ديربورن – «صدى الوطن»
بالتزامن مع الحراك المطلبي في لبنان، بادر المغتربون اللبنانيون في جميع أنحاء العالم إلى التظاهر لدعم الاحتجاجات التي سرعان ما ارتفع سقف شعاراتها من التنديد بالفساد والبطالة والمحاصصة الطائفية إلى إسقاط النظام السياسي بكافة أركانه ورموزه.
ومع دخول «الانتفاضة اللبنانية» أسبوعها الثاني، طغى شعار «كلن يعني كلن» على تظاهرات المحتجين، داخل لبنان وخارجه.
وفي الولايات المتحدة، نزل اللبنانيون إلى الشوارع والساحات العامة في العديد من المدن الأميركية، مثل العاصمة واشنطن ونيويورك وبوسطن وكليفلاند وآناربر وديربورن، حيث رفعوا الأعلام اللبنانية في إشارة إلى الوحدة الوطنية العابرة للطوائف والأحزاب السياسية، مرددين هتافات تشجب السياسات الحكومية التي أدخلت وطنهم الأم في جحيم اقتصادي واجتماعي لا يطاق.
وفي ديربورن بولاية ميشيغن –التي تضم كثافة لبنانية وازنة– احتشد قرابة ألفي مغترب أمام مكتبة ديربورن العامة، الأحد الماضي، حيث أعربوا عن سأمهم من السياسات الحكومية التي أدخلت لبنان في نفق الركود الاقتصادي والفساد المزمن وغياب الخدمات العامة، وطالبوا باستقالة الحكومة وحل مجلس النواب وتنحي رئيس البلاد.
وعلى شاكلة الاحتجاجات في لبنان، لم تخلُ مظاهرة ديربورن من كيل الشتائم لبعض الزعماء السياسيين ووصمهم باللصوصية والإثراء غير المشروع. وقد طالت بعض الشتائم رئيس مجلس النواب نبيه بري، ما أثار حفيظة البعض وأدخلهم مع المتظاهرين في مشادات كلامية انتهت بتدخل الشرطة الأميركية التي طالبت جميع المحتجين بمغادرة المكان على الفور.
وخلال المظاهرة، أشار حسن بلوط إلى أن اللبنانيين باتوا اليوم «أقوى من السابق»، مضيفاً: «لسنا هنا لكي نطالب بإسقاط الحكومة فقط، وإنما نريد أيضاً إسقاط المجلس النيابي وتشكيل حكومة انتقالية تشرف على إجراء انتخابات نيابية مبكرة»، لافتاً إلى أنه يجب محاسبة المسؤولين السياسيين «الذين نهبوا البلاد، وتضخمت ثراوتهم بشكل مخيف، غير عابئين بالهموم المعيشية للشعب اللبناني»، بحسب تعبيره.
وقال: «بعد انتهاء الحرب الأهلية، جاء هؤلاء السياسيون وحكموا الشعب بعقلية ميليشيوية وأفقروا الناس وهجرّوا الشباب إلى جميع أنحاء العالم بحثاً عن لقمة العيش». وتابع: «إننا نتظاهر اليوم لكي نسقط النظام الطائفي.. اللبنانيون ليسوا طائفيين.. إنهم يتضامنون –اليوم– من جميع المذاهب والأديان من أجل تخليص لبنان من الفساد والمحسوبيات».
من جانبه، استبعد نبيه بسمة أن تكون «زيادة الضرائب» هي سبب الاحتجاجات، وقال: «نحن نعيش في أميركا، ونقوم بدفع الضرائب، المشكلة في لبنان هي تفاقم البطالة وغياب فرص العمل والخدمات». وطالب بسمة المسؤولين الحكوميين باحترام المواطنين وتوفير فرص العمل لهم. وقال: «اجعلوا اللبنانيين رقم واحد، فوق السوريين وفوق الفلسطينيين، اخلقوا فرص عمل للناس.. فبهذه الطريقة تبنون الوطن».
وتساءل أحد المتظاهرين عن أسباب امتناع الدول الغربية التي تقدم المساعدات المالية للبنان عن «مراقبة الحسابات المصرفية للمسؤولين اللبنانيين الذين فشلوا بتحقيق أية مكاسب لشعبهم»، وقال: «هؤلاء المسؤولون يجب أن يُرموا جميعاً في مزبلة التاريخ».
وأعرب متظاهر آخر عن تأييده لمطالب المحتجين «الذين ينتشرون في جميع المدن والقرى اللبنانية»، وقال: «نحن هنا، لكي نحيي كل الأحرار في لبنان، هؤلاء الذين قرروا النزول إلى الشارع وكسروا القيود التي كانت تحبسهم وتحبس أحلامهم».
