أحد أبرز روّاد العمل السياسي العربي الأميركي في ديربورن
حسن عباس – «صدى الوطن»
قليلة هي الشخصيات التي نجحت في تأسيس المزاج الحقوقي وتفعيل الحراك السياسي في المجتمع العربي بمنطقة ديترويت التي شهدت منذ عشرينيات القرن الماضي موجات متلاحقة من المهاجرين العرب الذين كانوا على مدى عقود عرضة للإقصاء والتهميش، قبل أن يصبحوا في السنوات الأخيرة قطباً رئيسياً في الحياة السياسية بولاية ميشيغن.
وقلّ من يجادل بأن الحياة الديناميكية للمحامي اللامع عبد حمود، وخبرته القانونية التي تمتد لأكثر من عقدين، على المستويين المحلي والفدرالي، تعكس صورة ذلك الحراك الاجتماعي والسياسي للعرب الأميركيين، الذين تتوالى نجاحاتهم في شغل المناصب الحكومية العامة، بشكل لم تعد معه ديربورن عاصمة العرب الأميركيين لكونها المدينة الأكثر كثافة عربياً في الولايات المتحدة، وإنما لكونها باتت نموذجاً يُحتذى به، في عالم المهاجر والاغتراب.
وأكثر من كونه مهنياً بشكل يدعو للتقدير والإعجاب، فقد كان المحامي اللبناني الأصل في طليعة الشخصيات التي صبت جهودها على تآلف القوى السياسية في المجتمع العربي الأميركي بولاية ميشيغن، وتوحيد كلمتها ورصّ صفوفها، مكافحاً –بلا تلكؤ ولا هوادة– كل سلوكيات التقسيم والتفريق، وباذلاً أقصى الجهود من أجل خلق منصة موحدة تنشد تحقيق التمثيل السياسي العادل للعرب الأميركيين في كافة المستويات الحكومية. وإن نظرة سريعة على المناصب الحكومية والقضائية والإدارية المرموقة، على مستوى مقاطعة وين وولاية ميشيغن، تبثت أن جهود حمود، وجهود زملائه الآخرين، لم تذهب أدراج الرياح.
من الهندسة إلى الحقوق فالسياسة
هاجر حمود (٥٣ عاماً) من لبنان إلى فرنسا عام ١٩٨٥ ومن ثم التحق بعائلته في الولايات المتحدة عام 1990، بعد حصوله على شهادتي البكالوريوس والماجستير في الهندسة من فرنسا، وبعد أن حط رحاله في مدينة ديربورن اكتشف ابن مدينة تبنين الجنوبية ولعه بالسياسة، ولكن كان عليه أولاً أن يتعلم اللغة الإنكليزية.
وفي هذا السياق، أفاد لـ«صدى الوطن»، بالقول: «أول شيء كان عليّ فعله، هو تعلم اللغة الإنكليزية، وقد تعلمتها في جامعة «وين ستايت» التي تخرجت منها لاحقاً حائزاً على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال». وأضاف: «خلال ارتيادي للجامعة ومواظبتي على حضور الفعاليات المجتمعية، أدركت مدى حبي للسياسة»، لافتاً إلى أن «الكثيرين ممن يمارسون السياسة، يمارسون القانون أيضاً، فالمحامون يلعبون دوراً كبيرا في الحياة الأميركية»، على حد تعبيره.
اهتمامه بالسياسة وإصرار والده على إكمال تعليمه العالي، دفعاه إلى الالتحاق بكلية الحقوق في جامعة «وين ستايت» التي وجد فيها ضالته لتعميق معرفته بالوطن الجديد وتعزيز انخراطه واندماجه بالمجتمع الأميركي. وعندما انتسب لكلية الحقوق، كان قد مضى على دخوله إلى الولايات المتحدة عامان فقط، مدركاً على الفور أن الكلية الجديدة ستعلمه «قدراً هائلاً عن ثقافة البلد وتقاليده، وهذا ما حصل بالفعل».
وخلال دراسته الحقوق، تدرب حمود في مكتب الادعاء العام بمقاطعة وين، ولدى حضوره استجواباً في قضية رفيعة المستوى، عرف حمود في قرارة نفسه أنه وجد ما يبحث عنه، ألا وهو العمل في حقل الادعاء العام. وبعد التخرج، تم تعيينه في مكتب الادعاء العام بمقاطعة وين، حيث شغل حمود منصب مدع عام في مكتب الادعاء بالمقاطعة، لقرابة 15 عاماً.
