الملياردير اليهودي الأميركي يستهل حملته بإنفاق قياسي على الإعلانات
نيويورك – بإنفاق قياسي من جيبه الخاص، دخل الملياردير اليهودي الأميركي ورئيس بلدية نيويورك السابق، مايكل بلومبرغ، سباق الحزب الديمقراطي للرئاسة، مقدماً نفسه كمرشح وسطي قادر على هزيمة الرئيس دونالد ترامب في انتخابات 2020.
يأتي ترشح بلومبرغ (77 عاماً)، في الوقت الذي تشهد فيه المنافسة على بطاقة الحزب الديمقراطي تغيرات لافتة مع تراجع نسبة التأييد لمرشحي «التيار التقدمي» (السناتورين إليزابيث وورن وبيرني ساندرز) وتنامي الشكوك حول فرص نائب الرئيس السابق جو بايدن، والتي أدت إلى صعود نجم بيت بوتيجدج –المثلي الجنس– كـ«مرشح وسطي» بديل، وفق أحدث استطلاعات الرأي الوطنية.
فقد أظهرت نتائج استطلاع وطني أجري بعد المناظرة التلفزيونية الأخيرة، تراجع التأييد لوورن على خلفية برنامجها «اليساري المتطرف»، لاسيما اقتراحها توفير الرعاية الصحية الحكومية للجميع. وهو المقترح الذي يدعمه أيضاً السناتور ساندرز، ولكنه لا يحظى بقبول الأغلبية العظمى من الناخبين.
ومن خلال التصويب على الأجندة الراديكالية لوورن وساندرز، قفزت شعبية بوتيجدج –رئيس بلدية مدينة ساوث بند بولاية إنديانا– ليحتل المركز الثاني في السباق خلف بايدن، وفق استطلاع لـ«جامعة كوينيبياك».
وحصل بايدن على نسبة تأييد تبلغ 24 بالمئة، معززاً شعبيته بثلاث نقاط مئوية. وكان استطلاع سابق أجرته الجامعة في 24 أكتوبر الماضي أظهر تصدر وورن للسباق وحلول بايدن ثانياً.
وفي غضون شهر واحد، ارتفعت شعبية بوتيجدج من 10 بالمئة إلى 16 بالمئة، فيما انهار التأييد لوورن إلى النصف من 28 بالمئة إلى 14 بالمئة. كما تراجعت شعبية ساندرز ثلاث نقاط مئوية إلى 13 بالمئة. وتشكل هذه الأرقام نكسة للتيار اليساري في الحزب الديمقراطي، لاسيما وورن التي تزايدت شعبيتها في الأسابيع الأخيرة، قبل أن تنهار مؤخراً على خلفية تمسكها بمقترح «ميديكير للجميع» الذي يلغي التأمين الصحي الخاص، ويضع القطاع بأكمله تحت سيطرة الدولة.
ويعارض بايدن وبوتيجدج اقتراح «ميديكير للجميع» ويقترحان بدلاً منه توسيع التغطية الصحية الحكومية من دون وضع حد للتأمين الصحي الخاص.
وعلى الرغم من نتائج هذا الاستطلاع، لا يزال بوتيجدج في المركز الرابع في إجمالي الاستطلاعات التي يتولى تجميعها مركز «ريل كلير بوليتيكس»، خلف بايدن المتصدر وساندرز الثاني ووورن الثالثة.
في إطار المشهد الانتخابي القائم، وجد بلوموبرغ، الفرصة السياسية سانحة لدخول السباق من باب «الوسطية» التي يحتاجها الديمقراطيون لإلحاق الهزيمة بالرئيس ترامب في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) 2020.
وقبل إعلان ترشحه رسمياً، أظهر استطلاع «كوينيبياك»، حلول بلومبرغ في المرتبة الخامسة مع نسبة تأييد بلغت 3 بالمئة. غير أن هذه النسبة من المتوقع أن تتغير سريعاً مع إطلاق حملة إعلانات بمبالغ غير مسبوقة في تاريخ انتخابات الرئاسة الأميركية.
تفوّق على أوباما
«أنا أخوض السباق الرئاسي لأهزم دونالد ترامب وأعيد بناء أميركا.. لا يمكننا تحمل أربع سنوات أخرى من تصرفات ترامب»، بهذه الكلمات، أعلن بلومبرغ الأحد الماضي، ترشحه للرئاسة، متعهداً بـ«إعادة بناء أميركا».
وبثروة مقدارها 58 مليار دولار، يدخل بلومبرغ بقوة في المنافسة المفتوحة التي يشارك فيها 17 مرشحاً ديمقراطياً، مؤكداً أن ترامب «يمثل تهديداً وجودياً لبلادنا وقيمنا. وفي حال فوزه بولاية أخرى، فربما لا نتعافى أبداً من الأضرار».
وقد صرح أحد مستشاري بلومبرغ أن رئيس بلدية نيويورك السابق، مستعد للإنفاق «بقدر ما هو ضروري للتغلب على ترامب» في نوفمبر 2020، وفقاً لوكالة «فرانس برس».
وقد حطم بلومبرغ رقماً قياسياً بشرائه الأسبوع الماضي (مقابل 33.5 مليون دولار) إعلانات تلفزيونية في نحو عشرين ولاية، متجاوزاً الرقم القياسي للرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما في آخر أسبوع من حملته الانتخابية عام 2012، عندما أنفق 25 مليون دولار، طبقاً للشركة المتخصصة بالإعلانات «أدفرتايزنغ أناليتيكس».
وكان بلومبرغ أعلن في وقت سابق أنه سينفق أيضاً مئة مليون دولار في إعلانات لمواجهة ترامب على الإنترنت، مشيراً إلى أنه من خلال استخدام ثروته الشخصية، فإنه يحرر نفسه من «التأثير المشين» لجماعات الضغط.