وأضاف: «لقد أثبتنا –اليوم– أننا لسنا مغتربين لا يعنيهم لبنان.. المظاهرات في أميركا موجهة أيضاً للعائلات اللبنانية المغتربة التي يجب أن تربي أبناءها على حب لبنان والانتماء إليه». وتابع: «لبنان ليس بلداً سياحياً.. إنه وطن الأحرار وبلد العيش المشترك، ويجب أن نتمسك بهذه المبادئ داخل لبنان وخارجه».
ولم تخفِ إحدى المتظاهرات غضبها من محاولات قمع المتظاهرين في بعض المدن اللبنانية، وقالت: «لقد انتخبناهم من أجل أن ينجزوا شيئاً لبلدنا ولكنهم فشلوا بتقديم أي شيء. كلهم حرامية ولصوص». وأضافت: «لقد نزلنا إلى الشارع لكي نقول للبنانيين: نحن معكم في هذه المظاهرات الأولى من نوعها في لبنان»، لافتة إلى ضرورة «مشاركة الجميع فيها، من كافة الطوائف والأديان». وتابعت: «الكل لازم ينزل على الشارع حتى تستقيل الحكومة ومجلس النواب. الكل لازم يستقيلوا..».
رائد بزيع، الذي اغترب عن لبنان لثلاثين عاماً في إفريقياً، ثم قرر بعد عودته إلى وطنه الأم الهجرة مجدداً إلى الولايات المتحدة: قال «الزعماء السياسيون هم سبب بلائنا ومعاناتنا.. يجلسون على كراسيهم منذ 30 عاماً ولكنهم لم يحققوا أي شيء للشعب، لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية». وأضاف: «بعد اغترابي لـ30 سنة في إفريقيا قررت الرجوع إلى بلدي والاستثمار فيه، لكنني لم أنجح بذلك بسبب الفساد والمحسوبيات»، لافتاً إلى أن الهجرة أصبحت أمل الشباب الذين لا يجدون أي بريق أمل في وطنهم.
وأنحى أحد المتظاهرين باللوم على الشعب اللبناني الذي «انتخب هؤلاء المسؤولين وكبّر رؤوسهم حتى ركبونا»، على حد تعبيره. وقال: «لسنا هنا لكي نكيل الشتائم، لا لـ(وليد) جنبلاط ولا لـ(نبيه) بري، ولا للسيد (حسن نصر الله)»، مضيفاً: «نحن هنا للمطالبة بضرورة الإسراع بحل الأزمات قبل أن تحل الكارثة بلبنان».
ومن المتوقع أن تشهد مدينة ديربورن، الأحد القادم تظاهرة تضامنية أخرى مع الحراك الشعبي في لبنان أمام مكتبة هنري فورد على شارع ميشيغن أفنيو.
وفي سياق مواكبة الحراك الشعبي في لبنان، أكد ناشر «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني على أن «لبنان تحكمه معادلات وتوازنات من الصعب الإخلال بها، على عكس سوريا وتونس وغيرها من البلاد العربية»، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن «الحفاظ على لبنان يجب ألا يكون على حساب الشعب اللبناني»، ومضيفاً: «إن لبنان يعيش منذ 1975 مخاضاً عسيراً من النواحي الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية».
وشدد على أن التغيير في لبنان «يجب أن يكون تدريجياً، لأن التغيير الجذري يعرض لبنان لمخاطر حقيقية»، وقال: «يجب ألا ننسى أنه لدينا عدو شرس يتربص بنا على الحدود»، في إشارة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ودعا السبلاني إلى تحصين الجبهة الداخلية درءاً لانهيار البلد، ولتفويت الفرص على المتربصين، وقال: «إذا انفرطت الجبهة الداخلية فسوف يحل الفراغ، وسوف ينتهز عدونا الفرصة ويدخل بلادنا.. ويدعسنا جميعاً».
وندد ببعض الأصوات التي تحاول استغلال الحراك للتصويب على سلاح المقاومة، وقال: «المقاومة خط أحمر.. يجب أن نتصرف على هذا الأساس، وإذا تصدعت الجبهة الداخلية فسوف يخسر اللبنانيون كل شيء». وأضاف: «لقد انتصرت المقاومة في 2006 لأن الجبهة الداخلية كانت متماسكة نوعاً ما».
وأكد على أن شعار «إسقاط النظام» ليس شعاراً قابلاً للتحقيق لأنه «مدخل للفراغ والجنون»، وقال: «لا أصدق بأنه لا يوجد حراك غير طائفي في لبنان، إن الطائفية متجذرة لدى الناس عند جميع الطوائف، والسياسيون يستفيدون من هذه الطائفية»، واستدرك قائلاً: «إن مطالب الناس عادلة، ولكن ما هو البديل، قدموا بديلاً مقنعاً وقابلاً للتطبيق، حتى نقف إلى جانبكم».
