وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
رغم التصعيد الغربي–الخليجي والتهديدات والاتهامات التي وجهت إلى إيران بالمسؤولية عن هجوم «أرامكو» الذي أوقف نصف الإنتاج النفطي في السعودية، يصرّ الحوثيون على أن العملية كانت يمنية خالصة، رداً على العدوان المستمر على بلدهم
بعشر طائرات مسيرة استهدف «سلاح الجو اليمني» مصفاتي بقيق وخريص. هجوم معقد وغير مسبوق بكل المعايير، نظراً للمسافة التي يجري الحديث عنها، وهي أكثر من ألف كيلومتر، ناهيك عن الدقة في إصابة الأهداف وقدرة المسيرات على حمل كميات كبيرة من المتفجرات، وهي ليست تفاصيل يمكن المرور عليها مرور الكرام.
الشيء المثير للانتباه أيضاً، هو أن هذه الطائرات وبرغم أنها كانت عشراً وتستخدم الأقمار الاصطناعية أو الكمبيوتر داخلها لم تُكتشف برغم البصمة الرادارية الصغيرة وسرعتها البطيئة، إضافة إلى ساعتين من التحليق المستمر. كذلك هناك تساؤلات تطرح حول سبب عدم اللجوء الى التشويش على تلك الطائرات لإسقاطها، علماً بأن الأميركيين موجودون في مطار الملك خالد، وهذا يعني بطبيعة الحال، فشلاً كاملاً لمنظومة «الباتريوت» التي تمتلكها السعودية. إذ توجد قواعد عسكرية جوية في نجران وفي مطار الملك خالد إضافة إلى قاعدة السليل وقاعدة الملك سلمان، وبقيق وخريص تقعان في نطاق حماية قاعدة الملك عبد العزيز الجوية، يعني بالرغم من وجود كل تلك القواعد المعززة بالقوات الأميركية وتحديداً بالكتيبة الأميركية الجوية التي وصلت في شهر تموز (يوليو) المنصرم وتخصصها هو الدفاع الجوي ضد الطائرات المسيرة.
بعد هذه العملية أدركت السعودية أنها لم تعد آمنة، وأنها تواجه تحدياً كبيراً من قبل الحوثيين الذين يستخدمون الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، فلم يكن أمام القيادة السعودية إلا توجيه أصابع الاتهام إلى إيران، ربما في محاولة لحفظ ماء الوجه.
فاليوم، وبعد سيطرة جوية تامة على سماء اليمن من قبل «التحالف العربي»، يقف السعوديون عاجزين أمام الحوثيين حتى عن حماية عمقهم الاستراتيجي، وذلك بسبب استخدام الحوثيين للطائرات المسيرة الصغيرة ذات التكلفة البسيطة.
إنه مفهوم جديد في الحرب المستقبلية، بعيد كل البعد عن الحروب التقليدية القديمة. بل هو أكثر من ذلك: إنه انقلاب في موازين الحرب، مما يطرح سؤالاً ملحّاً هنا: أية سمعة بقيت لمنظومات الدفاع الأميركية التي أنفقت السعودية عليها المليارات؟ وأية سمعة بقيت للقوات الأميركية نفسها الموجودة في قاعدة الملك خالد الجوية؟ أما كان يجب أن تأخذ دورها في حماية المنشآت النفطية الذي هو علة وجودها على الأراضي السعودية بحسب زعم واشنطن نفسها؟
في بداية «عاصفة الحزم»، تحدثوا عن أسابيع قليلة سينهون خلالها «تمرد الحوثيين وإعادة الأمور إلى نصابها» وها هي السنوات تمتد حاملة معها الهزيمة لفريق التحالف السعودي والدمار والجوع والمرض للشعب اليمني، مع صمود لافت في وجه الآلة العسكرية الأميركية–السعودية!
أهمية استهداف البقيق وخريص
يعتبر معمل بقيق الواقع في شرقي السعودية أكبر مرفق لمعالجة النفط وأكبر معمل لتركيز النفط الخام في العالم، بطاقة إنتاجية تزيد على 7 ملايين برميل في اليوم. أما حقول هجرة خريص فتقدر احتياطاتها بـ٢.٢ مليار برميل.
واعترف وزير النفط السعودي، عبد العزيز بن سلمان، بأن الضربات أدت إلى خفض إنتاج المملكة من النفط الخام بمقدار 5.7 مليون برميل في اليوم، وهو ما يعادل نصف إنتاج السعودية من النفط تقريباً.