خلال سنوات عمله، كمدع عام، لم تقتصر جهود حمود على الاهتمام بمنصبه، وإنما واظب على تشجيع الشباب العرب والمسلمين نحو الخدمة العامة، والسعي لشغل وظائف في الدوائر المحلية والفدرالية، بدلاً من الاكتفاء بالعمل في القطاع الخاص الذي يدر عليهم أرباحاً أكبر، مقارنة بعوائد الوظائف الحكومية.
وبناء على طلب حمود وتوصياته، تم تعيين العديد من طلاب كلية الحقوق العرب الأميركيين كمتمرنين في مقاطعة وين، وتم لاحقاً تعيين عدد قليل منهم كمساعدين للمدعين العامين، كما تم تعيين بعضهم الآخر في مناصب قضائية أعلى، سواء في مكتب الادعاء العام، أو في المواقع الحكومية الأخرى.
وفي نهاية 2006، تم تكليف حمود بقيادة «وحدة مكافحة جرائم الاحتيال العقاري» بمقاطعة وين، من قبل المدعي العام كيم وورذي، وهي وحدة تشكلت قبل أزمة الرهون العقارية في 2008. وقد تمكن القانوني اللبناني الأصل من تحصيل منح فدرالية لتوسيع فريقه، وأصبحت الوحدة معروفة على المستوى الوطني، لتفوز على أثر ذلك، بالعديد من الجوائز الهامة.
وخلال ترؤسه لـ«وحدة مكافحة جرائم الاحتيال العقاري»، قام حمود بصياغة مشاريع قوانين تتصدى لاحتيال الرهون العقارية، وقد تم تبني مشاريع تلك القوانين من قبل مجلس ميشيغن التشريعي في 2011. ونظراً للتداخل بين الاحتيال البنكي والاحتيال العقاري، فقد جذبت خبرة حمود اهتمام المدعين العامين، وبوجود منصب شاغر في مكتب المدعي العام الفدرالي السابقة باربرا ماكويد، سنحت الفرصة أمام القانوني اللبناني لتحويل مسيرته القضائية إلى المستوى الفدرالي.
ووصف حمود تلك النقلة، بأنها كانت «تحولاً طبيعياً» في مسيرته المهنية، مشيراً إلى أن خبرته في مكتب الادعاء العام بمقاطعة وين كان لها أكبر الأثر في ذلك، مؤكداً «أنه كان يرغب دائماً بالعمل في الحكومة الفدرالية، والمساهمة في إثراء خلفيات العاملين فيها، بما في ذلك، اللغات التي يمكن الاستفادة منها في ذلك المجال».
وفي أيار (مايو) من العام 2011، أدى حمود اليمين الدستورية كمساعد مدع عام فدرالي بديترويت، وتم تعيينه للعمل ضمن وحدة مخصصة لمكافحة الجرائم المالية White–Collar Crime. وقال: «لقد أردت تبديد الأسطورة القائلة بأن العرب والمسلمين لا يمكنهم شغل مناصب في النيابة العامة بالحكومة الفدرالية، وكذلك توضيح أن المواطنين المجنسين يمكن الوثوق بهم لخدمة بلدهم بأقصى درجات النزاهة والكفاءة».
خبرة حمود اللغوية ومعرفته الثقافية بشؤون الشرق الأوسط، أدتا إلى اختياره مستشاراً قانونياً لوزراتي العدل والخارجية الأميركيتين، في سفارتي الولايات المتحدة لدى مصر والكويت، خلال عامي 2016 و2017.
وخلال السنوات الثماني التي قضاها في منصب مساعد المدعي العام الفدرالي، تولى حمود الكثير من القضايا البارزة، قبل أن يستقيل مؤخراً ويقوم بتأسيس «مكتب عبد حمود للمحاماة» في ديترويت، ليبدأ بذلك فصلاً جديداً في حياته المهنية. ووصف هذه الخطوة بأنها «شيء كنت أفكر به منذ بعض الوقت»، وقال: «لقد أردت دائماً ممارسة المحاماة بطريقة تتسم بالكفاءة والأخلاقية، وإنني أؤمن بأن توفير تمثيل قانوني جيد هو خدمة للناس أيضاً، خاصة في المجتمعات الإثنية التي لا تحصل غالباً على خدمة جيدة من قبل المحامين الذين قد لا يفهمون ثقافتها وقضاياها، ولا حتى لغتها في أحيان كثيرة».
وأوضح أن مكتبه القانوني لن يقتصر على خدمة العرب والمسلمين، وإنما سيخدم كل من يحتاج لتمثيل قانوني جيد، خاصة في مجال القانون الجنائي، في المحاكم المحلية والفدرالية على حد سواء.
