من عائلة متواضعة في لبنان .. إلى نجم صاعد في المشهد القانوني بولاية ميشيغن
نِك ماير – «صدى الوطن»
ثمة انطباع سائد بأن الجالية العربية في منطقة ديترويت تنتج أطباء ومحامين أكثر من أي مجتمع آخر، لذلك لم يكن نافراً أن تكون دراسة الطب البشري حلم حياة العربي الأميركي هلال فرحات قبل أن تشهد مسيرته الأكاديمية منعطفاً حاسماً دفعه في نهاية المطاف إلى دراسة الحقوق وامتهان المحاماة، وصولاً إلى تعيينه قاضياً في محكمة مقاطعة وين من قبل حاكمة ولاية ميشيغن، غريتشن ويتمر، في 28 آذار (مارس) المنصرم.
ويوم الأربعاء الماضي، كانت الجالية العربية على موعد للاحتفال بتنصيب القاضي اللبناني الأصل في «مركز فورد للفنون» بمدينة ديربورن بمشاركة حشد غفير من الأصدقاء والزملاء وأفراد العائلة الذين توافدوا للاحتفال بأصغر قضاة محكمة مقاطعة وين سناً.
ضجت القاعة بتصفيق مدوٍّ وحماسي، حين ناولت رئيسة القضاة بمحكمة ميشيغن العليا، بريجيت ماكّورميك، معطف القضاة للقاضي الشاب (42 عاماً) الذي عاونته زوجته وبناته بارتدائه، في مشهد عبر عن سعادة الحاضرين واعتزازهم بأحد أبرز النجوم الشباب في المشهد القانوني بولاية ميشيغن، وفي المجتمع العربي الأميركي بمنطقة ديترويت.
لحظات التصفيق الطويلة والحماسية، لم تكن مجرد فرصة لكي يلتقط فرحات أنفاسه وهو يتهيأ لإلقاء كلمته، وإنما كانت فرصة إضافية لشكر عدد كبير من المؤيدين والمرشدين والأصدقاء والزملاء وأفراد العائلة، وكل من سانده في مسيرته الحياتية والمهنية.
شكر وامتنان
فور اعتلائه المنصة، قدم فرحات الشكر الجزيل لمن دعموه ووقفوا إلى جانبه، على مر السنين، وقال: «إنه لأمر عظيم أن أكون هنا، مع الكثيرين من أفراد مجتمعي وأصدقائي وأفراد عائلتي وزملائي السابقين والحاليين، أنا حقاً مُسبغ بالنعمة.. شكراً لكم جميعاً».
وبعد أداء اليمين الدستورية أمام القاضية ماكورميك، تعاقب على المنصة عدد من المتحدثين الذين أشادوا بمناقبية ومهنية القاضي الشاب الذي سيتولى منصبه في محكمة المقاطعة حتى مطلع كانون الثاني (يناير) 2021، على أن يخوض الانتخابات في ٢٠٢٠، للاحتفاظ بمقعده.
من المتحدثين، القاضيان ديفيد آلن وسالم سلامة، ورئيس «الجمعية الوطنية لتقدم الملوّنين» القس أنتوني ويندل ، والشيخ أحمد حمود من «المركز الإسلامي في أميركا» بديربورن، ورئيسة مجلس ديربورن البلدي سوزان دباجة، والبروفسور طلال طرفة، ومديرة التعيينات بمكتب حاكمة ميشيغن غيدا داغر، إضافة إلى محافظ مقاطعة وين وورن أفينز.
كبرى بنات فرحات، ليال (14 عاماً)، ألقت كلمة مؤثرة وصفت فيها والدها بأنه شخص يتمتع بـ«النزاهة والأمانة». وقالت: «يجب على كل شخص في هذه القاعة أن يكون قادراً على الوثوق بكلمته ومعرفة أنه سيفعل دائماً الشيء الصحيح»، مضيفة: «لا يمكنني إلا أن أكون فخورة بـ«بابا».. إنه يستحق احترام العالم، بعد كل ما فعله من أجل عائلته ومجتمعه».
وأعربت ليال عن فخرها وسعادتها بكونها ابنة والدها، وقالت: «أنا سعيدة وفخورة بالقول إنني ابنة هلال فرحات، لأن أبي هو من هو.. رغم أنه يمكن أن يبدو مرعباً ومخيفاً في البداية، إلا أنه الشخص الأكثر محبة ولطفاً ومرحاً واهتماماً ورعاية.. أكثر من أي شخص آخر قد تقابلونه».
والقاضي فرحات مقترن بزوجته سحر منذ العام 2003، والتي يصفها بأنها كانت «أفضل أصدقائه» في «ثانوية فوردسون» ولهما ثلاث بنات: ليال (14 عاماً) وسيرين (12) ونور (11).
بداية المسيرة
العائلة كانت الدافع الأول لتحقيق النجاح بالنسبة للمهاجر اللبناني من بلدة برعشيت الجنوبية إلى الولايات المتحدة، حيث بدأ مساره من «ثانوية فوردسون» في ديربورن التي تخرج منها عام 1995، لينتسب بعدها لـ«جامعة وين ستايت» التي تخرج منها بشهادة بكالوريوس عام 1999، قبل أن ينتسب لكلية الحقوق في الجامعة، ويتخرج منها في 2002.
كان حلم حياة الشاب اللبناني أن يصبح طبيباً، لكن «المعاملة غير اللائقة» لأحد أصدقائه من قبل أحد عناصر شرطة ديربورن، حوّلت أنظاره عن دراسة الطب إلى دراسة الحقوق، وجعلته يصبّ اهتماماته على تحقيق العدالة.
