«ستون عاماً من الخداع»
بيروت – صدر حديثا للكاتب الفلسطيني، محمد سعيد دلبح، كتاب يتناول تجربة حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح». عنوان الكتاب الصادر عن دار الفارابي في بيروت: «ستون عاماً من الخداع: حركة فتح من مشروع الزعيم إلى مشروع التصفية».
الكتاب الجديد دراسة نقدية موثقة لمسار حركة «فتح»، التي احتلت منذ عام 1968 الموقع القيادي الأول في الساحة الفلسطينية، حيث وضعت قيادتها بصماتها على النضال الوطني الفلسطيني سلباً وإيجاباً، وقادت الشعب الفلسطيني في ميدان الكفاح المسلح، ولكنها انتهت في ميدان التسوية السياسية بما اشتملت عليه من تنازلات وتفريط بحقوق الشعب الفلسطيني في وطنه.
يتزامن صدور الكتاب مع الذكرى السنوية الستين لتأسيس حركة «فتح» في أواخر عام 1959، ويقدم المؤلف قراءة جديدة لمسيرة الحركة ومواقف قياداتها والمسار الذي انتهجته، فقد رفعت في البداية سقف التوقعات، وبعد ذلك ومع كل انتكاسة وهزيمة عملت بشكل حاذق على تجريع الشعب سم التفريط بالوطن قطرة قطرة.
ولأن ياسر عرفات قاد حركة «فتح» والمقاومة الفلسطينية المعاصرة وسعى إلى تكريس نفسه زعيماً لا ينازعه أحد للشعب الفلسطيني، يرى المؤلف أن عرفات ساهم في تدجين الشعب الفلسطيني، وتحويل الخيانة الوطنية إلى وجهة نظر لا تستحق أن يحاسب مرتكبها وفقاً لقانون الشعب والثورة، خلافاً لما سبق أن حذر منه القيادي في حركة «فتح»، الشهيد صلاح خلف (أبو إياد) في مذكراته «فلسطيني بلا هوية» حين قال: «أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر».
ويرى المؤلف أن قيادة «فتح» بزعامة عرفات قايضت وجودها وبقاءها والإبقاء على مصالحها الشخصية بالتخلي عن الجزء الأكبر من فلسطين لقاء وهم سعت إليه منذ تأسيسها بإقامة دولة على أي جزء من فلسطين تسمح موازين القوى بالتوصل إليه.
ويأخذ المؤلف على قيادة حركة «فتح» تركيزها منذ اليوم الأول لتأسيسها على «فلسطنة» القضية، رغم الكم الهائل من الدراسات والمشاريع الاستعمارية والصهيونية التي يتضح منها أن المرحلة الأولى لتحقيق الهدف الاستعماري البريطاني–الأميركي كان إقامة كيان يهودي صهيوني في فلسطين يمتلك إمكانيات القوة والتوسع، ويكون سيفاً مسلطاً على رقاب شعوب المنطقة، ومدخلاً للسيطرة على المنطقة ويمنع وحدتها ويضمن ضعفها، ويحرم شعوبها من شروط النهضة الحضارية، ويستنزف ثروات المنطقة والمواد الخام التي تختزنها أرضها وخاصة النفط، ويحولها إلى سوق للسلع الاستهلاكية الغربية، وتم البدء بفلسطين لأنها تمثل الدرة وواسطة العقد.
المؤلف يؤكد أنه ليس غريباً عن الحركة التي يتناولها في كتابه، فهو ينتمي إلى جيل شهد انتصارات حركة التحرر العربية وهزائمها، وعايش حركة «فتح» صعوداً وهبوطاً، ويعرف معلومات لا يعرفها كثيرون، ولذا فهو يهدف إلى تسليط الضوء على تطور الحركة عبر الزمن من حركة وصفت نفسها أنها ثورية إلى مفرّطة بحقوق شعبها، ويقدم تفسيرات للأسئلة: «لماذا؟ ومتى؟ وأين؟» تم اتخاذ القرارات التي أوصلت الشعب الفلسطيني إلى نهاية طريق مسدود. ويكتب المؤلف من موقع المطلع والمتابع والناقد. وقد يفسر البعض نقده بأنه انحياز شخصي لموقف معارض. لكن الحقائق والوقائع، الصادمة أحياناً، لا تترك مجالاً لتأويل مختلف يبرر للقيادة ما فعلت.
ويوجه المؤلف سهام النقد إلى المواقف التي اتخذتها المنظمات الفلسطينية الأخرى في رفض مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، ويرى أنها لم تكن سوى رفض أجوف لم يستطع أن يوجه القطار المندفع إلى أي طريق آخر، فمعظم الفصائل الفلسطينية كانت تستقل القطار الذي كان يقوده عرفات وعصبة من مؤيدي سياساته، فيما الآخرون ركاب يلوكون آراء يتداولونها يميناً ويساراً، ولكن لا تأثير لها على وجهة هذا القطار والمحطة التي يعتزم سائقه التوقف عندها». ومن المحزن أن اتفاقيات الحكم الذاتي كانت المحطة التي وصلها قطار عرفات ومؤيديه. لكن المؤلف يرى أن هذه النتيجة المأوساوية تعود جذورها إلى الوهم الذي روجت له قيادة «فتح» منذ فترة تأسيس الحركة عام 1959.
الكتاب موسوعي الحجم، ويتكون من 520 صفحة من القطع الكبير، وهو متوفر حالياً في المكتبات في كافة الدول العربية وعدد من الدول الأجنبية.
Leave a Reply