قراءة في المستجدات اللبنانية
وليد مرمر – «صدى الوطن»
يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد آخر، يتأكد للمراقب أن الوضع في لبنان آخذ إلى مزيد من التعقيد وأن لا حلول سحرية للأزمة السياسية التي تعصف بالبلد منذ يا يقارب الشهرين. وتُرافق التصعيد جهود دبلوماسية غربية ترمي إلى محاولة الخروج من الأزمة لئلا تنزلق الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، ولكن –ومع الأخد بعين الإعتبار أن ما قبل الحراك ليس كما بعده– يبدو أن لا محيص من مكاسب يجب أن يجنيها المحور الأميركي–السعودي–الإسرائيلي قبل السماح لوضع الأمور في نصابها.
هذا تقريباً فحوى ما عبّر عنه عدد من الأفرقاء كوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو. ومن هذا القبيل كان مضمون كلام القائد السابق للجيش الإسرائيلي غازي أزنكوت عندما لمح إلى احتمال حصول تغييرٍ إستراتيجي في مكانة لبنان مؤكداً أنّ «هناك مواطنين يخرجون إلى الشوارع ويتواجهون مع عناصر حزب الله» ومُشدّداً على أنّ «هذه فرصة للغرب لإعادة لبنان إلى اللبنانيين وإخراجه فوراً من أيدي فيلق القدس التابِع للحرس الثوريّ الإيرانيّ والذي يقوده الجنرال قاسم سليماني وحزب الله».
كان رئيس مجلس الأمن القومي السابق الجنرال الإسرائيليّ الاحتياطي غيورا آيلاند قد صرح لصحيفة «يديعوت أحرنوت» أنه يتعيَّن على إسرائيل استثمار الحراك اللبنانيّ من أجل العمل على نزع سلاح «حزب الله» مؤكداً على وجود فرصةٍ تاريخيّةٍ ماثِلةٍ أمام إسرائيل لتحقيق أهدافها التكتيكيّة والإستراتيجيّة وللتأثير على مجريات الأحداث دون اضطرارها للجوء إلى الخيار العسكريّ. وخلُص آيلاند أن أمام إسرائيل فرصة فريدة يتحتّم عليها استغلالها بعد تشكيل حكومة منفتحة على الغرب وعلى السعودية، للتأثير على الدول والمنظمات المانِحة باشتراط تقديم الأموال للبنان شريطة أنْ يقوم «حزب الله» بنزع سلاحه، الذي يُشكِّل خطراً إستراتيجياً على إسرائيل، على حدّ تعبيره.
وفي سياق متصل، تم حرق أوراق كل الأسماء التي كانت قد طرحت لرئاسة الحكومة كمناورة «حريرية» تهدف إلى كسب الوقت والتأكيد أنه لا مناص من سعد الحريري كالممثل الميثاقي الوحيد للطائفة السنية، كما أعلنت دار الفتوى. وبهذا تعود الأزمة إلى المربع الأول الذي يقضي بإعادة تسمية الحريري لرئاسة الوزراء مع تبديل وزاري ما يزال الأفرقاء مختلفين حول شكله. ففيما يصرّ «الثنائي الشيعي» على عودة الحريري لتشكيل حكومة تكنو–سياسية، يبدو أن موقف «التيار الوطني الحر» قد أخذ بالتباين عن حليفه الشيعي (حزب الله) عندما أعلن باسيل مساء يوم الخميس الماضي في مؤتمر صحفي عقب اجتماع تكتل «لبنان القوي» أن الفشل بالمال والاقتصاد منذ 30 سنة وحتى اليوم أدى إلى الانهيار قائلاً إننا كنا قد «أعلنا أننا سنقلب الطاولة بمعنى الخروج من الحكومة للعودة إلى المعارضة والناس، وما حصل أن الناس سبقتنا… ونحن لا يمكن أن نقبل أن يركب أي كان موجة الانتفاضة المحقة لإلغاء الآخرين».
وأضاف باسيل أنه «لا لزوم» لحرق أسماء وتدخل صرح ديني مثل دار الفتوى لتثبيت المعادلة مضيفاً أننا لا نسمح بضرب الميثاقية وتخطي التمثيل الفعلي ونحن نعطي مقاعدنا للحراك إذا رغب أو لأشخاص جديرين بالثقة إذا لم يرغب». ثم أردف قائلاً: «نحن لا نشارك ولا نحرّض، ولكن نقوم بمعارضة قوية وبناءة للسياسات المالية والاقتصادية والنقدية القائمة»، مضيفاً أنه قد نربح عبر السياسة حكومة تقنية وسياسية برئاسة الحريري ولكن ذلك لن يوقف الانهيار الاقتصادي لذا نحن مع ترك الحريّة لمن يريد من الحلفاء ولا يهمّنا أن نشارك بهكذا حكومة لأن مصيرها الفشل حتماً.. نحن لا نشارك ولا نمنع تشكيل الحكومة ولا نطلب ولا نضغط على أحد لعدم السير بهذا الأمر».
وختم باسيل بأن الحل في البلاد هو تشكيل حكومة أخصائيين مدعومة من القوى السياسية. أما إذا أصر الرئيس الحريري على معادلة أنا أو لا أحد فنحن كتيار وطني حر وكتكتل لبنان القوي لن نشارك بهكذا حكومة، وذلك لسبب واحد، لأن مصير هكذا حكومة أكيد سيكون الفشل».
باختصار يرى باسيل أنه إذا كان الثنائي الشيعي لا يرى بديلاً عن الحريري لتشكيل حكومة تكنو–سياسية بسبب التوازنات الإقليمية فإن التيار قد لا يشارك في هذه الحكومة وبالتالي قد ينتقل إلى المعارضة، ولكن مع الإبقاء على تحالفاته الاستراتيجية مع الأطراف الداخلية. فـ«التيار» يريد إما حكومة تكنوقراط خالصة من رئيسها إلى وزرائها، وإما حكومة سياسية بامتياز، وهذا لا يمنع من إشراكها لاختصاصيين أو وجوه من الحراك.