بعد التخرج، وعلى التوازي من ممارسته المحاماة في «مكتب سلامة وشركاه» بديربورن، باشر نشاطه بالانخراط في المؤسسات الاجتماعية والمدنية والحقوقية، وعيّن عضواً في مجالس العديد من المنظمات والنوادي، منها «اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز» (أي دي سي)، و«النادي اللبناني الأميركي»، الذي يترأسه في الوقت الحالي، و«اللجنة العربية الأميركية للحقوق المدنية» (أي سي آر أل)، إضافة إلى عضويته في «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك).
وخلال العقدين الماضيين، شارك فرحات في الكثير من الفعاليات والأنشطة والندوات التي تناولت قضايا الهجرة والحقوق المدنية، والتمييز في أماكن العمل، وغيرها من المسائل ذات الصلة.
وفي 2009، عين مساعد قاض (ماجستريت) في «المحكمة ١٩» بديربورن، وخدم فيها حتى 2012، ثم قبل أن يتولى المنصب نفسه في 2017، وبقي فيه حتى آذار(مارس) الماضي، حين صدر قرار تعيينه قاضياً في محكمة كبرى مقاطعات الولاية.
فخور بأصله
نشأ فرحات في أسرة كبيرة مكونة من عشرة أشقاء (خمسة ذكور وخمس إناث)، ولم تكن مهمة ربّ العائلة يسيرة في بلدة برعشيت بالجنوب اللبناني، التي كانت تنزح منها العائلات بسبب شحّ الأرزاق، واحتلالها من قبل الإسرائيليين وتهديداتهم المستمرة.
وفي حفل التنصيب، استذكر فرحات والده الذي تجرع الأمرين لكي يوفر لقمة العيش الكريمة لأبنائه العشرة، وقال: «في هذه اللحظة، لا أستطيع أن أتخيل شعور أبي (عبد الله) الذي لا يتحدث الإنكليزية»، مشيراً إلى أنه سجّل –في الآونة الأخيرة– أحاديث معه، تروي فصولاً من قصة حياته، التي وصفها بأنها كانت «صعبة ورهيبة».
وتساءل بمرارة: «كيف لم تتح له الفرصة مطلقاً للذهاب إلى المدرسة، وكيف غادر قريته وهو في عمر السادسة عشر لتوفير حياة أفضل، وكيف سار في ذلك العمر لعدة أيام، من جنوب لبنان إلى حيفا (في فلسطين) محاولاً العثور على عمل، ولم يكن أحد يعلم ما إذا كان حياً أو ميتاً».
هاجرت عائلة فرحات إلى الولايات المتحدة في 1988 عندما كان هلال في سن العاشرة، في فصل جديد من قصة الأب الذي يجاهد من أجل حياة أفضل لأبنائه.
وفي السياق، أشار فرحات إلى والده بالقول: «لقد قضى عدة سنوات في الكويت، بعيداً عن أبنائه العشرة، محاولاً توفير لقمة العيش، لنا نحن العشرة» واصفاً والده الذي يبلغ التسعين من العمر بأنه «لايزال متفائلاً بالمستقبل».
ومع أنه محاط بكل هؤلاء القضاة والأصدقاء والزملاء والأقارب وقادة المجتمع، إلا أن سعادة فرحات لم تكتمل، لأن الأمسية كانت تفتقد لشخص آخر لا يمكن تعويضه أو استبداله بأي شخص آخر. إنها والدته، افتكار التي توفيت عام 2012 بعد صراع مع مرض عضال.
وفي إشارة إلى مكانتها القلبية التي لا تزول بمرور السنين، قال فرحات: «ثم كانت هناك أمي التي لا أستطيع التأقلم مع موتها، وهذا هو سري الدفين».
أضاف: «لقد ربتنا نحن العشرة في فقر لا يوصف في لبنان الذي مزقته الحرب، ولكنها لم تستسلم قط للمصاعب. لم تبدِ تعباً قط، ولم تبدِ استياء أبداً. لقد كانت دائمة مهتمة بنا ولطيفة معنا وحامية لنا».
وأكد أن والدته غرست في نفسه قيم الاحترام والتسامح والإيمان بأن «جوهر وجودنا هو أن نكون محترمين»، مهما كانت الحياة ظالمة وقاسية. وقال: «سيبقى تأثيرها في قلبي إلى الأبد، وفي روحي إلى الأبد، وفي أعماقي إلى الأبد.. إنها مرشدي ودليلي إلى الأبد».
إشادات
في كلمته، أشار القاضي في «المحكمة 19» بديربورن سالم سلامة إلى أنه كان يعلم منذ البداية أن فرحات سيكون بطل قصة نجاح ملهمة في المجتمع العربي الأميركي، لافتاً إلى أنه وظفّه للعمل معه في «مكتب سلامة وشركاه» بناء على الانطباع الأول، وعلى سمعة أسرته الطيبة. وقال: «سأكون مقصراً إذا لم أشكر حاكمتنا (غريتشن ويتمر) على هذا التعيين، لوضعها الرجل الأفضل في المكان المناسب».
من جانبها، قالت رئيسة المجلس البلدي سوزان دباجة: «الليلة، وبعد قرابة 15 عاماً، أتشرف بتكريم شخص اعتبرته على الدوام صديقاً ومقرباً وأخاً حقيقياً».
أما محافظ مقاطعة وين وورن أفينز فقد أشاد في كلمته بخصال وإنسانية فرحات قائلاً: «إنه شخص واضح ومباشر، رجل يشعر بالرحمة تجاه الآخرين.. وتحركه الرغبة في خدمة ودعم مجتمعه، وجميع المجتمعات الأخرى».
Leave a Reply