واعتمد ترامب على الميزة ذاتها خلال حملته الانتخابية عامي 2015–2016. وكان الرجل آنذاك أول ملياردير يترشح للبيت الأبيض، وأعلن في البداية أنه سيمول حملته من ثروته الشخصية، وبالتالي لن يكون مديناً لأحد.
ولكي يتمكن بلومبرغ من المشاركة في مناظرة الديمقراطيين التالية، في 20 ديسمبر، سيكون من الضروري إثبات أنه تلقى مساهمات مما لا يقل عن 200 ألف مانح مختلف.
وبتخليه عن المساهمات، يبدو أن بلومبرغ يستبعد نفسه مسبقاً من هذه المناظرات، ما لم يطرأ أي تغيير على معايير الاختيار في المناظرات القادمة.
ورغم أهميته، يرى المراقبون أن المال ليس كافياً للفوز في الانتخابات حيث أن هيلاري كلينتون خسرت أمام ترامب في انتخابات 2016 بعد أن أنفقت أكثر من 600 مليون دولار، أي ضعف ما أنفقه ترامب.
وقابل مرشحو اليسار ترشيح بلومبرغ بانتقادات لاذعة. حيث قال السناتور ساندرز إنه يشعر «بالاشمئزاز من فكرة أن مايكل بلومبرغ أو أي ملياردير آخر يمكنه أن يعتقد أنه قادر على الالتفاف على العملية السياسية وتوظيف عشرات ملايين الدولارات لشراء انتخاباتنا». وأكد في بيان «إذا لم نتمكن من الحصول على دعم القاعدة للترشح، فعلينا ألا نترشح للانتخابات الرئاسية».
وعندما أعلن بلومبرغ قبل أسبوعين أنه قد يترشح للاقتراع الرئاسي، اتهمته وورن بأنه يريد «شراء الانتخابات».
مواقف سياسية
في أبرز مواقفه السياسية، أعلن بلومبرغ غداة ترشحه، أن الولايات المتحدة تحتاج إلى زيادة عدد المهاجرين في أراضيها بشكل ملموس بدلاً عن تقليصه.
بلومبرغ، المؤسس والرئيس التنفيذي لوكالة الأنباء المالية التي تحمل اسمه، ذكر للصحفيين بمدينة فينيكس في ولاية أريزونا، في اليوم الثاني من الحملة التي أطلقها من أجل الترشح في الانتخابات المقبلة عن الحزب الديمقراطي: «نحتاج إلى أن يتولى المهاجرون جميع الوظائف التي تحتاج إليها الدولة بغية تحسين ثقافتنا ومطبخنا وديننا وحوارنا وبالتأكيد تحسين اقتصادنا».
وشن الملياردير الذي يحتل المرتبة التاسعة في قائمة أغنى أثرياء العالم حسب مجلة «فوربس»، هجوماً حاداً على سياسات الرئيس الحالي دونالد ترامب تجاه الهجرة، واصفاً أساليب فصل أطفال المهاجرين عن ذويهم عند الحدود بأنها «عار».
وفي اعتذار استباقي عن سجله في رئاسة بلدية نيويورك، أعرب بلومبرغ عن أسفه لمنح صلاحيات واسعة للشرطة تسمح بإيقاف وتفتيش كل من يشكون بأمره، وهو ما دفع الحقوقيين لاتهامه باستهداف الأفراد من أصول إفريقية ولاتينية. وقال متسائلاً: «كم مرة سمعتم مسؤولاً منتخباً يقول: ارتكبت خطأ؟».
من هو بلومبرغ؟
كان مايكل بلومبرغ رئيساً لبلدية نيويورك، حيث ساهم في إنهاض اقتصاد المدينة بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001. وكان قد تولى رئاسة البلدية مطلع 2002 خلفاً لرودي جولياني واستمر في المنصب حتى نهاية العام 2013.
وعلى مدى سنوات تأرجح انتماء بلومبرغ بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، علماً بأنه تولى رئاسة بلدية نيويورك بصفته مستقلاً.
ولد بلومبرغ الذي يعد من أغنى الرجال في مجال الإعلام، في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس، من أب يهودي يعمل محاسباً وأم يهودية كانت تعمل سكرتيرة مكتبية.
وقد بدأ بلومبرغ حياته المهنية بعدما نال ماجستير في إدارة الأعمال من «جامعة هارفرد»، حيث عمل بعدها ببنك «الأخوة سالومون» في عام 1966، قبل أن يصبح شريكاً عاماً فيه عام 1973، لكنه فصل في عام 1981.
وقد بدأ بلومبرغ مشواره نحو الثروة في عام 1981، عندما أسس شركة المعلومات المالية ووكالة الأنباء Bloombegوقد وضع بلومبرغ التمويل الأساسي للشركة التي أصبح يمتلك فيها الآن نحو 88 بالمئة، والتي تقدر عائداتها بنحو 10 مليار دولار.
ويشتهر بلومبرغ بالعمل الخيري، إذ تبرع بنحو 8 مليار دولار لصالح نشاطات منع انتشار السلاح، والتغير المناخي، وقضايا أخرى.
وقد ظل بلومبرغ ديمقراطياً حتى عام 2001 عندما أعلن انضمامه للحزب الجمهوري قبل ترشحه لانتخابات رئاسة بلدية نيويورك في عام 2001،.
وقد ترك بلومبرغ الحزب الجمهوري في عام 2008 ليصبح مستقلا، وفي عام 2018 قبل أن يعيد الملياردير تسجيل نفسه مرة أخرى في صفوف الحزب الديمقراطي.
Leave a Reply