بعد؟
بعد رد المقاومة على العدو الإسرائيلي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا بعد؟ فأتى الجواب من السيد نصرالله بالتأكيد على أن الأجواء لن تكون مشرعة للطائرات الإسرائيلية، ولا البحر مرتعاً لبوارجها، ولن يكون لبنان مستباحاً للعدوان والاغتيالات، وهذه الثوابت التي أعلن عنها قائد المقاومة، لم تتمكن الاتصالات الدبلوماسية من زعزعتها باستجداء عدم الرد أو لجمه، بل ثبتت المقاومة قواعد الاشتباك مرة أخرى وأكّدت على أن توازن الردع قائم، موجهة رسائل إلى كل مَن يعنيهم الأمر، لاسيما الإسرائيليون ومن ورائهم الأميركيون، بأن «ينضبّوا».
وبالفعل تمكنت المقاومة من تعطيل الحياة في المستوطنات الصهيونية، فيما كان الجنوبيون من سكان القرى والبلدات المجاورة لفلسطين المحتلة، ينعمون بالراحة والاطمئنان.
Leave a Reply