حسن عباس – «صدى الوطن»
ما إن طرحت بلدية ديربورن تصميماً جديداً لشعار المدينة، حتى اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، بينما لم يتوان البعض عن تشبيهه بالشعارات الخاصة بشركات جمع القمامة وإعادة تدويرها.
المعارضون لم يكتفوا بالتعبير عن امتعاضهم وخيبة أملهم من الـ«براند» الجديد، وإنما سارعوا إلى اتهام حكومة المدينة بإقصاء وتهميش المواهب المحلية، وطالبوها باستبدال الشعار المسدس الأضلاع، الذي يستوحي تصميم خلية النحل أو البرغي المضلع أو العزقة، للمواءمة بين التناغم الاجتماعي بين أعراق وإثنيات المدينة وبين تراثها الصناعي ومستقبلها التكنولوجي.
وكان مسؤولو المدينة قد بدأوا –منذ عامين– البحث بشكل جدي للاستفادة من نهضة ديترويت والاستثمارات الضخمة لشركة «فورد» لصناعة السيارات، فأطلقوا مبادرة مشتركة بين «هيئة تطوير وسط غرب ديربورن» و«هيئة تطوير وسط شرق ديربورن» لتصميم شعار وعلامة تجارية جديدة تلائم الآفاق المستقبلية لديربورن، وذلك بالشراكة مع بلدية المدينة ومؤسسات من القطاع الخاص، إضافة إلى إشراك السكان المحليين الذين أتيحت لهم فرصة الإدلاء بآرائهم عبر استبيان خاص لاستمزاج مواقفهم من المسار الذي يجب أن تسلكه مدينتهم في المستقبل.
وبإشراف فريق من المهنيين المختصين في التسويق والتصميم، أنيطت بأعضاء المبادرة مهمة جمع آراء السكان وأصحاب المصالح التجارية والموظفين والقادة المحليين، للخروج بتصور شامل حول ما يجعل ديربورن بوسطيها التجاريين، مكاناً مميزاً ومثيراً للاهتمام، ثم التعبير عن ذلك في شعار تسويقي يعكس «هوية» جديدة وموحدة للمدينة التي شهدت ولادة رائد صناعة السيارات هنري فورد، والتي باتت تعرف بكونها «عاصمة العرب الأميركيين» في الولايات المتحدة.
لكن، يبدو أن «حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر»، إذ أعرب أحد المتصفحين عن استيائه من الـ«براند» الجديد، وكتب على صفحته الشخصية في موقع «فيسبوك»: «إذا لم يكن الشيء معطوباً، فلا تصلحه»، في إشارة إلى أن شعار المدينة الحالي يستوفي جميع أغراض الترويج وجذب المستثمرين للمدينة، ولا حاجة إلى تغييره.
وأما الموقع الإلكتروني الذي تم إطلاقه خصيصاً للمبادرة (RebrandingDearborn.com)، فيؤكد على أن الهدف من إعادة تصميم شعار ديربورن يتمثل في نشر صورة إيجابية وجاذبة لمجتمع المدينة، محلياً وإقليمياً ووطنياً وعالمياً، إضافة إلى «دعم النمو الاقتصادي وترسيخ حيوية ديربورن من خلال تقديم أفضل قصة ممكنة حول من نحن، وما الذي يمكن أن نقدمه للأشخاص الذين نرغب باجتذابهم».
ويشير إلى أن بلدية ديربورن تخطط لجذب الأنشطة الاقتصادية ذات الطابع التكنولوجي، على أمل المنافسة في الاقتصاد العالمي المتمحور حول التكنولوجيا والابتكار.
وقالت المديرة التنفيذية لهيئة تطوير الوسطين التجاريين، الشرقي والغربي لمدينة ديربورن، كريستينا شيبارد–ديشوس: «لعدد من السنين، كنا نرغب في تصميم هوية جديدة للمناطق التجارية في المدينة»، مضيفة في حديث مع «صدى الوطن»: «لقد بدأنا بإجراء محادثات موسعة حول هذا الموضوع مع أصحاب المصلحة وإدارة البلدية وممثلي المناطق التجارية».
وتابعت: «خلال جلسة التخطيط التي عقدناها في أوائل 2016، كانت صورة ديربورن هي واحدة من أكبر الأشياء التي اعتقدنا أنها يجب أن تتغير، لكي تتضمن رسالة متعددة المستويات.. لتقديم قصة جيدة عما تعني ديربورن، وإلى أين نحن ذاهبون».
وأشارت شيبارد–ديشوس إلى أن جزءاً من مبادرة إعادة تصميم العلامة التجارية يتضمن توفير أموال البلدية من خلال البحث عن شركاء للاستثمار في هذا المشروع،
وقالت إن «البراند» الجديد يهدف إلى جمع كل مزايا ديربورن في رسالة واحدة متماسكة يمكنها العمل عبر المنصات، وتمكين المدينة من توظيف مواهب جديدة، وجذب أعمال فريدة من نوعها، وجعل ديربورن مكاناً مرحباً وودوداً للعيش والعمل واللعب.
ولفتت إلى أن الشعار لا يمكن أن يحل مكان الختم الرسمي الذي يستخدم في الأعمال البلدية للمدينة، فالختم –بحسب تعبيرها– غير متاح للمشاريع غير الحكومية، على عكس الـ«لوغو».
