جهود متواصلة لإعادة إحياء الميل السابع
حسن عباس – «صدى الوطن»
في الوقت الذي يستعد فيه «المجلس العربي الأميركي والكلداني» (أي سي سي) للاحتفال بالذكرى الأربعين على تأسيسه، قامت صحيفة «صدى الوطن» بزيارة لمركز الـ«أي سي سي» بمنطقة الميل السابع في مدينة ديترويت، حيث رصدت عن قرب الفعالية الشهرية لتوزيع الأغذية على الفقراء والمعوزين في المنطقة التي تُعرف باسم «الحي الكلداني» (كالديان تاون)، والتي كانت مركز تجمع الجالية العربية في منطقة ديترويت أواسط القرن الماضي.
وعلى غير العادة، عجّ الحيّ القريب من تقاطع شارعي الميل السابع وجون آر. بالحياة، في أعقاب تقاطر المئات للاستفادة من «برنامج توزيع الغذاء» لدى فرع الـ«أي سي سي»، الذي افتتح عام 1995 في إطار جهود المنظمة الخيرية لإحياء المنطقة التي هجرها معظم سكانها ومتاجرها خلال العقود المنصرمة، وذلك عبر توفير خدمات اجتماعية وطبية، للنساء والأطفال والشباب، إضافة إلى تأهيل البالغين للانخراط في سوق العمل.
وكان «المجلس العربي الأميركي والكلداني» قد أطلق برنامج توزيع الغذاء، المعروف باسم «المؤونة الوفيرة» Pantry of Plenty، بالشراكة مع منظمة «الحصاد المنسي» غير الربحية Forgotten Harvest، وبالتعاون مع عدد من الشركات المحلية.
وتجمع منظمة «الحصاد المنسي» المواد الغذائية من متاجر البقالة الكبيرة ومزارعها المنتشرة في المنطقة، حيث تقوم شاحناتها بنقل الفواكه والخضروات الطازجة، وغيرها من مواد البقالة الأخرى، في مستوعبات كبيرة، ثم يقوم فريق المتطوعين لدى «أي سي سي» بتحضير المواد الغذائية وتوضيبها ضمن «سلال غذائية» تمهيداً لتوزيعها على الأفراد والأسر الفقيرة.
وفي هذا السياق، قال منسق الأعمال التطوعية ومسؤول الخدمات في «أي سي سي»، فؤاد (فرَد) بطايح: «نحصل على ما يتراوح بين 28 إلى 31 ألف باوند من الأغذية، في كل مرة، وهذه كمية تكفي قرابة 300 أسرة»، لافتاً إلى أن فعالية بهذا الحجم تتطلب نظام تواصل فعالاً يقوم على تفاني المتطوعين والموظفين في المجلس.
وكان «أي سي سي»، قد أسس فرعاً آخر في حي الميل السابع، في إطار رؤيته لإعادة إحياء الـ«كالديان تاون» التي استقطبت على مدار عقود من الزمن موجات متلاحقة من المهاجرين العرب لغاية السبعينات، حين بدأت الأوضاع الأمنية بالتدهور في ديترويت ما دفع آلاف العرب والكلدان إلى مغادرة المدينة باتجاه الضواحي.
ولكن خدمات المجلس لا تقتصر على مساعدة ودعم العرب والكلدان، وفقاً لبطايح الذي أكد لـ«صدى الوطن»، بأن المجلس «يخدم الجميع في منطقة الميل السابع».
واستدرك قائلاً إن لدى «أي سي سي» مراكز في مقاطعات مترو ديترويت الثلاث (وين وماكومب وأوكلاند)، و«هذه المقاطعات تشهد الآن موجة جديدة من المهاجرين واللاجئين، وقد قمنا بعمل رائع في التأكد على أن مكاتبنا وموظفينا يعكسون طبيعة الناس الذين نخدمهم».
تطوير الميل السابع
«مشروع الميل السابع»، هو جهد مستمر لجذب النشاط الاقتصادي إلى المنطقة التي عانت من الإهمال لعقود، ويطمح الـ«أي سي سي» إلى إعادة تنشيط الأحياء السكنية وتطويرها عبر ثلاث مراحل متداخلة، تتضمن تملّك العقارات التجارية والسكنية وتطويرها لإنشاء منطقة حيوية ومميزة بمدينة ديترويت، على غرار الأحياء الأخرى التي تم تطويرها مؤخراً في أنحاء متفرقة من المدينة.
ورغم أن تطوير الأحياء قد يؤثر سلباً على الشرائح الفقيرة بسبب ارتفاع التكاليف لتلبية المواصفات البلدية، إلا أن الـ«أي سي سي» يضع في الاعتبار تمتين الأواصر مع السكان بهدف «الحفاظ على روح الأحياء».
في هذا الإطار، يقول بطايح: «هؤلاء الناس هم الذين جعلونا نأتي إلى هنا»، مشيراً إلى أن سكان الجوار يعرفون أن هذا المركز وجد لخدمتهم.
المتطوعة غلوريا تراميل التي استحصلت على المساعدات الغذائية من «أي سي سي» لأكثر من خمس سنوات خلت، أعربت عن سعادتها بالانضمام إلى فريق المتطوعين، بعدما لمست بنفسها آثار برنامج توزيع الطعام على «حياة هؤلاء الذين هم بأمس الحاجة إليه»، وفق تعبيرها، مضيفة: «الكثيرون كان عليهم الاختيار بين دفع إيجار منازلهم وتسديد فواتيرهم، وبين الحصول على ما يكفي من الغذاء الصحي».