تأسيس «أيباك»
بعد إدراكه لحاجة العرب الأميركيين الماسة إلى تنظيم حملات انتخابية حقيقية وخلق آليات دعم مثلى للمرشحين السياسيين، بادر حمود إلى تأسيس «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) في 1998، حيث قام في البداية بإنشاء المنظمة وتسجيلها، ودعا مجموعة من المهنيين العرب الأميركيين للانضمام إليها، كان في مقدمتهم ناشر «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني، معلناً عن إطلاق «أيباك» كجهد جماعي.
لم يكن تأسيس «أيباك» خطوة يستهان بها، كمنظمة تتولى تفحص الشعارات والرؤى الانتخابية للمرشحين للمناصب العامة، ومدى تفهمهم لمصالح العرب الأميركيين وحقوقهم المدنية والدستورية. ومنذ إنشائها، حققت المنظمة نجاحات هائلة في إيصال الكثير من المرشحين إلى مواقع المسؤولية، كان آخرهم النائبة في الكونغرس الأميركي رشيدة طليب التي غدت صوتاً أساسياً في المشهد السياسي الأميركي.
قبل تأسيس «أيباك»، كان المرشحون يعوّلون على المنظمات الاجتماعية غير الربحية التي لا يمكنها رسمياً ولا قانونياً القيام بدعمهم. وفي هذا الإطار، قال حمود: «إلى جانب ذلك، فقد لاحظت انتشار ظاهرة سميتها: فردانية السياسة، حيث الأفراد يدعمون المرشحين مقابل خدمات ومصالح شخصية». وأضاف: «لقد وجدت أن هذه الظاهرة لم تكن جيدة ومفيدة، لأنها سمحت للسياسيين بمكافأة داعميهم بدلاً من تقديم الخدمات المجتمعية التي يمكن أن تعالج مشاكل المجتمع وتسهم في تقدمه».
لقد سعى حمود إلى إنشاء منظمة تمارس العمل السياسي، «بشكل رسمي وصريح ومنفتح»، وقام بصياغة أول نظام داخلي لها الذي يركز على عملية صنع القرار بشكل جماعي، ومنح سلطة تمثيلية للأعضاء على قاعدة أن «لكل شخص واحد صوت واحد»، إضافة إلى مناقشة جميع القضايا وطرحها للتصويت في اجتماعات مفتوحة أمام العموم.
وفي هذا السياق، قال حمود: “لقد كانت الفكرة أنه مع اتخاذ القرارات الجماعية، تتلاشى المصالح الشخصية، ويُفسح المجال أمام تحقيق المصلحة العامة للمجتمع”.
ولا بد من الإشارة إلى أن حمود، والأعضاء المؤسسين الآخرين، أصروا منذ البدايات على إشراك العربيات الأميركيات في المنظمة، حيث شغلت العديدات منهن، ولا زلن، مناصب قيادية متقدمة، بما فيها رئاسة “أيباك”.
الترشح لرئاسة بلدية ديربورن
وفي 2001، تنحى حمود عن رئاسة “أيباك” ليصبح هو نفسه مرشحاً تحدى السلطة السياسية لرئيس بلدية ديربورن –آنذاك- مايكل غايدو، وقد فاز حمود في الانتخابات التمهيدية، لكنه خسر الانتخابات العامة التي صادف إجراؤها بعد هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، والتي تسببت بحالة من الذعر وعدم اليقين في منطقة مترو ديترويت.
ومع ذلك، فقد حظي ترشحه باهتمام لافت على مستوى البلاد، وشكل في جزء كبير منه حافزاً للعرب الأميركيين للترشح للمناصب السياسية والحكومية المحلية. وحول المناخ الاجتماعي في أواخر تسعينيات القرن الماضي، قال حمود: “الترشح لمنصب عام لم يكن بالعموم هو القاعدة في المجتمع العربي الأميركي، وعندما بدأت “أيباك”.. كان هنالك مرشحون عرب للمناصب العامة، لكن لم يكن متوقعاً أن يفوزوا”.
وأضاف: “حتى هؤلاء البارزين في جاليتنا، قالوا إن الوقت لا يزال مبكراً للغاية بالنسبة لنا (لخوض غمار السياسة)، ولكن إذا انتظرت من الآخرين لكي يعبّدوا الطريق لك، فلن يفعل ذلك أحد. لقد أنجزت “أيباك” الكثير، عبر خلق ثقافة سياسية في المجتمع، بحيث بات العرب يفهمون الموارد السياسية المتاحة أمامهم، وقد أدركنا أنه بإمكاننا القيام بحملات انتخابية كمواطنين أميركيين، وأن نكون جزءاً من العملية السياسية مثل أي شخص آخر”.
تجدر الإشارة إلى أن حمود هو من سكان مدينة ديربورن، وهو متأهل من السيدة منى حمود، ولهما ابنان: مصطفى (25 عاماً) ومازن (24 عاماً).
Leave a Reply