وأشار إلى أن الكثير من الجهات الإقليمية والدولية «لها أجندات في لبنان»، وقال: «لبنان ليس بمعزل عن العالم.. صحيح أن الحراك المطلبي مشروع وعفوي ولكن يجب أن نعرف ما هي خطته للإصلاح في لبنان، قالمطالبة بإسقاط النظام ستقودنا إلى الفراغ، وإذا حل الفراغ فلن يسده إلا المتربصون، سواء في الداخل أو الخارج».
من جانبه، أكد الناشط علي بهاء الزين على مشروعية الاحتجاجات في لبنان، وقال: «عندما احتل العدو الصهيوني لبنان كانت لديه أهداف واضحة، هي سرقة الأرض والمياه والغاز والنفط، أما ما قامت به الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان منذ احتلالها للسلطة، فهو سرقة الغاز والنفط وتلويث المياه وطمر لبنان بالزبالة وسرقة الأملاك البحرية وتهجير الناس وغيرها من الممارسات الأخرى»، وتساءل: «إذا كنا نرفض التسوية مع المحتل الخارجي (إسرائيل) فلماذا نقبل التسوية مع المحتل الداخلي، وهو القاتل لمستقبلنا؟».
وأشار إلى أنه يتوجب على الحكومة اللبنانية أن تقوم برسم خارطة طريق للدولة والوطن بناء على مطالب الشعب، لا أن تقوم برمي الكرة في ملعب الناس وتطالبهم باتخاذ القرارات نيابة عن الدولة.
واقترح الزين قيام الدولة اللبنانية ببعض الإجراءات السريعة لامتصاص الغضب الشعبي، مثل إقالة بعض الوزراء الذين يستفزون الناس، وتأليف حكومة تكنوقراط من غير الحزبيين، واجتماع مجلس النواب للنقاش حول قانون انتخابي على أساس لبنان دائرة واحدة مع النسبية، وإلغاء الحصانة عن النواب والوزراء والرؤساء وكل من يعمل في الشأن العام، وانتخاب مجلس نيابي جديد يبادر فوراً إلى كتابة دستور مدني جديد يمنع التعيينات الطائفية وتدخل رجال الدين في السياسة.
من جانبه، أشار الناشط وسام شرف الدين إلى أنه «من الطبيعي أن يثور أي شعب على الأنظمة الشمولية والوراثية، كما أنه من الطبيعي أن يثور اللبنانيون ضد حكامهم لأن لبنان سافر في فساده ووقاحة نظام الحكم فيه»، مضيفاً: «كما أن المقاومة ضد الاحتلال حق لا ينتزع، كذلك الثورة ضد الفساد حق طبيعي لا ينتزع».
وعزا الحراك الشعبي إلى فقدان الأمل لدى الشعب اللبناني، وقال: «لقد وصل الجوع والفقر باللبنانيين إلى حد أنه لم يعد لديهم أي خيار سوى الوقوف بوجه النظام والمطالبة بإسقاطه»، وأضاف: «عندما رفع اللبنانيون شعار «إسقاط النظام الطائفي»، فقد أثبتوا عملياً أنهم أسقطوا الطائفية.. ولم يبق أمامهم سوى إسقاطها دستورياً». وتابع: «من العار أن يوجد نظام طائفي في عام 2020، لأن هذا يعني أننا لا زلنا نعيش مخلفات الانتداب الفرنسي، من الانقسام والتشرذم».
ووصف شرف الدين، الاحتجاجات في لبنان بـ«السلمية والنظيفة» التي أفشلت كل محاولات اختراقها والتشكيك بمشروعيتها، لافتاً إلى أن لبنان يواجه تحديات عميقة بالمقارنة مع البلدان العربية الأخرى، وذلك بسبب تغلغل الطائفية في «جميع مفاصل الدولة». وقال: «الطائفية والمواطنة نقيضان لا يجتمعان».
ولفت إلى أن «المرحلة القادمة، يجب أن تتضمن إقالة الحكومة وإعادة صياغة الدستور اللبناني، أما التحدي الآن فيتمثل في كيفية خلق شرعية لحكومة انتقالية»، مشيراً إلى أن «غياب قيادة واضحة للحراك الشعبي هو نقطة لصالح الانتفاضة الشعبية وليس مأخذاً عليها».
وأشار إلى أن الموقف الحكومي الرسمي من مطالب المتظاهرين يشوبه الارتباك والتردد، لافتاً إلى أن محاولات قمع المحتجين باءت بالفشل، وقال: «لقد جاءت بنتائج عكسية، فقد أججت المظاهرات وزادت من زخمها»، وختم بالقول: «دخول المقاومة في الدولة كان لنصرة المقاومة والشعب، وخروجها اليوم سيكون لنصرة المقاومة والشعب أيضاً».
Leave a Reply