وقالت: «لقد اعتدت المجيء إلى هنا والحصول على الأغذية من «أي سي سي».. لقد كنت أحصل على دور وأقف في الطابور مثل أي شخص آخر». وأضافت: «في يوم من الأيام، تغير الوضع عندما أدركت أنهم بحاجة للمساعدة. لقد ولدت ونشأت في ديترويت، وكانت الحياة صعبة علينا. لدي ستة أشقاء وخمس شقيقات، ولم تكن لدى أمي وظيفة لكي تعيلنا».
متطوع آخر، يعيش على بعد 15 ميلاً من فرع «أي سي سي» بمنطقة الميل السابع، قال إن برنامج توزيع الطعام أحدث فرقاً مهماً في حياته، لافتاً إلى أنه أدرك –في الآونة الأخيرة– أن لدى «المجلس العربي الأميركي والكلداني» برنامجاً للعلاج السلوكي وآخر للعلاج من الإدمان على المخدرات. وقال إنه يفكر بالانضمام إلى كلا البرنامجين.
من مكتب واحد .. إلى 12 مركز تواصل
عشية الاحتفال بالذكرى الأربعين على تأسيس «أي سي سي»، في حفل سيقام بفندق الـ«رينيسانس» في وسط ديترويت مساء 28 أيلول (سبتمبر) الجاري، تحدثت مديرة المجلس، الدكتورة هيفاء فاخوري، حول تاريخ «أي سي سي» الطويل والحافل بتقديم الخدمات للمحتاجين والمهاجرين.
وقالت: «عندما كنت أعمل مع الأمم المتحدة في أواسط السبعينيات وأوائل الثمانينيات، رأيت مشاكل توجه اللاجئين القادمين إلى أميركا، وكوني من سكان ميشيغن، فقد كنت قلقة حول مستقبل هؤلاء»، علماً بأن ميشيغن هي من أكثر الولايات الأميركية استقطاباً للمهاجرين.
وأضافت أن المهاجرين يقصدون ميشيغن بسبب مؤسساتها والخدمات التي توفرها، إلى جانب العلاقات المتنوعة التي قد تربطهم بالسكان المحليين، مشيرة إلى أنه قبل انطلاقة «أي سي سي» «لم تكن لدينا منظمة مهنية تتعامل مع احتياجات القادمين الجدد».
وأشارت إلى أن المجلس الذي تأسس عام 1979 كمكتب يعمل فيه موظف واحد، نما بمرور السنوات وأصبح يضم 12 مركزاً في جميع أنحاء منطقة ديترويت الكبرى، تقدم الاستشارات والرعاية الصحية والتدريب المهني وخدمات الترجمة والهجرة وحماية النشء والشباب.
وقالت: «كنا نقيّم احتياجات المجتمع خلال تقدمنا في عملية بناء هيكلية «أي سي سي»، بالتعاون مع المجتمعات المحلية والمؤسسات الكبرى في ميشيغن، سواء الصحية أو النفسية أو الاقتصادية، وغيرها.
كذلك يعمل موظفو «أي سي سي» منذ سنوات في مختلف دوائر الخدمات الاجتماعية بالولاية، «ما يجعل عملياتنا فريدة من نوعها» ،فقاً لفاخوري.
ومن الخدمات التي يوفرها «أي سي سي» برنامج طبي تناط به مهمة فحص اللاجئين قبل مباشرتهم بإجراءات الحصول على الإقامة الدائمة (غرين كارد)، كما يدير برنامجاً للوقاية من المخدرات والتوعية حول هذه الآفة في مدارس ديترويت ومقاطعة ماكومب، إضافة إلى برنامج لتقديم منح الدراسة الجامعية للطلاب المتفوقين.
وأكدت فاخوري على أن «أي سي سي» يعتمد على التمويل الحكومي في المقام الأول، لكنه في الوقت نفسه يوفر على الحكومة الكثير من الأموال، «كوننا نقوم بتقديم الخدمات بأنفسنا، لأننا نعرف المجتمع ونعرف احتياجات أفراده».
ورغم انخفاض أعداد اللاجئين خلال السنتين الماضيتين تشير التوقعات إلى أنهم سيستمرون بالتدفق إلى ميشيغن، لاسيما في حال رفع «حظر السفر» على بعض البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
وقالت فاخوري: «ميشيغن هي الولاية الرابعة على الخريطة الوطنية في استقبال اللاجئين» لافتة الانتباه إلى ما يسمى بـ«الهجرة الثانية»، حيث تستقطب ميشيغن أعداداً كبيرة من اللاجئين العرب الذي تم توطينهم في ولايات أخرى، و«ذلك بسبب وجود مجتمع عربي كبير في ميشيغن»، وفقاً لفاخوري.
وأكدت أن «أي سي سي» على أتم الاستعداد لاستقبال الموجات الجديدة من اللاجئين، معربة عن أملها باستمرار العمل نحو خلق بيئة صحية تؤمن الكرامة لجميع سكان جنوب شرقي ميشيغن.
يُشار إلى أن الاحتفال بالذكرى الأربعين لتأسيس «المجلس العربي الأميركي والكلداني» سيستضيف حاكمة الولاية غريتشن ويتمر كمتحدثة رئيسية خلال الحفل الذي سيقدمه الإعلامي في قناة «فوكس 2» روب راج، والذي سيتم فيه منح جوائز تكريمية للعديد من الشخصيات البارزة في ميشيغن، من ضمنهم، نائب الحاكمة غارلين غليكرست.
Leave a Reply