وليد مرمر
المرسل: براين هوك، وكيل وزارة الخارجية للشؤون الإيرانية
المستلم: أخيليش كومار قبطان سفينة «أدريان داريا 1»
التاريخ: 26 اغسطس
– «أنا براين هوك، أعمل لدى وزير الخارجية مايك بومبيو، وأخدم كممثل للولايات المتحدة للشؤون الإيرانية. أكتب إليك أيها القبطان كومار لأنبئك بأخبار سارة. إن الولايات المتحدة تعرض عليك عدة ملايين من الدولارات إن قبلت بأن ترسو سفينتك في أي بلد تستطيع فيه الولايات المتحدة احتجاز السفينة ووضع يدها على حمولتها».
للوهلة الأولى لم يصدق القبطان الهندي عينيه وظن أن البريد الإلكتروني ليس سوى عملية احتيال. ولكن ما أن وقعت عيناه على الرقم المذيل في أسفل البريد، وهو رقم رسمي تابع للخارجية الأميركية، حتى تأكد له أن الرسالة صحيحة ومصدرها الخارجية الأميركية فعلاً!
وهذا البريد، حسب صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، ليس الأول من نوعه من السيد هوك لقباطنة من دول مختلفة يربو عددهم على 12 في الأشهر القليلة الماضية، في محاولة منه لترعيبهم وإفهامهم بأن مساعدة إيران في نقل إنتاجها النفطي سيكون ذا عواقب وخيمة عليهم.
وهذا بالضبط ما حصل للكابتن الهندي عندما رفض الانصياع للطلب الأميركي، حيث أعلنت الخزانة الأميركية إدراج الناقلة النفطية على اللائحة السوداء وإدراج اسم القبطان على لائحة العقوبات بحيث جمدت أي أصول قد تكون لديه في الولايات المتحدة وجرمت أي معاملات مالية معه.
وفي رده على هذه الأنباء كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في حسابه على «تويتر»: «بعد فشلها في القرصنة، تلجأ الولايات المتحدة إلى الابتزاز المباشر: سلمونا نفط إيران وتلقوا عدة ملايين من الدولارات أو عرضوا أنفسكم لعقوبات».
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتيغاس، لم تنف الخبر بل أكدت ما أوردته «فاينانشال تايمز»، وردّت على تغريدة ظريف مستعملة مفرداته، متهمة إيران بـ«الابتزاز المباشر» بسبب مطالبتها بالحصول على 15 مليار دولار من الدول الأوروبية الكبرى، بضمانة صادرات نفطها، وإلا ستتخلى طهران عن التزاماتها النووية!
ولكن يبدو أن المفاوضات الأوروبية–الإيرانية هذه، قد وصلت إلى طريق مسدود، حيث أعلن الرئيس حسن روحاني في مؤتمر صحفي الخميس الفائت، أن بلاده ستعلن عن تخفيض جديد في التزاماتها –فيما يعرف بالمرحلة الثالثة من الاستراتيجية الإيرانية للحد من الالتزامات النووية تجاه المجتمع الدولي– حيث ستزيد طهران من نشاط وكالة الطاقة الذرية متجاوزة قيوداً تتعلق بمجال الأبحاث وتطوير التكنولوجيا النووية اعتباراً من اليوم التالي.
عجزت أوروبا إذن عن إنقاذ الاتفاق النووي تحت الضغوط الأميركية، وهو ما يبرر للإيرانيين تخليهم تدريجياً عن التزاماتهم باتفاق فيينا، وهو ما يعيد الأمور إلى المربع الأول، أي إلى ما قبل العام 2015 عندما تم توقيع الاتفاق النووي بين دول الـ5+1 وبين الجمهورية الإسلامية بعد مفاوضات ومباحثات مضنية استمرت لما يقارب من 13 عاماً.
لقد شكلت العقوبات الأميركية المشددة على إيران ضغطاً غير مسبوق وقد وصفها ترامب بأنها «أقسى عقوبات على الإطلاق»، بحيث منعت الولايات المتحدة طهران من تصدير نفطها ومشتقاته، قبل أن تتشعب العقوبات لتشمل قطاعات حيوية أخرى، كالتأمين وصناعة السيارات والسجاد واستيراد قطع الطيران وشتى المعاملات البنكية. أما آخر دفعة من العقوبات، الثلاثاء الماضي، فطالت وكالة الفضاء الإيرانية لاتهامها بتطوير صواريخ باليستية تحت غطاء برنامج مدني لإطلاق أقمار صناعية، هي اتهامات نفتها إيران معلنة إن برنامجها الفضائي هو لأغراض مدنية.
الولايات المتحدة صرحت علناً بأنها تريد تصفير الصادرات النفطية الإيرانية والتي تشكل 80 بالمئة من عائدات إيران، فانسحبت عشرات الشركات العالمية من إيران وأوقفت استثماراتها إلى أجل غير مسمى خوفاً من أن تشملها العقوبات. ولكن مع ذلك، وبرغم ثقل وطأة العقوبات، لا يبدو أن لها أي تأثير يذكر على النظام السياسي الذي ما يزال يحظى بدعم شعبي واسع. بل إن تكيف طهران مع العقوبات والمرونة التى يبديها الشعب الإيراني وتمسكه بحقوقه الأساسية هي أمور قد فاجأت كل المراقبين والمحللين الذين تنبأ معظمهم بسقوط النظام لدى تشديد الخناق الاقتصادي.
بالفعل، حولت العقوبات إيران من ثاني أكبر مصدّر للنفط بأكثر من مليوني برميل يومياً إلى دولة تبحر أحدى سفنها لأكثر من شهرين في المياه العالمية غير قادرة على بيع حمولتها. وفيما تمخر «أدريان داريا 1» عباب المتوسط، لا تجد مرفأ واحداً يستقبلها خوفاً من السوط الأميركي وعلى متنها أكثر من مليوني برميل من النفط الذي لا يجد من يشتريه.
لكن في الختام لا بد من التساؤل: متى كانت العقوبات الاقتصادية ناجعة في تغيير الأنظمة أو في التأثير على أدائها؟ ولنا في العقوبات الأميركية على العراق إبان حكم بيل كلينتون خير دليل بأن المواطن العادي هو دائماً من يكون «كبش المحرقة» في الصراع بين الدول.
Leave a Reply