وإلى جانب الخسائر الاقتصادية الناجمة عن استهداف منشآت «أرامكو»، أكدت العملية المعقدة للسعوديين أن الخطر أصبح يغطي كل أراضي المملكة، ببناها التحتية وكل منشآتها الحيوية كمحطات الكهرباء وتحلية المياه وحتى الكمبيوترات التي تشغّل أنظمة التحكم أو ما يسمى «سكادا سيستم».
مصدر الطائرات المسيّرة
بحسب الخبراء العسكريين، يجب أولاً استبعاد فرضية المسافات الطويلة، لأن المسيّرات التي نفذت العملية كانت تحمل كميات كبيرة من المتفجرات وهو أمر مستبعد في حال كانت مسافة انطلاقها بعيدة. وأيضاً يجب استبعاد فرضية الصواريخ لأنها تحتاج إلى ارتفاع كبير، وبالتالي هناك إمكانية لكشفها من قبل أنظمة الدفاع الجوي.
وفي ظل تناقل شائعات حول أن الطائرات انطلقت من إيران أو العراق، اتهمت الرياض على لسان العقيد الركن تركي المالكي، طهران، باستخدام ٢٥ صاروخاً وطائرة مسيرة في استهداف المنشآت النفطية، وهو ما نفته إيران جملة وتفصيلاً، فيما باشرت المملكة بالتعاون مع الأمم المتحدة، بإجراء تحقيق دولي للكشف عن مصدر الهجوم والجهة المسؤولة عنه.
إيران المتهم الأول والأخير
يؤكد السعوديون أن الحوثيين لا يمتلكون تقنية صناعة الطائرات المسيّرة ولا حتى القدرة على تجميعها، بل وأكثر من ذلك، كانوا ولمرات عديدة قد عرضوا أمام الصحافيين ووسائل الإعلام قطعاً من بعض تلك الطائرات التي تمكنوا من إسقاطها للتأكيد أنها إيرانية الصنع، وطبعاً المقصود واضح: إيران هي المتهمة باستهداف نفط السعودية.
باختصار، كل اللاعبين في الساحة الخليجية اتهموا إيران، سواء بنحو مباشر أو غير مباشر. ومن الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى وزير خارجيته مايك بومبيو إلى الفرنسيين وغيرهم، لم يتوان الكثيرون عن السير كعادتهم في مضبطة الاتهام الأميركية قبل إجراء أي تحقيق، لا بل قبل انجلاء الدخان من سماء السعودية.
أما الرياض فموقفها واضح ومفهوم، فهي التي تعتبر إيران الداعم الأول والرئيسي للحوثيين في مختلف المجالات، بالأمس واليوم وغداً.
طهران، من جهتها، لا تنفي دعمها للحوثيين، حتى أن المرشد خامنئي صرّح بنفسه منذ أيام أن بلاده لو كانت تستطيع إيصال الصواريخ إلى اليمن لفعلت، لكن الحصار شديد يحول دون ذلك.
ولعل الإصرار السعودي على اتهام إيران بهجوم «أرامكو»، يندرج في إطار فلسفة واقعية في الحرب تقول إنك إذا كنت تخوض حرباً على جبهة من الجبهات فلتفتح بالتزامن عدة جبهات سياسية… ولا يخفى على أحد اليوم أن السعودية غارقة حتى أذنيها في جبهة مستنقع اليمن، وكل العقلاء يشيرون عليها بفتح جبهات تفاوض مع الجارة اللدودة إيران، ومن خلفها طبعاً، الحوثيين.
بل ثمة من يقول إن كل هذا التجييش ضد إيران وسرعة اتهامها، ما هما إلا محاولة لحشرها في الزاوية لمنع الحوثيين من تكرار ضربات كهذه، وهم الذين توعدوا المملكة وحلفاءها، ولاسيما الإمارات، بما هو أشد وأخطر.
كل الخبراء العسكريين يجمعون على أن تقنيات الحرب قد تغيرت وبدأت تأخذ مساراً مختلفاً غير تقليدي، فلم تعد الغلبة لمن لديه «أف 15» أو «أف 16» أو أنظمة الدفاع الصاروخية التي اعتدناها. وما يقلق السعوديين أكثر هو أن إيران لديها القدرة الكاملة على تصنيع وامتلاك الطائرات المسيرة وتذخيرها، وهي تأتي في المركز الحادي عشر عالمياً على مستوى إنتاج الصواريخ، ما يعني حكماً تزويد حلفائها في اليمن بتلك التقنيات.