وحول التعليقات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي شبه بعضها الشعار الجديد بالعلامات التجارية لشركات جمع القمامة وتدوير النفايات، قالت شيبارد–ديشوس إن الصورة الجديدة يجب أن تعكس تفاعل المدينة مع مجتمع الأعمال خارج المدينة وكذلك مع السكان الذين من المحتمل أن ينتقلوا للعيش في ديربورن، لافتة إلى أن المظهر الإلكتروني للمدينة عبر شبكة الإنترنت، ومواد التسويق والتوظيف المستقبلية، يجب أن تركز على تنوع المدينة وتاريخ الابتكار.
أما بالنسبة للاتهامات التي طالت البلدية حول إهمال آراء السكان وإقصاء المواهب المحلية عن المشاركة في تصميم الـ«براند» الجديد، فقد أكدت شيبارد–ديشوس على أن الهيئة عملت على إشراك الجميع، وقالت: «لقد حرصنا على أن تكون عملية التطوير شاملة، وقد تحدثنا إلى مجموعات وأفراد يعكسون التنوع الثقافي في المدينة، وعملنا على ضمان أن تشارك شركاتنا وشركاؤنا في العملية». وأضافت: «لقد تحدثنا مع طلاب في «جامعة ميشيغن»–فرع ديربورن، ومجموعات أخرى، وحرصنا على إجراء استطلاع ديموغرافي للشباب للتأكد من أن رسائلهم مُتضمنة في الشعار الجديد».
وأشارت إلى أن الهيئة تواصلت مع المجتمعات الإثنية، وفي طليعتها مجتمع العرب الأميركيين لمعرفة مواقفهم ووجهات نظرهم، وقالت إن الهيئة تضمنت فريقاً استشارياً ضم مجموعة كبيرة من المستثمرين والمقيمين، إضافة إلى عقدها اجتماعات أسبوعية عامة حول إعادة تصميم العلامة التسويقية للمدينة.
وأكدت على أنه تم العمل على عدد من التصاميم التي عرضت على الهيئة خلال الاجتماعات العامة، لافتة إلى وجود جدول بالخطوات والاجتماعات التي تمت على الموقع الإلكتروني للمبادرة، وقالت: إن الموقع يشرح عملية تصميم الشعار بالتفصيل.
وبحسب الموقع، فإن الـ«لوغو» الجديد يتكون من حرف «دي» بالإنكليزية، على خلفية سداسية الأضلاع مستوحاة من الشكل الهندسي لخلايا النحل للترميز عن الوئام المجتمعي في المدينة، كما أنه (الشكل السداسي) مستوحى في الوقت ذاته، من التصاميم الهندسية للبرغي والصامولة (العزقة) للترميز إلى الصناعة والابتكار، وأما اعتماد الزوايا المدورة بدلاً من الحادة فهو للتدليل على الصداقة والود، لعكس شخصية ديربورن المرحبة.
شيبارد–ديشوس، أشارت إلى أنه تم التعاقد مع شركتين لإنجاز التصميم الجديد، هما: شركة «أوكتاين» وشركة «آبلايد ستوري تيلينغ»، الأولى مقرها في ديترويت ويرأسها أحد سكان ديربورن السابقين، أما الثانية فمقرها ديربورن، لافتة إلى أن كلتا الشركتين تعاونتا في العديد من المشاريع مع «متحف ديربورن التاريخي» خلال الفترة السابقة.
من جانبه، لفت عضو مجلس ديربورن البلدي، مايك سرعيني، إلى أن الهيئة التي تشكلت لإعادة تصميم شعار المدينة لم يكن بين أعضائها ممثل عن المجلس البلدي، كما أن «هيئة تطوير الوسطين التجاريين في ديربورن» –صاحبة المبادرة– لا تخضع لسلطة المجلس.
وأضاف في حديث لـ«صدى الوطن» أن الهيئة تعتبر كياناً منفصلاً عن المجلس البلدي، وتنحصر مسؤولياتها في مهمة تعزيز التنمية الاقتصادية في مناطق الأعمال التجارية المختلفة في المدينة.
وحول ما إذا كان قد تم طرح مشروع إعادة تصميم شعار المدينة للتصويت في المجلس البلدي، قال سرعيني إن هكذا مشاريع تقوم بها عادة هيئات التطوير الاقتصادية في المدن، مشيراً إلى أنه كان يفضل استثمار الأموال في التجميل والبنى التحتية للمناطق التجارية.
ولفت العضو البلدي إلى أن إعادة تصميم الـ«براند» كان قراراً اتخدته هيئة تطوير الوسطين التجاريين دون استشارة المجلس البلدي.
وعادةً، تندرج مشاريع تغيير العلامات التجارية للمدن ضمن العمليات الترويجية ويتم تمويلها عبر زيادات على ضريبة الملكية العقارية. وعلى هذا النحو، تم إنشاء هيئة تغيير شعار ديربورن التي ضمت رئيس بلدية المدينة وممثلين من مقاطعة وين، للإشراف على المشروع الذي تقدّر كلفته الإجمالية بحوالي 480 ألف دولار.
وكانت «فورد لاند» –الذراع العقاري لشركة فورد للسيارات– قد منحت الهيئة مبلغ 100 ألف دولار، كما منحتها بلدية ديربورن مبلغ 50 ألفاً، أما المبالغ المتبقية فيتم جمعها من الإيرادات الناتجة عن ضرائب الملكية في المناطق والأحياء التجارية، التي يبلغ عددها ثماني مناطق في مدينة ديربورن.a
Leave a Reply