مع البدء بتركيبها في منطقة ديترويت الكبرى
ديترويت – شهدت عدة مدن في منطقة ديترويت الكبرى، خلال العام الجاري، تركيب أجهزة بث حديثة لتوفير خدمات شبكة اتصالات الجيل الخامس المعروفة بـ«5 جي» 5G، والتي تتميز بالسرعة الفائقة في نقل البيانات بالمقارنة مع تكنولوجيا الجيل الرابع المستخدمة الحالية.
ووسط تنافس عالمي على نشر أجهزة ومعدات البث الحديثة، تبرز تساؤلات عدة حول تأثير شبكة 5G على صحة الإنسان، لكونها تستخدم نطاق ترددات أعلى من النطاق المستخدم في شبكة الهواتف الخليوية الحالية، حيث ينطلق من 3.4 غيغاهرتز ليتخطى 26 غيغاهرتز مستقبلاً.
ولكن كلما علت الترددات كانت الموجات أقصر، لذلك يتطلب نشر شبكة الجيل الخامس، زيادة عدد الهوائيات، مما يثير مخاوف بعض المنظمات غير الحكومية.
وبدأت الولايات المتحدة هذا العام نشر شبكة الجيل الخامس في عشرات المدن، كما أعلنت كوريا الجنوبية، في نيسان (أبريل) الماضي، نشر الشبكة على كامل أراضيها.
وكانت دول أوروبية كسويسرا وفنلندا وإستونيا وموناكو أول من بدأ بنشر شبكة الجيل الخامس، في حين قدمت ألمانيا للمشغلين الترددات الضرورية لذلك، وستحذو حذو هذه الدول قريباً.
أما الصين، فبدأت بتوفير خدمات الجيل الخامس في خمسين مدينة بينها بكين وشنغهاي، منذ الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم.
وفي ولاية ميشيغن، بدأت شركات الاتصالات الكبرى بتركيب شبكات 5G في العديد من المدن، بما فيها شبكة «فيرايزون» التي باتت توفر خدمة الجيل الخامس في ديترويت وديربورن وتروي وليفونيا.
وستسمح تكنولوجيا الجيل الخامس بربط الأجهزة الإلكترونية على أنواعها، ما يساهم في انتشار «تقنيّات المستقبل» كالسيارات الذاتية القيادة، والمصانع المشغّلة آلياً، والعمليات الجراحية المنفذة عن بُعد، والروبوتات الذكية وغيرها. وعلى سبيل المثال، بإمكان شبكة 5G نقل بين 400 ميغابايت إلى 1 غيغابايت في الثانية الواحدة، في حين أن الجيل الرابع ينقل ما بين 5 إلى 12 ميغابايت في الثانية (السرعة القصوى 50 ميغابايت في الثانية).
الترددات الراديوية
كثيرةٌ هي مصادر الترددات الراديوية من حولنا: الهواتف الخليوية، أجهزة التلفزيون والراديو، وليس انتهاءً بشبكات الإنترنت اللاسلكي (واي فاي). وتثير هذه الترددات مخاوف متعلقة بتأثيرها على صحة الإنسان وسلامته، حيث تشير بعض الدراسات إلى «إمكان زيادة خطر الورم الدماغي، على المدى الطويل، لدى مستخدمي الهواتف الخليوية بشكل كثيف»، كما ذكرت «الوكالة الوطنية الفرنسية للأمن الصحي للغذاء والبيئة والعمل» ANSES. الأمر الذي حمل «منظمة الصحة العالمية»، عام 2011، على وصف الترددات اللاسلكية بأنها «قد تكون مسرطنة للإنسان»، موصيةً باستخدام الهاتف بعيداً عن الرأس.
وقدّرت الوكالة الفرنسية، عام 2016، أن موجات الأجهزة الخليوية والأجهزة اللوحية قد يكون لها تأثير على الوظائف الإدراكية للأولاد وعلى ذاكرتهم وقدرتهم على التركيز والتنسيق، وأوصت بالحد من تعرّض الأولاد لها.
وتقول «منظمة الصحة العالمية» إن «الأثر البيولوجي الرئيسي للحقول الكهرومغناطيسية الناجمة عن الترددات اللاسلكية هو أثر حراري»، ما يعني ارتفاع الحرارة في المناطق المعرّضة لهذه الحقول.
بالإضافة إلى ذلك، أوضح الخبير في الوكالة الوطنيّة الفرنسية، أوليفييه ميركل، أن «بعض الدراسات أشارت إلى وجود آثار بيولوجية تطال مجالات محددة كالنوم أو الضغط».
وأشارت الوكالة إلى أن التأثيرات البيولوجية لا تعني بالضرورة آثاراً صحية سلبية، فقد تكون الآثار البيولوجية هي إشارة على تأقلم الجسم مع تغيرات بيئته.
وأوضح الباحث إبراهيم سلماوي من المعهد الفرنسي للبيئة الصناعية والمخاطر أن «الإجهاد مثلاً يرفع نسبة الأدرينالين، والجهد الجسدي يرفع حرارة الجسم، وهذا رد فعل فيزيولوجي طبيعي».
وتنحصر المسألة تالياً في معرفة ما إذا كان تراكم التأثيرات البيولوجية يفوق قدرة جسم الإنسان على التأقلم، الأمر الذي قد تكون له حينها عواقب على صحة الإنسان.
ما بعد 2020
يبيّن، أوليفييه ميركل، أن نطاق الترددات المعتمدة لبدء نشر شبكة الجيل الخامس –كتلك التي تم نشرها في منطقة ديترويت–«قريبة جداً من تلك المستخدمة حالياً لشبكة الجيل الرابع أو شبكة الإنترنت اللاسلكية». وبالتالي، فإن ذلك لا يغير الأسئلة العلمية المطروحة حولها بشكل جذري. إلا أن الأمر سيختلف مع تغير النطاق لاحقاً ليصل إلى 26 غيغاهرتز وهذا ما يطلق عليه اسم «شبكة الجيل الخامس الميليمترية».
ويقول، ميركل، بهذا الصدد إنه «اعتباراً من 10 غيغاهرتز، لا تدخل الطاقة الكهرومغناطيسية عملياً إلى الجسم بل تتركز على مستوى البشرة، ويطرح ذلك أسئلة مختلفة لناحية الآثار المحتملة على الصحة».
وكشف، أوليفييه ميركل، عن استعداد «الوكالة الوطنية الفرنسية للأمن الصحي للغذاء والبيئة والعمل» للمباشرة في دراسة تحليلية حول آثار إشارات شبكة الجيل الخامس على الإنسان، على أن يتم إنجازها في نهاية عام 2020.
Leave a Reply