أنصار الله: انتظروا المزيد
حركة «أنصار الله» وعلى لسان عضو المكتب السياسي فيها علي القحوم تعتبر أن الهجوم الذي نفذته ضد منشآت أرامكو يندرج في إطار الدفاع عن النفس، ويهدف إلى الضغط على السعودية لوقف هجومها وحصارها، وهي رد على المجازر التي يرتكبها التحالف السعودي، متوعّداً الرياض وحلفاءها بالمزيد من الهجمات، وبأن الصواريخ البالستية ستظل تستهدف المراكز الحيوية والمواقع الاستراتيجية، وأنها لن تتوقف إلا في حال وقف العدوان وفك الحصار.
القحوم رفض في اتصال مع «صدى الوطن» كل محاولات إقحام إيران في ما حصل، مؤكداً أنها مجرد هرطقات، وأن الطائرات التي استُخدمت في استهداف منشآت «أرامكو» هي يمنية خالصة. وحمّل القحوم واشنطن مسؤولية استمرار العدوان على بلاده، واعتبر أن السعودية والإمارات هما مجرد أداتين لتنفيذ المشروع الأميركي الذي يهدف الى تفتيت المنطقة، مشدداً على نظرية الابتزاز الأميركي المتواصل للدول الخليجية وعلى رأسها السعودية.
عضو المكتب السياسي في حركة «أنصار الله» ولدى سؤاله عن أفق الحرب على اليمن، لفت إلى أن الفرصة اليوم مواتية لمراجعة السعودية وحلفائها حساباتهم قبل فوات الأوان، لأن اليمنيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام التمادي السعودي في تدمير بلدهم وذبح شعبهم، مؤكداً على أن أصل المشكلة في اليمن يكمن في التدخلات الأميركية والسعودية.
الابتزاز المستمر
ما حصل يعتبره البعض فرصة أميركية جديدة لابتزاز السعودية المستمر عبر طلب المزيد من الأموال مقابل المزيد من الحماية، وأي حماية هي تلك التي لم تنفع في التصدي للهجوم المدمر الذي وقع، أو حتى لإسقاط عدد من الطائرات.
ولكن كالعادة، أرسلت واشنطن وزير خارجيتها مايك بومبيو إلى جدة لمواساة الحليف السعودي وطمأنته في الظاهر، أما في الخفاء الذي لم يعد خافياً على أحد، الزيارة هي ليست سوى لجباية ضريبة الحماية المزعومة.
وفي غياب القرائن والأدلة الحسية على ضلوع إيران بالهجوم، تنقل الأوساط عن مسؤولين سعوديين قولهم إن الرد لا يمكن أن يكون بحجم «الاعتداء على سلامة الطاقة في العالم» غير أن اتصالات تجريها واشنطن مع الدول الخليجية والغربية المشاركة في التحالف تهدف الى تنسيق خطوة الرد ودراستها، لأن واشنطن لن تقدم بمفردها على فعل أي شيء.
أما الخيارات المتداولة فتتراوح بين من يطالب بقصف المنشآت النفطية الإيرانية، وهو أمر مستبعد بنسبة كبيرة، لأن لا مصلحة لأي من أطراف الأزمة في الذهاب نحو الحرب مع طهران، وبين من يقترح منع الوفد الإيراني من دخول نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ما رفضه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي –ورغم التقارير المتداولة حول تورط إيران المباشر بالهجوم على نفط السعودية– قرر تشديد العقوبات على طهران، معتبراً أن الحرب هي آخر الخيارات التي يمكن أن يلجأ إليها لمعالجة الأزمة. والعقوبات الاقتصادية –بحسب ترامب– لها مفاعيل مشابهة لنتائج أي حرب قد تُخاض ضد ايران من دون إراقة دماء، وهو ما أوعز به ترامب فعلاً إلى وزير خزانته ستيف منوتشين.
الحديث عن الحرب كلام في غير محله
خلاصة القول هي أن الرياض لن تستطيع تحمّل أي هجمات جديدة، وبالتالي فإن أي حديث عن ملامح حرب تلوح في الأفق هو كلام في غير محله. فبضربة واحدة نفذها الحوثيون توقف نصف قلب السعودية عن العمل، فكيف ستكون الحال مع ضربة أخرى أكبر وأعنف وأشد إيلاماً؟ الرياض ليست غائبة عن هذه الحقائق وأنه قد يكون من مصلحتها أن تبتلع «الضربة الصدمة» كي لا تتلقى «ضربة قاضية» محتملة!
أما الأهم، فهو السؤال: هل سيُحسن الحوثيون استثمار الضربة سياسياً على طاولة المفاوضات إن عُقدت، وهل سيتمكنون من الضغط على السعودية وحلفائها من أجل وقف الحرب عليهم؟ هنا بيت القصيد، أما الحديث عن حرب تخوضها إدارة ترامب من أجل حماية النفط السعودي، فيبقى ضرباً من الخيال.
Leave a Reply