مجموعة الدعم
في السياق الدولي والإقليمي، فشلت باريس بإقناع السعودية والإمارات العربية المتحدة لأجل توفير مساعدة مالية عاجلة لدعم لبنان حيث جاء الرد الخليجي أن على لبنان أن يعود إلى «لبنانيته» أولا حتى لا تكون هذه المساعدة هي تشجيع لتدخله، من خلال «حزب الله» المهيمن على قراره، في أزمات تمس «أمننا الإستراتيجي». وربما هذا ما يفسر الغياب السعودي عن حضور مؤتمر «المجموعة الدولية لدعم لبنان» الذي عقد في باريس في مقر الخارجية الفرنسية نهار الأربعاء الماضي. وفيما لم يأخذ المجتمعون خطوات عملية لمساعدة لبنان على النهوض الإقتصادي فقد أكدوا أن «على لبنان حتى ينقذ نفسه ويستفيد من المساعدات المخصصة له، أن يتصرّف كدولة ناضجة معنية بسيادتها وبشعبها وبمؤسساتها».
وإلى جانب غياب المملكة اللافت عن الاجتماع كان بارزاً حضور روسيا والصين وتأثيرهما على البيان الختامي للمجموعة الذي رسم خارطة طريق واضحة مدعومة من جامعة الدول العربية والصناديق الإقليمية والدولية ومؤداها «أن لبنان في حال أراد إنقاذ نفسه بمساعدة المجتمع الدولي فعليه تشكيل حكومة فاعلة وذات مصداقية تكون ملتزمة بسياسة النأي بالنفس عن التوترات والأزمات الإقليمية». والواضح أن البيان، وبتأثير روسي واضح، تجنب ذكر حكومة «تكنوقراط» خالصة كما يريد بقية الأطراف، وهذا ما يعطي هامشاً أكبر للحل الذي يسعى إليه الأوروبيون والأميركيون كيلا يقع «المحظور» ويُدفع لبنان إلى المحور الإيراني.
كذلك، تطرق البيان إلى الشفافية والفساد والخصخصة وشكل الحكومة ونوعية الوزراء والمشاريع والتعاطي مع «الثوار» وحمايتهم. ولقد أفادت جهات مطلعة أن السفير حسام زكي، الذي ترأس وفد جامعة الدول العربية، طلب من الدول والصناديق النقدية المشاركة في الاجتماع توفير وديعة توازي خمسة مليارات دولار لإيداعها مصرف لبنان، ولكن هذا الطرح أُهملت مناقشته!
وقال زكي في مداخلته إنه يجب حماية دستور الطائف الذي تعرض في المرحلة الأخيرة لانتهاكات من شأنها المس بأسس الاستقرار والسلم الأهلي. والواضح أن زكي كان يغمز من قناة ما سمي بـ«التأليف قبل التكليف» الذي اتهم به الرئيس عون بسبب تأجيله الاستشارات النيابية حتى يتم التوافق على اسم رئيس الحكومة وشكلها وبيانها، وهذا ما تعتبره السعودية تعدياً على صلاحيات رئيس الحكومة و«السنية السياسية» بصفة عامة.
إذن، فمن الجلي أن المجتمع الدولي ما زال يحاول الضغط لتحسين شروطه في مقابل المساعدات المالية الموعودة وإلا فستبقى ورقة الشارع بيده يحركها حيثما وكيفما شاء. كما بات من الواضح أنه سوف يتم تكليف سعد الحريري برئاسة الحكومة المقبلة عقب الاستشارات النيابية المقررة نهار الإثنين القادم، رغم توقع امتناع كتلتين كبيرتين عن تسميته وهما «التيار الوطني الحر» و«حزب الله».
ومن المؤكد أيضاً أن تشكيل الحكومة لن يكون سهلاً رغم محاولة الرئيس عون تذليل العقبات من خلال المشاورات التي أجراها خلال الأسابيع المنصرمة. وحري بالقول إن صياغة البيان الحكومي ستكون إحدى العقبات الكبرى نظراً لإصرار السعودية على عدم ذكر حق اللبنانيين بالمقاومة، وهذا أمر لن تتهاون معه قوى ما كان يعرف بـ«8 آذار».
وكان «الثوار» في الأسبوع الماضي قد عادوا إلى استراتيجية قطع الطرق التي نفّرت منهم الكثير من المواطنين وذلك لمحاولة إعادة الزخم للحراك الذي خلت منه الساحات. ويبدو أن الحراك استقر على اسم نواف سلام، كرئيس للحكومة، وهو اسم يلاقي رفضاً قاطعاً من «حزب الله».
فهل سيعمد «الثوار» إلى التصعيد بعد تسمية الحريري في مطلع الأسبوع المقبل أم أن حراكهم سيخمد بعد الإشارة الدولية له بذلك لإعطاء فرصة للحريري لتشكيل حكومة إنقاذ؟
يبدو أن هذا هو السيناريو المتوقع، ذلك أن هناك قراراً معلناً وضمنياً من المجتمع الدولي أنه من غير المسموح للبنان أن ينزلق نحو الفوضى لأن ذلك سيخدم المحور الإيراني وسيضر بمصالح الأوروبيين والأميركيين. وسوف يوازي هذا القرار فتح بعض السفارات مؤقتاً أبواب الهجرة (وهذا ما تم رصده بالفعل) وذلك «لتنفيس الشارع» ولإعادة الجو العام إلى الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والمالي.
Leave a Reply